مقالات

لم يساورني الشك للحظة واحدة بحتمية الرد الإيراني على العدوان الأميركي الذي استهدف المنشآت النووية الثلاث، في فوردو ونطنز وأصفهان. ومن الكفاية لكل مراقب ومتتبع لسياسة إيران، منذ انتصار ثورتها قبل ما يزيد عن 46 عامًا، أن يتيقن بأن الحد الأدنى للرد الإيراني هو أن يكون متوازنًا مع العدوان الذي تعرضت له كمًا ونوعًا وردعًا ..
بخلاف التوقعات والتحليلات والقراءات كلها التي تناولتها وسائل الإعلام الرسمية والبديلة حيال طبيعة الرد الإيراني المتوقع، مع التشكيك بحصوله، جاء الرد الإيراني من خارج الحسابات المتوقعة لجهة استهدافه لإحدى أهم القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. ما يعني أن إيران ردت على الدولة المعتدية ذاتها، ولم تكتف بالرد على الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، ونقصد الكيان الصهيوني، على الرغم من حقيقة أنه قاعدة متقدمة للولايات المتحدة في المنطقة، فاختارت إيران أن يكون ردها حاسمًا ومباشرًا على من نفذ العدوان على المنشآت النووية ..
كما أن ليس الرد المتوازن على الدولة المعتدية هو الرسالة الوحيدة التي حملتها الصواريخ الإيرانية، والتي دكت قاعدة العديد الأميركية الجوية في دولة قطر، فهناك عشرات القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة في دول عديدة تحيط بإيران يمكن أن تطالها الصواريخ والمسيّرات الإيرانية بكل سهولة، وخاصة أن قدرات إيران العسكرية الصاروخية أثبتت، خلال هذه الحرب، تطورًا كبيرًا لجهة القدرة على اختراق أكثر منظومات الاعتراض تطورًا في العالم، وأيضًا لجهة الدقة في الإصابة والقدرة التدميرية، لكن طهران اختارت قاعدة العديد الأميركية في قطر على وجه التحديد لتنفيذ عملية الرد، فما هي الرسائل التي يمكن قراءتها من ذلك ؟
أولى هذه الرسائل يتعلق بحجم قاعدة العديد وإمكاناتها العسكرية، حيث تعدّ المقر الأمامي للقيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية (AFCENT) وقيادة العمليات الجوية المشتركة في المنطقة. وإلى جانب القوات الجوية الأميركية تستخدمها القوات الجوية الملكية البريطانية والقوات الجوية القطرية، كما تستضيف منشآت قيادة وتحكم متطورة تُدار منها العمليات الجوية الأميركية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، ولديها طاقة استيعابية تفوق 100 طائرة في وقت واحد، وبالتالي فإن استهدافها يشكّل ضربة نوعية للقدرات الجوية الأميركية في المنطقة ككل، ويترك أثرًا بليغًا في عمليات واشنطن الجوية.
الرسالة الثانية موجهة إلى الدول الحليفة للولايات المتحدة في الإقليم، ومفادها أن القواعد العسكرية الأميركية باتت تشكل عبئًا أمنيًا على تلك الدول، وتلك القواعد غير قادرة على حماية نفسها، فكيف ستكون قادرة على حمايتكم ..؟
الرسالة الثالثة إلى دول الخليج؛ وهدفها التأكيد بأن أمن الخليج ودوله والملاحة فيه هي من مسؤولية الدول المتشاطئة عليه دون غيرها، ولا حاجة لوجود قواعد عسكرية أجنبية فيه باتت تشكل الخطر الحقيقي على دوله..
الرسالة الرابعة إلى حلفاء إيران في الإقليم بأن جبهة المقاومة التي تقودها إيران ما تزال قوية؛ على الرغم من التآمر عليها، وما تزال قادرة على ردع رأس الشر العالمي المتمثل بالولايات المتحدة وأداتها الإقليمية المتمثلة بـ"إسرائيل" وبدول الانبطاح التي تدور في فلكها..
ختامًا؛ لقد شهد العالم أجمع كيف أن دولة عظيمة، مثل الجمهورية الإيرانية الإسلامية، قد وقفت بحكمة واقتدار وشجاعة منفردة في وجه حرب قذرة أوكلت مهمة القيام بها لكيان مجرم مدجج بأحدث السلاح، بما فيه النووي، ومدعوم من دول الغرب الجماعي مجتمعة ودول إقليمية عدة في السر والعلن ولاحقًا تدخلت الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبه بشكل مباشر، وكيف حققت نصرًا تاريخيًا أسطوريًا سيفرض نتائجه "الجيوسياسية" على خريطة العالم الجديد، ويمنح إيران موقعها الذي تستحقه بتضحيات شعبها القطب "الجيوسياسي" الإقليمي، والذي له دوره في رسم الخرائط العالمية.