اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران: وجّهنا ردًا مزلزلًا على المعتدين

مقالات

إيران نحو عتبة استراتيجيّة جديدة ومركّبة 
مقالات

إيران نحو عتبة استراتيجيّة جديدة ومركّبة 

150

نجح الكيان الصهيونيّ، فجر يوم الجمعة 13 حزيران 2025، باغتيال نظام منع انتشار الأسلحة النوويّة بقيادة ومؤازرة أميركيّة ثمّ بانخراط علنيّ (فجر الأحد 22 حزيران) نيابةً عن الغرب المتوحّش، متجاوزين الخطوط الحمر كافة ما يهدّد الأمن والسلام الدوليّين ويشيع قانون الغاب في العالم، فالمسألة ترتبط بأصل الهجوم قبل البحث في نتائجه، والتي قد تزيده تفاقمًا ولا تنتقص منه. 

راهنت الولايات المتحدة الأميركيّة باغتيالها المفاوضات في البرنامج النوويّ الإيرانيّ السلميّ على ضرب ما كانت تدرجه على جدول هيمنتها، خلال سنوات مديدة، بنقاط ثلاث: البرنامج النوويّ والبرنامج الصاروخيّ الباليستيّ والفرط صوتيّ والبرنامج الإقليميّ مع حركات المقاومة. 

لقد كانت إيران تقتصر النقاش في البرنامج النوويّ، إلّا ما استدعته الضرورة واقتضته المصلحة الوطنيّة والقوميّة العربيّة والإسلاميّة البحتة، فتنخرط بطريقة نقطويّة استثنائيّة لا بطريقة عضويّة وبنيويّة مباشرة وشاملة، كما كان يحصل في تحسين شروط العراق مقابل الهيمنة الأميركيّة.  

وللتذكير، وقّعت طهران اتفاقًا بشأن برنامجها النوويّ (14 تموز/يوليو 2015)، ودخل حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016، مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا (مجموعة 5 + 1)، ثمّ ما لبث "ترامب" أن سحب بلاده منه (أيار /مايو 2018)، وأعاد فرض العقوبات على إيران، مفتتحًا العام 2020 باغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس في بغداد. 

تناوب على تفجير خط الدبلوماسيّة 

فجّرت "إسرائيل"، بعدوانها المباغت، خط الدبلوماسيّة وسط المفاوضات مع الأمريكيّين، ثم نسفته "الولايات المتّحدة الأميركيّة" مرّة أخرى وسط المفاوضات مع الأوروبيّين على مسافة أيّام فقط. وكان "ترامب" قد جعل مدّة شهرين مهلةً حادّة أمام طهران للإذعان المفروض وإنجاز اتفاق نوويّ جديد، وإمّا الحرب المفروضة والدخول العسكريّ الأميركيّ المباشر والمروّع.

لقد شكّلت المفاوضات إحدى طبقات التضليل في التفاوض، إلّا أنّ الخداع بواسطة طاولة المفاوضات لم يكن كافيًا للخديعة السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة التي أبطلها الإمام الخامنئيّ، ببصيرته الدائمة، منبّهًا ومحذّرًا في حلقات التفاوض السابقة والراهنة كافة. كما يصبّ استقراء حلقات الحرب العالميّة المتنقّلة على فلسطين ولبنان وتجميد فعاليّة الإسناد العراقيّ والانقلاب على الدولة السوريّة، سلطة، وأرضًا، ومجتمعًا، والتحكّم بمسار الصراع مع اليمن، فضلًا عن التصريحات وسلسلة الإجراءات إلى التوصّل بوضوح إلى النتيجة عينها أن الحرب كانت قاب قوسين أو أدنى.

 لكن هذا الخداع التفاوضيّ كان ملائمًا لتعزيز عنصر المفاجأة، بتوقيت العدوان والرهان عبر تحريك الشبكات المنظّمة والمجهّزة داخل طهران وعدد من المحافظات، لإيرانيّين ومن جنسيّات مختلفة. 

هاجمت الولايات المتّحدة الأميركيّة قلب العالم الإسلاميّ بقاذفاتها الاستراتيجيّة B-2، في لحظة تاريخيّة تؤسّس لمرحلة جديدة يتم فيها إحكام الخناق والسيطرة على ما تبقى من هوية وإرادة عند حكومات المنطقة وشعوبها، ولا تقتصر على استهداف مواقع "فوردو ونطنز وأصفهان" بوسائط متنوّعة من العدوان. وهو انقلاب على مسار التسويّة بالتطبيع، تمهيدًا لحيازة موقع أكثر استحواذًا في "شرق أوسط جديد" لعالم جديد. لذلك، نسفت أميركا الدبلوماسيّة بيدها وبيد الكيان المؤقّت، وربما ترفقه بتحالف دوليّ معادٍ قريبًا.

 تحوّل استراتيجيّ معقّد ومركّب 

 وعليه؛ يمكن التيقّن أن إيران ستذهب إلى عتبة استراتيجيّة جديدة معقّدة ومركّبة، في رد طبيعيّ على الانخراط الأميركيّ العدوانيّ العلنيّ المباشر في الحرب عليها. تجمع فيها بين قرارات نوويّة؛ تطال معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة التي لم تحقّق لها الحماية، وستضع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي ساورتها شكوك من وظيفتها وأداء مديرها العام "رافائيل ماريانو غروسي" على مشرح البحث، واتخاذ قوانين وتشريعات جديدة بحجم المرحلة، وتصعيد في العمليّات العسكريّة باتجاه الكيان اللقيط والقواعد الأميركيّة، وإطلاق يد الحلفاء باستقلال وتكامل، وترتيب تحالفات دوليّة أو مسارات تعاون متعدّدة الأبعاد (أمنيّة وعسكريّة وسياسيّة ولوجستيّة) تلبي حاجاتها المختلفة لتقييد الحرب عليها ولإيلام عدوّها وحماية سيادتها وعزّتها؛ ويكفيها لذلك صمودها وطول النفس في التحمّل لتنتصر. 

الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تتصرّف بصفتها دولة إقليميّة على قدر مكانتها الحاليّة والطامحة لها. وعليه، هي ردت، بشكل متناسب ومناسب، على قاعدة "العديد" الأميركية في قطر، والتي كانت منطلق اهتزاز أمنها بانتهاكها الفظيع لمنشآت نوويّة ثلاث وتغطية العدوان الإسرائيليّ ومؤازرته. ووضعت أماكن إقلاع الطائرات الأميركيّة والقواعد والبوارج البحريّة الأميركيّة أهدافًا لها، بشكل مباشر وغير مباشر، بما نال نال من رمزيّة القدرة الأميركيّة وصورتها في المنطقة والعالم، ووسّع رقعة المواجهة بنحو مدروس.   

هذا؛ وسيشتد التركيز الإيرانيّ على الكيان الصهيوني المستمرّ في عدوانه، بتدرّج تصاعديّ في كمّه النوعيّ (تنوّع الوسائط، مداها، قدرتها التدميريّة، مناورتها، رؤوسها الصاروخيّة الانقضاضيّة والهجوميّة المتفرّعة عن الصاروخ الرئيس) واتساع نطاق استهدافه المتزامن، ودقة الأهداف الحساسّة، وربّما الدخول بعشوائيّة متعمّدة أيضًا، وإطالة المدى الزمنيّ في استنزافه، وإغراقه بنتائج مؤثرة ومدمّرة ماديًّا ومعلوماتيًّا وبشريًّا، وممارسة الضغوط القصوى للتهجير المتزايد؛ بوصف العدو الإسرائيليّ القاعدة المتقدّمة الأخطر للغرب والأكثر مشروعيّة وشرعيّة في القضاء عليه أو تقويض صورته ونظريّته الأمنيّة. 

توفّق إيران في الصمود الاستراتيجيّ وإعادة بناء قدراتها داخل الحرب، بين الحفاظ على هويّتها وسيادتها واستقلال قرارها وطموحاتها المستقبليّة الاستراتيجيّة، وبين قطع الطريق على شبق العدو لضمان عدم قدرة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة على استعادة بنيتها وفعاليّتها.

تدرك طهران أن النظرة إليها لا تتوقف عند الحفاظ على شرعية نظامها وسيادته على أراضيها؛ أيضا على دورها وعلى هويّته كونها الداعم للمستضعفين، وهو جزء من دستورها.

تختلف هذه الحرب جذريًّا عن الحرب السابقة المفروضة عليها، فهي لن تسارع إلى تجرّع السمّ الذي استغرق ثمان سنوات.

 تقع هذه الحرب مع عدوّها المباشر والأجنبيّ عن المنطقة، لا مع المُستخدم أو الوكيل الذي يضرب في شرايين مجتمعات المنطقة تفرقة وفوضى. وهي تمسك بأوراق قوّتها داخلها وخارجها، وتمتلك من الطاقة على التحمّل ما لا يملكها العدو الصهيونيّ. وهي تخوض الحرب المفروضة عليها بما ينسجم مع هويتها التي تتكامل فيها ثورتها بدولتها ودولتها بثورتها نحو إزالة "إسرائيل"، باستمرار استنزاف الجبهة الداخلية وتعميق التناقضات وتحفيز الهجرة من الكيان المؤقت.

بدأت الولايات المتحدة الأميركيّة والكيان الصهيونيّ الحرب، لكن يبقى الكلام في إنهائها، ما يعيد موازين القوى إلى نصابها المضبوط على شاكلة النهاية بمستوياتها المعقّدة والمتداخلة عالميًّا وإقليميًّا ومحليًّا، وتبقى السيناريوهات كافة مفتوحة على تقدير الموقف بعين أميركيّة وأخرى إيرانيّة، على نحو ديناميّ ملازم، لأي تطوّر في الحرب الجارية من داخلها أو خارجها.

الكلمات المفتاحية
مشاركة