اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي "يديعوت أحرونوت": الميزانية الأمنية لن تفي بالهدف

مقالات

نهاية احتكار السماء.. كيف غيّرت المسيّرات قواعد الحرب الجوية؟
مقالات

نهاية احتكار السماء.. كيف غيّرت المسيّرات قواعد الحرب الجوية؟

176

نهاية احتكار السماء.. سلاح جديد يغيّر وجه الحروب منذ فجر الحروب الحديثة، كان من يملك السماء يملك زمام المعركة. لكن تلك القاعدة الذهبية باتت، اليوم، أمام اختبار حقيقي مع دخول العالم حقبة الوسائط المسيّرة. لم تعد السيطرة على الأجواء حكرًا على أسراب الطائرات المقاتلة أو القاذفات الاستراتيجية. اليوم، يمكن لسرب صغير من طائرات مسيّرة زهيدة الكلفة ومزوّدة بتقنيات ذكية أن يُربك حسابات الجيوش الكبرى ويهدّد تفوّقها الجوي.

ثمة أسباب جوهرية لهذا التحوّل:

• تحييد العنصر البشري يقلل من الخسائر البشريّة والسياسيّة.
• دقّة إصابة الأهداف أعلى من أي وقت مضى.
• الكثافة الهجومية أصبحت ممكنة بتكلفة محدودة.
• سهولة التصنيع والانتشار تجعل التقنية في متناول الدول الصغيرة وحركات المقاومة.
• عدم الحاجة إلى مطارات كبيرة وحاملات طائرات للنقل والإقلاع.

أمام هذه الثورة، تشهد العقيدة القتاليّة الجوية تغيّرًا دراماتيكيًا:

• سلاح الجو الأميركي يتجه نحو "الأسطول الهجين".
• الصين تضاعف إنتاج المسيّرات وتطوّر تقنيات الذكاء الصناعي العسكري.
• روسيا، تركيا، إيران، اليمن، والكيان الصهيوني يسعون إلى إدخال هذا السلاح في منظوماتهم الدفاعية والهجومية.
• القوى الصغرى تدخل السباق بابتكار تكتيكات جديدة.

الأخطر أن أحداث السنوات الأخيرة أثبتت أن المسيّرات تستطيع قلب المعادلات، حتى في أكثر الجبهات تحصينًا، من هجمات أوكرانيا على القواعد الروسية إلى عمليات المقاومة في عمق الكيان الصهيوني.

السماء لم تعد آمنة... حتى لأقوى الجيوش.

كيف غيّرت المسيّرات معادلات الصراع

شهد العالم، في السنوات القليلة الماضية، سلسلة من الهجمات الفارقة التي كشفت مدى قدرة المسيّرات على قلب معادلات الردع والتفوق الجوي.

في الحرب الأوكرانية- الروسية، مثّل الهجوم على القواعد الجوية الروسيّة نقطة تحوّل استراتيجية. مسيّرات انتحارية صغيرة دمرت طائرات حديثة داخل مطارات محصّنة، موجّهة ضربة نفسيّة ومعنويّة للتفوّق الروسي المطلق.

وقبلها استُهدف الكرملين بمسيّرة انتحارية، رسالة واضحة للقيادة الروسية بأن العمق لم يعد آمنًا.

في سابقة أخرى، استهدفت المقاومة في لبنان مبنى سريًّا لقوات النخبة "الإسرائيلية" في بنيامينا، بواسطة مسيّرات هجومية. ووصلت مسيّرة إلى غرفة نوم رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، محاولة اغتيال وُصفت بأنها "زلزال أمني" داخل المؤسسة العسكرية.

كما وصل العديد منها إلى عمق الكيان، آتية من لبنان، واليمن والعراق، لتصبح كل قطعة من الأرض الفلسطينية المحتلة ليست في مأمن من المسيرات الانتحارية، وكل منشأة عسكرية أو مبنى حكومي عرضة للاستهداف المباشر.

في المقابل؛ استطاع العدو تكريس مفهوم الاستهداف المباشر واغتيال قادة المقاومة وكوادرها، عبر المسيّرات من خلال تضيق دائرة القتل من الكشف إلى الاستهداف، كما استخدم الدرونات الصغيرة لسد الثغرات الاستخباريّة طوال مرحلة الإسناد ومعركة أولي البأس.

هجوم الوعد الصادق الذي شنّته القوات الإيرانية على الكيان ارتكز، بشكل كبير، على المسيّرات الانتحارية التي اخترقت الدفاعات الجوية وبلغت أهدافها في عمق الكيان مجتازة مسافة تفوق 2000 كلم.

وفي حرب أرمينيا - أذربيجان، أدت المسيّرات التركية و"الإسرائيلية" دورًا حاسمًا؛ فالمسيّرات الصغيرة نجحت في تدمير منظومات S-300 المتطوّرة، ما أدى إلى شلل دفاعي كامل وأتاح تفوقًا ميدانيًا حاسمًا لأذربيجان.

هذه النماذج كشفت خطرًا بالغًا، إذ لم يعد في وسع الجيوش الكبرى الاعتماد على الأنظمة التقليدية لضمان السيطرة الجوية.

نهاية السيطرة الجوية التقليدية؟ المروحيات والمقاتلات تحت التهديد

تُعيد المسيّرات صياغة مفهوم السيطرة الجوية مهدّدة مستقبل الوسائل التقليدية، في مقدّمتها:

• المروحيات الهجومية التي مثّلت لعقود ذراعًا نارية مرنة، باتت أهدافًا سهلة أمام الدفاع الجوي التكتيكي أو حتى أمام مسيّرات انتحارية زهيدة الثمن، في مقابل كلفتها العالية وحاجتها للعنصر البشري المعرّض للقتل.

• المقاتلات الحديثة، على الرغم من قدراتها الخارقة، أصبحت في وضع دفاعي عندما تواجه أسرابًا من مسيّرات يصعب تعقّبها واعتراضها جميعًا.

• طائرات القيادة والسيطرة التي كانت تتحرّك بحرية في مسرح العمليات، باتت مجبرة على العمل من مسافات آمنة خوفًا من اختراق المسيّرات لمنطقة عملها.

• القاذفات الاستراتيجية تحتاج، اليوم، إلى مواكبة بأنظمة دفاعية أكثر تعقيدًا وكلفة.

في الحرب الأذرية - الأرمينية، وفي معارك اليمن، وفي اشتباكات غزة، أثبتت المسيّرات فعّاليتها بكلفة تشغيل منخفضة جدًا. حتى داخل الولايات المتحدة، ترتفع أصوات تطالب بتقليص الاعتماد على أسطول المروحيات المأهولة لصالح المسيّرات متعددة المهام.

والأهم أن انخفاض كلفة المسيّرات يتيح شنّ هجمات موجاتية (عشرات أو مئات المسيّرات في وقت واحد)، وهو ما يجعل الدفاعات الجوية التقليدية غير قادرة على مواكبة حجم التهديد.

معركة السماء أصبحت أكثر ازدحامًا... وأقلّ قابلية للسيطرة من طرف واحد.

سباق التسلّح لم يعد حكرًا على القوى العظمى

تتمثل السمة الأبرز لثورة المسيّرات أنها ليست حكرًا على القوى الكبرى. على الرغم من أن الصين وأميركا، في طليعة السباق الصناعي، إلا أن المشهد صار معقّدًا. اليوم؛ هما تخوضان سباقًا محمومًا مع دخول الذكاء الصناعي لتحسين الاشتباك والمناورة. لكن حتى الدول الإقليمية الصغرى والمنظمات وحركات المقاومة باتت قادرة على تطوير مسيّرات فعّالة بكلفة محدودة.

هذه "الواقع التقني" يفتح الباب أمام موجة جديدة من سباق التسلّح، حيث يمكن لأي فاعل جديد أن يمتلك أدوات هجوم فعّالة.

• الصين، قادرة على إنتاج آلاف المسيّرات بوتيرة غير مسبوقة.

• أميركا تطوّر جيلًا جديدًا من مسيّرات الذكاء الصناعي.

• إيران طوّرت منظومات محليّة أثبتت جدارتها في أكثر من ميدان.

• تركيا صارت قوّة مصدّرة للمسيّرات التكتيكية.

والنتيجة، عصر السيطرة الجوية الكاملة يقترب من نهايته.

السبب في هذا الانتشار؟ بساطة تقنيات التصنيع، وتوافر المكونات، وإمكان تعديل تكنولوجيا مدنية إلى مسيّرات قتالية.

لأول مرة، منذ عقود، يستطيع لاعب صغير أن يمسك بزمام السماء ولو جزئيًا.

الذكاء الصناعي هو الثورة المقبلة في سلاح المسيّرات

إذا كانت المسيّرات قد أعادت تعريف الحرب الجويّة، فإن دخول الذكاء الصناعي سيُحدث ثورة أكبر.

لكن ما يلوح في الأفق هو أخطر، فمسيّرات الغد والذخائر الذكيّة لن تكون مجرّد أدوات مبرمجة مسبقًا، بل ستصبح أنظمة قتالية قادرة على:

• اتخاذ قرارات هجومية مستقلة.
• العمل بتناغم ضمن أسراب ذكيّة (Swarming Drones).
• مراوغة الدفاعات الجوية عبر أنماط طيران معقّدة.
• تعلّم أنماط الدفاع الجوي والتكيّف معها في أثناء القتال.

هذا التحوّل سيقلب موازين القتال، ويطرح أسئلة كبرى عن مستقبل الأخلاقيات العسكريّة وإدارة الحروب.

من يقود سماء الغد؟ الطائرات المأهولة أمام تحدّي الأتمتة

على الرغم من كلّ التطور في المسيّرات، لن تختفي الطائرات المأهولة قريبًا.

لكن معادلة القيادة تغيّرت:

• المقاتلة المأهولة ستتحول إلى منصة قيادة جويّة.
• المسيّرات ستقود المعركة الفعليّة في الخطوط الأماميّة.
• أنظمة الدفاع الجوي ستضطر إلى تطوير جيل جديد بالكامل لمواجهة المسيّرات الذكيّة.

السباق الحقيقي اليوم هو بين:

• من سيطوّر أسرابًا من مسيّرات أكثر ذكاءً؟
• ومن سيبتكر أنظمة دفاع قادرة على تحييدها؟
خاتمة: عصر الحرب بالمسيرات... من يملك زمام المبادرة؟

لقد تغيّر مشهد الحرب الجويّة؛ فنحن أمام ثورة استراتيجيّة لمّا تكتمل بعد.

السباق نحو تسليح الجو بالمسيّرات الذكيّة يسير بسرعة هائلة.

القوى الكبرى تراجع عقائدها القتاليّة، فترامب أوعز بتغيير العقيدة القتاليّة المتعلّقة بالأمن الداخلي بما يخص سلاح المسيرات. 

القوى الإقليمية ترى في المسيّرات فرصة لردم فجوة التفوّق الجوي التقليدي. وحركات المقاومة تجد في هذه الأسلحة أداة ردع جديدة وغير متكافئة.

بناء على ما تقدم؛ قد نشهد في السنوات القادمة معارك تُحسم بالكامل "بأساطيل من المسيّرات الذكيّة"، فاليوم نشهد مسيّرات تقصف مطارات كبرى وتدمّر طائرات حديثة،

ومحاولات اغتيال تصل إلى غرف نوم القيادات السياسية والعسكرية، فكيف سيكون المشهد غدًا؟ السماء لم تعد ميدانًا محكومًا بالقوى التقليديّة.. لأن من يملك تكنولوجيا المسيّرات والذكاء الصناعي اليوم... يملك مفتاح السيطرة الجويّة غدًا.

والسماء لم تعد آمنة... حتى بالنسبة إلى أقوى الجيوش؛ ومن لا يملك السماء، يمكنه أن يخترقها.

الكلمات المفتاحية
مشاركة