اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الخارجية الإيرانية: لا علاقة لضرباتنا الدفاعية بقطر وعلاقاتنا معها ممتازة

نقاط على الحروف

من I Love life الى
نقاط على الحروف

من I Love life الى "حلّوا عنا": هل قلتَ حرية تعبير؟

259

"حلوا عنّا؛ أنتم وسلاحكم ومسيّراتكم وصواريخكم وأبواقكم وراياتكم ومرشدكم وإيرانكم ومحوركم". عبارات وردت في مقدمة برنامج "يا أبيض يا أسود" على شاشة "هلا أرابيا" على لسان مقدمه وليد عبود، وسرعان ما انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت موجة سخط واسعة؛ سيما بين جمهور المقاومة الذي رأى أن هذه المضامين موجهة إليه، بلهجتها الإقصائية والشوفينية. 

إثر هذا الغضب الذي شاهدناه في وسائل التواصل الاجتماعي، استغل الفريق السياسي والإعلامي الذي ينتمي إليه عبود الحدث، لينظّم حملة مضادة مرفقة ببيانات استنكارية، فبرأيه أن ما انتشر على المنصات الافتراضية "يهدد" الحريات العامة؛ سيما الإعلامية منها. بعدها؛ نُظّم لقاء "تضامني" مع عبود، في أحد فنادق العاصمة، بحضور وزير الإعلام بول مرقص؛ والمغضوب عليه من هذا الفريق نظرًا إلى انتشار معلومات تفيد بإيقاف برنامج عبود على "تلفزيون لبنان". الأخطر في هذا اللقاء المعنون :"رفضًا لاجتزاء الحقيقة والتضليل والترهيب"، ما قيل من مضامين تعيد تكريس ذهنية هذا الفريق الإقصائي والشوفيني. وإن نظرنا في ما حدث، نرى أن الاجتزاء الحاصل لا يغيّر شيئًا في هذه المعادلة؛ لأن مضمونه الكلّي يوحي بالإقصاء وبالفوقية، حتى لو قابله رأي آخر يتماشى مع فريق "الممانعة" ورد في مقدمة البرنامج.

تحطيم "خوف سيندروم"؟!: 

في اللقاء التضامني مع عبود؛ خرج علينا سيمون أبو فاضل ناشر موقع "الكلمة أونلاين" بالقول :"بدهن يتعودوا الناس يقبلوا بعض أو يسمعوا الرأي التاني الي هو ما عاد تابوه ولا هو محرمات، ولا هو خوف سيندروم". يضاف إليه ما صرّح به عبود إلى شاشة mtv بدعوته الفريق الآخر إلى قبول "حق الاختلاف" وإلى توّفر الحرية لممارسة هذا الحق:" "بدنا حرية لنمارس الحق بالاختلاف". 

في كل ما ورد؛ يمكن الاستناد إلى وقائعه، لندخل عميقًا إلى المأزق الحقيقي الذي يعيشه الفريق "السيادي" والسياسة التي يتبعها في ضرب الخصم. القصة لا تمت للحريات الإعلامية بصلة؛ لأن المضمون واضح، ولا يحتاج إلى تأويل يدعو، صراحة وعلنية، إلى إخراج مكوّن أساسي من رحم الوطن. عبارة "حلوا عنا" التي سوّغها عبود، في حديثه مع قناة "المشهد"، بأنه قام بنقلها من "نبض الشارع" إلى الشاشة، ليكون "حريصًا" على نقل آراء هذا الشارع، أنسته ربما ماذا تحوي من شحنات شوفينية إقصائية، من شأنها أن تثير كل هذا السخط، وربما أراد استخدامها ليشحذ الضوء لبرنامجه؛ لبنانيًا أقله. 

كل ما أثير عن هذه الحادثة يعيدنا إلى مراحل سابقة تعمّد فيها هذا الفريق تنميط جمهور المقاومة والتقليل من شأنه، ثقافيًا وفكريًا. استغل هذا الحدث في محاولة لتكريس هذه الذهنية بأن هذا الجمهور "عنفي"؛ ويلجأ اليوم إلى المنصات الافتراضية للتصويب و"للتهديد". وبأن هذا الجمهور غير متحضر، لا يفقه لغة الاختلاف واحترام الحريات العامة وحق التعبير. سياق يصب في جوهر ما حدث، فيما تظهر قشوره عبارات رنّانة تخص الإعلام وحق التعبير. والأنكى هو ربط هذا السياق بما يحدث عسكريًا واستراتيجيًا في الإقليم، والتعويل على الخسارة الإيرانية أمام الاحتلال "الإسرائيلي" لفرض واقع يجبر فيه جمهور المقاومة على القبول بما يمليه عليه الفريق المقابل. 

أبلسة بيئة المقاومة

لو تمعنّا أكثر في هذه المشهدية، نرى العنف الحقيقي صادرًا عن هذه الفئة التي عملت طوال سنوات على تشويه هذه البيئة وتنميطها بأفكار لا تشبهها تحاول إخراجها من لبنانيتها؛ وحتى إنسانيتها. لعلّ أبرز هذه المحطات خرجت بعيد العام 2005، مع الحملة الدعائية السوداء "أنا أحب الحياة" بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، إثر انقسام الشارع اللبناني واتهام فئة منه بالظلامية وبالقتل. 

لطالما استغل الفريق المعادي للمقاومة أحداثًا دموية، أو حروبًا "إسرائيلية" ليحاول تكريس صورة نمطية قاتمة وشوفينية عن بيئة المقاومة، بأنها تكره الحياة وتهرع نحو الموت.. "فئة متخلفة غير متعلمة"، "لا تعرف سوى العنف طريقًا للتواصل". كلنا نذكر إسباغ الضاحية الجنوبية - قبل الحرب الأخيرة - عبر الإعلام والبرامج بأن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود . ولا يمكن نسيان ترداد عبارة "ما بيشبهونا"، إبان الحرب العدوانية "الإسرائيلية" الأخيرة. في هذا السياق، لفتني منشور لإحدى صانعات المحتوى على منصة "إنستغرام"، تكشف فيه دعوتها لأحد البرامج في المحطات المحلية لتظهر "التنوع الشيعي" بأنها امرأة محجبة وتتكلم الإنكليزية مع متابعينها. هذه المرأة رفضت هذا العرض وكشفت تفاصيله للناس، من باب أن هذه البيئة لا تحتاج إلى هكذا برامج ونوايا مبيتة  لتنميطها وتبيان أن فيها مثقفين ومتعلمين وأساتذة. إذ إن محاولة الإثبات، هنا، تعني تكريسًا لهذه الصورة السلبية فقط لا غير. 

أن تكون "متحضرًا" يعني أن تنتمي إلى الفريق الخصم للمقاومة!

يمكن تلخيص المشهدية بالآتي، بأن فئة من اللبنانيين متمثلة ببيئة المقاومة ما تزال تتعرض إلى اليوم لحملات تشويه وأبلسة، مرة عبر بوابة الحريات الإعلامية، ومرة أخرى عبر التنميط السلبي في الشاشات ووسائل التواصل. هذه الفئة التي قدمت التضحيات الجسّام تعرّضت، وما تزال، إلى عنف ممنهج طال إنسانيتها وكيانها، واليوم تقام الدنيا ولا تقعد لأن هذا الجمهور نفّس عن غضبه ورد على احتقاره في وسائل التواصل. كأن المطلوب، هنا، الإجهاز عليه وتجريده من أي إنسانية أو ثقافة وحرمانه من مساواته بباقي المكونات اللبنانية، لا بل وإسكاته فيما بعد كي لا يخرج عن الدائرة المرسومة للمرضي عنهم داخل هذا الفريق. إذ إن الأخير يشترط لـ"ترفيع" هؤلاء إلى درجة مثقفين ومنفتحين ويحبون الحياة  أن ينتموا سياسيًا وفكريًا وثقافيًا إلى الفريق المعادي للمقاومة!.

الكلمات المفتاحية
مشاركة