مقالات مختارة

ماهر سلامة - صحيفة الأخبار
لا يزال وضع الدين العام اللبناني يُشكّل أحد أبرز مظاهر الأزمة التي تعصف بلبنان منذ 2019. فرغم بعض المؤشرات "الإيجابية" التي تظهر سطحيًا، مثل التوقّع بنموّ الاقتصاد في 2025 وانخفاض معدّل التضخّم، يبقى الدين العام ضمن مستويات غير مستدامة مدعومًا بعوامل بنيوية سياسيًا وماليًا.
فالدين العام يساوي 176.5% من الاقتصاد في 2024، وإذا بقي مستواه مرتفعًا بلا معالجة، لا شكّ بأن هذا الأمر سيُشكّل عائقًا أمام القدرة المستقبلية للمالية العامّة في لبنان على الانفاق.
انخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 176.5% في سنة 2024 مقارنة بـ219% في السنة السابقة، ويتوقع أن تسجّل المزيد من الانخفاض في 2025 نحو 152.4%. ويُعزى هذا الانخفاض إلى الزيادة الاسمية في الناتج المحلي الإجمالي (تسمى زيادة اسمية لأنها أتت بسبب التضخّم وليس بسبب النموّ) نتيجة عاملين: أولًا، ارتفاع معدل التضخم المحلّي. ثانيًا، استقرار سعر الصرف منذ آب 2023.
هذا ما ورد في نشرة المرصد اللبناني للبنك الدولي التي استنتجت بأن هذا التحسّن الظاهري لا يعكس تحسّنًا حقيقيًا في "ديناميكية الدين"، لأنه لم يأتِ نتيجة تقليص الدين الحقيقي أو السيطرة على أسبابه البنيوية. لذا، ما يزال الدين العام على مسار غير قابل للاستدامة، خصوصًا في ظل استمرار تخلّف الدولة عن سداد التزاماتها السيادية.
وقد تدهور الدين المحلي بفعل سنوات من التضخم المرتفع، ما يعني أن القيمة الحقيقية للديون المقوّمة بالليرة اللبنانية قد تآكلت، إلا أن الدين الخارجي بقي عبئًا ثقيلًا. كما تضمّن النموذج المُحدّث للدين، الذي استخدمه البنك في تقديراته، المتأخرات المتراكمة على أصل الدين والفوائد وكذلك حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، ما يزيد من حجم الدين المسجل في الحسابات الفعلية.
وهذا الدين لا يشمل كلّ الديون الفعلية المترتبة على الخزينة، إذ تبيّن أن هناك متأخرات لثمن الفيول العراقي غير محتسبة ضمن الدين الذي ينحصر حاليًّا الحديث بشأنه في سندات اليوروبوندز وبعض العقود مع جهات دولية.
من حيث القيمة، كانت قيمة الدين العام اللبناني تُقدّر بنحو 92 مليار دولار في نهاية 2019. وهذا الرقم يشمل الدين العام بالليرة وبالدولار. لكن مع بداية الأزمة، وانهيار قيمة العملة اللبنانية، بدأت قيمة الدين العام تنخفض بفعل انخفاض الجزء المقوّم بالليرة منها، ففي 2020 بلغ الدين العام 62.5 مليار دولار، وفي 2021 بلغ 46.8 مليار دولار، حتّى بلغ في سنة 2024 نحو 45.8 مليار دولار، الجزء الخارجي منها يشكّل 44.8 مليار دولار، ما يعني أن الجزء بالليرة لا يتعدّى الآن أكثر من مليار دولار.
من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى أن استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وإقرار قوانين إصلاحية في القطاع المصرفي مثل تعديل قانون السرية المصرفية، يُعدّ بمنزلة خطوات أولية مهمة.
إلا أن نجاح هذه الإجراءات في إحداث تحول حقيقي في مسار الدين العام يتوقف على مدى الجدية في تنفيذ إصلاحات هيكلية تتبنّّى: "الحوكمة المالية"، استعادة الثقة بالمؤسسات، وضمان الشفافية والمساءلة. بمعنى آخر، يجب أن يكون العمل على إصلاح وضع الدين العام متكاملًا مع تسوية الأوضاع المصرفية، والعمل على سياسة مالية سليمة. كما إن العمل على سياسة النموّ الاقتصادي مهمّ لجهة خفض حجم الدين نسبة إلى الناتج المحلّي عبر نموّ هذا الأخير.
هكذا يعتقد البنك الدولي أن لبنان أمام فرصة حاسمة لإعادة هيكلة ديونه بطريقة عادلة ومستدامة، إلا أن ذلك مشروط بوجود إرادة سياسية قوية، واستقرار أمني مستدام، وبيئة إصلاحية شاملة تستهدف جذور الأزمة لا مجرد مظاهرها.