اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي حركة "أمل" تدعو الحكومة للوفاء بتعهّدها باعتبار إعادة إعمار أولوية

مقالات

حصريّة الاستباحة وتجريد لبنان من قوّة الإعمار
مقالات

حصريّة الاستباحة وتجريد لبنان من قوّة الإعمار

194

لم يكن قرار القبول اللبنانيّ بإيقاف المواجهات، عشيّة 27 تشرين الأوّل 2024م، من دون ثمن باهظ على لبنان واجتماعه السياسيّ وعلى سورية وموقعها وأدوارها على الخارطة "الجيوسياسيّة" و"الجيواقتصاديّة" و"الجيو عسكريّة" وتأثيرها الإقليميّ، وعلى مراحل تطوّر الحرب وبلوغها بسرعة خلف أسوار "طهران". 

كانت جدوى استكمال القتال وارتفاع شلّال المظلوميّة ضرورة لممارسة التفوّق المقاوم وتأكيد الشرعيّة في المواجهة البريّة في يومها التالي، في متن الاتفاق وفي متن السياسة وهوامش التجاذب فيها. 

كانت جدوى اصطياد نخبة النخبة "الإسرائيليّة"، في جيش الإجرام والخديعة ونكث العهود المدجّج بالحماية الاسترتيجيّة الوجوديّة من الغرب، ضرورة لممارسة الاستنزاف في أهم مراحله، وعند أنساق أشد اقتدارًا للمقاومين لم تفعّل نيرانها، ومفيدة لإطالة الزمن في تساند الساحات، وتعميق أزمة العدوّ في حاجته إلى الاحتياط والتسلح، وتأخير خلط الأوراق "الجيوسياسيّة" القريبة والبعيدة من "دمشق" إلى "طهران". 

هذا الكلام ليس للاستهلاك، وليس للوقوع في فخ "لو"، فقد أبلت المقاومة بلاءها الحسن، برفعة وتضحية وحكمة، ونجحت نجاحًا باهرًا في الصبر ولمّ الشمل ودرء التفكّك داخل مجتمع المقاومة والاجتماع اللبناني العام. وهذا منحى عقلانيّ، لا يستعصي عن التفهّم، ولا مجال لترف السجال والوقت، وللقيادة الاستشهاديّة الصابرة المحتسبة ألف تحيّة وسلام. 

يبقى هذا الكلام ضروريًّا وفي ميقاته، لأن وعي اللحظة المولّدة للانعطافات والمسارات تصبح أكثر إلحاحًا في قراءة المجريات عندما تشتد ضراوة بموجبها، وأكثر رجاحةً في إعادة التوازن عبر تصويب منهجيّة التفكير وميزان التفاوض الداخليّ والخارجيّ، نحو عقل سياديّ ينصف المقاومة وقوّتها ومهمّتها الدفاعيّة وإنجازاتها التاريخيّة، ويلاقي أهلها بما يجدر بهم لا بما يخيّب رهانهم وآمالهم. 

هذا الكلام ضروريّ وفي ميقاته، يعيد قراءة الموقف لا التغنّي به، إنما يضعه أمام مراجعة نقديّة ذاتيّة معمّقة تعي تبعات الاستضعاف في لحظة اختلاج الضعف بالقوّة، وتعي قيمة صلابة الموقف الشجاع في اللحظات المصيريّة. 

أوركسترا المستحيل والذهاب إلى المجهول

يقف المرء أمام أكبر أوركسترا نشاز، في أشد الأوقات حراجة، وعليه أن يستنزف من عمره بالاستماع لأبطال المرحلة العابرة يحاولون عبثًا ملء فراغ لم يصدّقوا وقوعه. لذلك تجدهم يتهافتون، بين دعوة إلى تسليم السلاح للدولة اللبنانيّة ونشر مخطوطة بالية عن حصريّته بيدها، وجعله موضوعًا مفتاحيًّا وقيدًا للإصلاح المستحيل، وتحمّس إلى نزعه، وبين دعوة إلى أنخراط الحزب بها مع توجّس خفيّ مؤجّل من وزنه وصيرورته. 

بهدوء وواقعيّة تاريخيّة، وديموغرافيّة، والتفات إلى وقائع راهنة، وبعيدًا عن التنميق والمجاملات، أوّل الكلام في الدولة، وثانيه بأصحاب الأطروحة نفسها على اختلافها، وثالثه في المقاربة، ورابعه في الوظيفة. 

الدولة في لبنان هشّة وفاشلة وضعيفة، وينحصر سبل قيامها ونهوضها في مؤتمر تأسيسيّ وطنيّ مستقل يبدو عصيًّا عن الولادة، لضعف أهليّة أغلب أركان أهل الحكم، ذاتيًّا وموضوعيًّا، ولتعقيد الجاري من التطوّرات ما يعيق ولادة حوار وطنيّ مستقلّ عن ضغوط الهيمنة العالميّة ومشاريعها ومؤامراتها ومفاعيل حروبها الدامية ذات الآثار "الديموغرافيّة".  

من ناحية أخرى، تتعدّد أدوار صاحب الكلام، وتتعدّد وجوه هذه الشخصيّة، كأنك في مسرح، يتناوب أبطاله على خلق هدف واحد يقرّره صاحب النص بتواطؤ مع المخرج.

ترى أحدهم يتغنّى بتقديمه السلاح مخادعًا ومناورًا بعد 36 سنة على مرور "اتفاق الطائف"، وترى آخرَ "شعبويًّا" منبوذًا من نخب داخل حزبه، ويلاحقه نفور في الاجتماع السياسيّ اللبنانيّ لسماجته وتناقضاته ونرجسيّته، سيهتدي معه حزبه طريقه إلى التراجع لعوامل بنيويّة ووظيفيّة، وأهمّها نمطيّته في القيادة والخطاب.

 أمّا المرتمي في أحضان الأميركيّ كاملًا؛ فلا مفاجأة من مواقفه، سواء أكانت فجّة مثل بطل السجن ومعراب، أم ناعمة تدعو إلى الحياد، أي "البصم"، مع اختلال ميزان القوى لصالح المجرم المعتدي.

 هؤلاء، على اختلاف ألوانهم في زمن الألوان الأميركيّ العالي الجودة، باذخ الخداع والإبهار والإفساد؛ لا يختزلون الموقف اللبنانيّ، ولا يختزنون موقع لبنان ودوره، وقلوبهم شتّى وأفئدتهم هواء، كلّ ما في الأمر أنهم موجودون في لبنان ودائمًا عليك أن تقفز عن وزنك ومعطيات الواقع لتكون ضمانة بقائهم. 

يتنوّعون في منابرهم، بين مؤتمر صحفيّ ومقابلة لا يشفع ثوب أبيض فيها أسوَد الكلام، وبين عظة وزيارة لرئيس الديار، وأشكال عدّة تتمايز لتتناغم في مأرب واحد عنوانه الحقيقيّ "حصريّة الاستباحة للسيادة والأرض، برًّا بحرًّا وجوًّا، وممارسة الفتك والقتل من دون حدود جغرافية تذكر، لا جنوب الليطاني ولا جنوب الأوّلي"، بل تقديم مزارع شبعا كاملةً على طبق من فضّة، وإهدار الكرامة الوطنيّة، وممارسة الخيانة العليا بالتنازل عن الثروة النفطيّة، وتجريد لبنان من قوّة الإعمار. 

يجدر التنويه، لا يهم التمايز بين المواقف والمقاربات - أعلاه - من الناحية الإستراتيجيّة، طالما الغرض واحد. والغرض الواحد لا يحدّده المتخيّل في كلّ منهم، إنما بما ينتهى إليه من تحقّق في الواقع الخارجي، حينئذٍ لا مكان لهؤلاء، ولا أهميّة تذكر عن كيفيّة استعمال ما تحقّق والبناء عليه ومن سيتولّى تفعيله، فهذا الأمر يحتكره عدو الضمير والوطن والأمّة، طالما المرحلة جديدة ويجب التفكير بواقعيّة وتحت سقف الاختلال بموازين القوى لصالح الأميركي و"الإسرائيليّ" والغرب! 

وقائع لا يمكن القفز فوقها 

هي في المقابل دعوة إلى طيّ 43 سنة من جهاد حزب الله لإعلاء راية المقاومة، وإعلان تدشين مرحلة جديدة مختلفة بالكامل. وهي مناسبة، لتنبيه هؤلاء، مجتمعين ومتفرّقين، بالذكرى 43 لمواجهة العدوّ في خلدة وبيروت وسائر أنحاء الجنوب المحتل. 

إثر الاجتياح "الإسرائيليّ" في العام 1982 ونشأة المقاومة الإسلاميّة، يجدر التأكيد على الوقائع الآتية:

1. المقاومة في لبنان ليست اليوم أضعف من الأعوام 2006 و2008 و2011، وهي تواريخ دقيقة لقراءة صحيحة لميزان القوّة ودلالاته، وغموض التفسير أنجع. 
2. لم يعد هناك ما تخسره المقاومة كما خسرته في العام 2024م. 
3. شعب المقاومة أشد إيمانًا بالمقاومة وأصلب، وقد عاين الحرب ويعاين سفالة العدوّ والمواقف المتماهية معه وهزالة الدبلوماسية مع مرور الوقت الطويل، بينما البيوت تزداد تدميرًا ولا وظيفة تؤديها الدولة إلا التطاول على أنبل خيار وطني وهو مقاومة المحتل. 

أمام تلك الوقائع، يتحتّم استيلاد كافة نقاط القوّة من المرحلة السابقة وإنصافها وتقديرها بإحيائها في برامج عمليّة ناجعة، ومعالجة ما يمكن من نقاط الضعف، ثمّ التعامل مع المتغيرات والتغيرات والتطورات الراهنة. والبناء أن الأمور قد تذهب إلى الأسوأ وبالتالي، إذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظنّن أن الليث يبتسمُ. 

عمومًا، تمتلك جبهة المقاومة عقيدة دفاعيّة، ونجحت إلى الآن بالتزامها، ومن المفترض أن تضع في أولوياتها أن صيانة الأمن القوميّ لجبهة المقاومة والأمن القوميّ لمجتمعات المقاومة يتقدّمان على كلّ الاعتبارات والخصوصيّات الأخرى.

 نعم؛ وقت "الدلع" انتهى لاستيعاب المتذبذبين والشاردين عن بوصلة نصرة المظلوم في الأخلاق والقيم والممارسة السياسيّة، والوقت للصمود والإعمار والقيام بوظائف الدفاع والحماية وسائر الواجبات لاسترداد الثقة بدولة سرقت أموال الودائع لمواطنيها من كافة المصارف، وتقف عاجزة وصاغرة أمام مبعوث أميركيّ يغادر ويجيء، حصريتها الاستباحة وقوّتها منع الإعمار!.

الكلمات المفتاحية
مشاركة