اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي القوات اليمنية تستهدف سفينة "ماجيك سيز" لانتهاكها الحظر البحري 

مقالات

كربلاء مدرسة التضحية والفداء عبر التاريخ
مقالات

كربلاء مدرسة التضحية والفداء عبر التاريخ

144

ثورة الامام الحسين (ع) ستظل شعلةً تنتقلُ من جيل إلى جيل؛ لتكون مدرسةً لكل المستضعفين في الأرض ليثوروا على الطغاة والمتغطرسين ومع الحق ضد الباطل، وإن كان الفارق كبيرًا في ميزان القوى. هذه المدرسة أثبتت أن الدمَ ينتصر على السيف، وأن لا مكان للضعفِ والخنوعِ، مع ترسيخ شعار "هيهات منا الذلة". 
هذه ثقافة لن يفقهها إلّا من رضعها مع حليب الأمهات أقوال الحسين (ع)، في هذه الملحمة، خلدها التاريخ وغيَّرت مفهوم الحروب ومبادئها مع كل جيل، كان يأتي عقبت معركة الطف لتمتد إلى أيامنا هذه، والتي ستبقى مُلهِمة وتزداد توهجًا في المستقبل؛ طالما بقيت الشعوب تحىي مراسم عاشوراء وثقافتها، وتتناقلها الأجيال عبر الزمن. 
"لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا، وَلَا بَطَرًا، وَلَا مُفْسِدًا، وَلَا ظَالِمًا، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ"؛ هو قائدٌ في ذلك الزمان علّمنا أنه لم يكن يسعى إلى منصب أو سلطة أو مصلحة شخصية أو يطمع بثروات الآخرين أو باحتلال أراضي الغير، إنما رأى أن الظلم والاستبداد والجور والخروج عن القيم والمبادئ أوجب خروجه لتصحيح الخلل الكبير ولتقويم سلوك البشرية؛ ولو أحجم عن ذلك سيؤدي ذلك إلى إنهاء الرسالة النبوية والعودة إلى الجاهلية. 
ذلك القول علَّم الأجيال وقادتها أنه واجب على كل مسؤول أن يتحرك، ويسعى إلى الإصلاح وأن لا يخنع للإنحراف؛ "إنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ، قدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ!" ..
ها هي "إسرائيل" تخيرّنا بين الاستسلام والذل أو الموت، فجاء جواب المقاومة بكلام واضح "هيهات منا الذلة". وهذا الرد هو نتاج عقيدة راسخة من هذه المدرسة الكربلائية. 
«أَبِالمَوْتِ تُهَدِّدُني يا ابْنَ الطُّلَقَاءِ؟! إِنَّ المَوْتَ لَنا عادَةٌ، وَكَرَامَتُنا مِنَ اللهِ الشَّهادَةُ.» و «إِنِّي لا أَرَى المَوْتَ إِلَّا سَعادَةً، وَالحَياةَ مَعَ الظّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً.» قالها الحسين (ع) واعتمدتها الأجيال لنصل إلى يومنا هذا، فقالت المقاومة لكل المندوبين الذين يرسلون لها رسائل العدو إنها لن ترضخ لبنود ورقة الإذعان والاستسلام التي أتى بها "السيد توم برَّاك"، فكرامة المقاومة ومؤيديها من الله الشهادة. 
"إِنْ كَانَ دِينُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَسْتَقِمْ إِلَّا بِقَتْلِي، فَيَا سُيُوفُ خُذِينِي!" هذا القول الشهير الذي زُرع في عقول الأطفال وأفئدتهم منذ نعومة أظافرهم ليكبروا ويصبحوا مقاتلين وقادة، ويطبقونه من دون تردد، وليذهبوا إلى ساحات الوغى غير آبهين بقدرات العدو، مع علمهم أن سبعين ألف جندي صهيوني مدججين بمئات "الميركافا" وأضخم الأسلحة، وأحدث الطائرات الحربية والمسيّرات، واجهوا ببسالة ومنعوا تقدم هذا العدو وكبدوه خسائر فادحة، فأجبروه على طلب وقف الحرب، بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها هؤلاء المقاومون المسلحون بعقيدة كربلاء. 
أما العقيلة زينب (ع)؛ وما يحمله هذا الوصف الشريف، نظرا إلى ما تملكه من مكانة رفيعة ولشخصيتها القيادية عند أهل البيت (عليهم السلام). "العقيلة" الكريمة المصونة في أهلها، العزيزة والسيدة في قومها، ذات المكانة والفضل والنسب، اكتسبته لصفاتها الحميدة وعلمها الغزير وحكمتها في مواجهة الشدائد. 
تخيل أنها حضرت معركة الطف، بكل مصائبها وما صار فيها من إجرام، ورأت سقوط رجالها الواحد تلو الآخر لتصل إلى القائد الأعلى وهو الحسين (ع)، حين رأت جسده المخضب بالدماء والطعنات شوّهته، وكيف قطع رأسه ووضع على الرماح، وعانت العطش مع كل من تبقى من النساء والأطفال، والذين أصبحت مسؤولة عنهم، حمّلوا ونقلوا على الجمال سبايا وأسيرات وأسرى، يُجَرُّون في درب طويلٍ من أرض الطف، ليصلوا بهم إلى حضرة السفاح يزيد، ولتقف أمامه.. 
لو أي امرأة غيرها أصيبت كما أصيبت زينب (ع) ووقفت بين يدي هذا المجرم، وبحضور عدد كبير من قادته، لكنت تراها راكعة متوسلة تنتحب وتبكي، وترجوه العفو.. لكن أخت الحسين (ع) ابنة حيدر معلّمة الدروس الكربلائية وقفت منتصبة أمامه لتقول له ما "ما رَأَيْتُ إِلَّا جَميلًا. كِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، وَنَاصِبْ جُهْدَكَ، فَوَاللهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنا، وَلَا تُمِيتُ وَحْيَنا، وَلَا يُرْحَضُ عَنْكَ عَارُها. وَهَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ؟ وَأَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ؟ وَجَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ؟".. لتصبح هذه المرأة أيقونة النساء الحرائر في العالم ومثالًا للمرأة الشجاعة التي ترضى بقدر الله وقدره. 
هذا ما جعل النساء اللواتي تخرّجن، في هذه المدرسة عبر التاريخ، أن يكنّ أمهات وأخوات صابرات محتسبات على الجور والضيم، شجاعات ينزلن إلى الميادين ويتقبلن شهادة أبنائهن وإخوتهن بقناعة، كما نراهن منذ بداية الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، وهن يقتدين بالعقيلة زينب ويصبرن كما صبرت، ويواجهن كما واجهت. 
عاشوراء مدرسة التضحية ومجابهة الظلم والجور، والتي أثبتت أن الدم ينتصر على السيف، وأن العين تقاوم المخرز.

الكلمات المفتاحية
مشاركة