اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي برّاك للنواب: وقّعوا اتفاق سلام مع "إسرائيل"

مقالات مختارة

مقالات مختارة

"الديار" توثق شهادات تفضح مضمون تقرير لجنة تقصّي أحداث الساحل السوري

77

عبد المنعم علي عيسى - صحيفة الديار

بعد 136 يومًا على إعلان "الرئيس السوري" عن تشكيلها، وثلاث مهل بتمديد عملها الذي كان عند شهر واحد ثمّ جرى تمديده لثلاثة أشهر وصولًا إلى تجاوز المهلة الأخيرة بنحو أسبوع، عقدت "لجنة تقصي الحقائق"، المناط بها التحقيق في "الأحداث التي شهدها الساحل السوري شهر آذار الفائت" وفقًا لما جاء في مرسوم إعلانها، يوم الثلاثاء 22 تموز الجاري، مؤتمرا صحفيا بدمشق. بحضور رئيسها القاضي جمعة العنزي، وعضوها المحامي ياسر الفرحان، ولعل من الممكن اختصار السردية التي قدمتها برمي المسؤولية كاملة في تلك الأحداث على "فلول النظام السابق"، وإنه لولا التحرك السريع، الحكومي والأهلي، لأفضى الفعل إلى "تشكيل دويلة علوية في الساحل السوري"، ولعل هذه السردية، المختصرة، من شأنها أن تكون فعلا هي أقرب للإصرار على نقل الماء في "قربة" يقارب عدد ثقوبها الـ 1426 ( الرقم الذي اعتمدته اللجنة لعدد الضحايا في تلك الأحداث)، ولمسافة طويلة تزيد عن 300 كم، وهي المسافة التي تفصل ما بين الساحل ودمشق على نحو تقريبي.

جاء في السردية إن "عدد الضحايا الذين وثقتهم اللجنة هو 1426"، وإن ذلك حدث "إثر الهجوم الذي شنه فلول من النظام السابق، الذين كان عددهم يتراوح بين 4 - 20 ألف مسلح"، ما قابله هجوم "شنه 200 ألف مسلح"، وفقًا لإحصائيات اللجنة نفسها، وهؤلاء، وفقًا لهذه الأخيرة، "بعضهم عائد لفصائل تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، في ما بعضهم الآخر عائد لمجموعات أهلية وفزعات"، والجدير ذكره هنا إن هذا النمط الأخير كان قد جاء إثر دعوات جرى إطلاقها من على منابر الجوامع في العديد من المدن، إعلانا للـ"النفير العام"، الذي يجب أن يكون فعلا حصريا بيد الدولة، وتتابع سردية اللجنة بإن الجرائم المرتكبة "ليست ذات دوافع أيديولوجية"، بل إن معظم دوفعها هو "التأر" الناجم عن المظالم التي تعرض لها بعض هؤلاء زمن الرئيس السابق بشار الأسد، كما أشارت اللجنة إلى إنها أعدت لوائح اسمية لـ"298 شخصا يشتبه بهم في ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين"، وكذا قائمة أخرى تضم "265 شخصا من المنضمين إلى مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، ومرتبطة بفلول الأسد"، وقد سعت سردية اللجنة، بشكل ملحوظ، إلى تأكيد "براءة" القيادات العسكرية والسياسية، وعدم تحملها أي مسؤولية عن تلك الأحداث، في ما يبدو ردا غير مباشر على الخلاصات التي أفضى إليها تقرير وكالة "رويترز" بخصوص تلك الأحداث، والمنشور يوم 30 حزيران الفائت، والذي أكد على وجود "عنف طائفي ممنهج"، وعلى إن "قيادات عسكرية عليا تتحمل مسؤولية وقوعه بشكل مباشر"، وقد أضافت اللجنة إن ما خلصت إليه كان نتيجة "زيارة 33 موقعا، من بينها مقابر، وتدوين 938 إفادة لشهود كانوا حاضرين".

احتوت السردية المختصرة، سابقة الذكر، على الكثير مما يتناقض مع الواقع على الأرض، مما يؤكده شهود عيان، والشاهد هو أن العديد من ذوي الضحايا كانوا قد رفضوا لقاء اللجنة في العديد من المواقع التي زارتها، على قاعدة إن "كل إناء ينضح بما فيه"، ولا يعقل "طلب العسل من الدبابير"، وفقًا لما قاله أحد هؤلاء، من قرية صنوبر جبلة، في اتّصال مع "الديار"، ناهيك عن إنها، أي تلك السردية، كانت قد احتوت على إدانة مباشرة للسلطات في تعاطيها مع أحداث الساحل، فأن يقوم 200 ألف شخص بمهاجمة رقعة جغرافية مساحتها 4200 كيلومتر مربع (والمؤكد هو أن أقل من نصفها فقط هو المسكون)، أي بمعدل 100 مسلح للكيلومتر المربع الواحد، فذاك عمل لن يقود إلا إلى ما قاد إليه، والفعل يتعدى في مراميه استعادة السيطرة على رقعة جغرافية أيا يكن حجمها، ثمّ أن ترفض اللجنة الكشف عن قائمة الأسماء للـ"المشتبه بهم" بالتورط في الجرائم، في حين تقبل بعرض اللوائح للـ"الخارجين عن القانون"، فذاك أمر ليس له سوى معنى واحد، هو أنها فاقدة للحيادية، أو لربما لا تستطيع التحلي بتلك الصفة، ولربما ظهر ذلك، بوضوح أيضًا، في تجاهل اللجنة لحالات التهجير القسري التي تعرض لها سكان قرى علوية في أرياف حماة، الشمالية والغربية، وبعض أرياف حمص.

رسمت الردود، التي تسارعت بزخم لافت بمجرد أن انفض المؤتمر الصحفي، لوحة سورية باهتة، قد تكون علامتها الأبرز هي الإنقسام السوري حول كلّ شيئ، وكلّ  حدث، لكن اللافت هو أن جهات، ومنابر، قريبة من السلطة، كانت قد تبنت خطابًا مقبولا في قراءتها للوحة. يقول فاضل عبد الغني، مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في لقاء بثه "تلفزيون " في أعقاب انتهاء المؤتمر الصحفي سابق الذكر، إن "المسؤولية الآن تقع على عاتق السلطة السورية"، التي دعاها إلى "اتّخاذ خطوات حاسمة أبرزها: اعتقال ومحاسبة المسؤولين وكلّ  الأشخاص الواردة أسماؤهم في تقرير اللجنة، سواء أكانوا من الفلول أو من الفصائل والمدنيين، أو من الأمن والجيش"، وشدد على إن "إخفاء هذه الحقائق يضر بمؤسسات الدولة بدلا من أن يفيدها"، أما "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فقال في منشور أراد من خلاله "رمي حجارته" إلى أبعد من التشكيك بـ"حيادية" اللجنة، إن "إفادت لذوي العديد من الضحايا تقول بأنهم توجهوا إلى دوائر الأحوال المدنية لاستخراج شهادات وفاة لذويهم، الذين قتلوا في مجازر الساحل، وطلب منهم التوقيع على إن فلول النظام هم من قتلوهم، أو إن سبب الوفاة هو احتشاء عضلة قلبية"، وقد أكد ذلك ( أ. ب) من قرية المختارية حيث قال في اتّصال مع "الديار": إن "موظفي النفوس طلبوا منه عند مراجعته بغرض الحصول على شهادة وفاة لأخيه وابنه أن يوقع على ورقة مفادها إن فلول الأسد هم من قتلوهما"، وأضاف إنه "رفض الطلب ولم يحصل على شهادتي وفاتهما لتاريخه"، وقد قال "المرصد" في منشور لاحق إنه "يرفض بشكل قاطع تشكيل لجنة تقصي حقائق، من قبل وزارتي الدفاع والداخلية، حول مجازر السويداء"، واعتبر إنها "ستكون تكرارا للجنة التي تشكلت بشأن مجازر الساحل في آذار"، كما طالب "بتشكيل لجنة تقصي حقائق أممية" لكل من "المجازر الواقعة في الساحل والسويداء"، وفي اتّصال مع "الديار" قال الدكتور يوسف سلمان، المعارض السابق لنظام الأسدين والذي قضى 8 سنوات في السجن ثمنا لذلك، والقيادي بـ"التيار المدني الديمقراطي" الذي تأسس شهر كانون الأول الفائت، "عندما يلغى مفهوم دولة الكل الاجتماعي تماما، ويستعاض عنه بسلطة أحادية، تعمل على بسط سيطرتها على المجتمع بقوة، عندها يتوفر احتمال واحد فقط، هو أن اللجان التي تشكلها هذه السلطات لا يمكن أن ينتج عنها إلا طمس الحقائق، التي تكشف هذه السلطات على حقيقتها".

واقع الأمر هو أن السلطة عندما تتعمد تغيبب الحقائق، وتمضي قدما في محاولة تصدير صورة مغايرة، لما يجري، إلى الخارج، فإنها تقرر فتح الأبواب، والنوافذ، بل وكلّ  الشقوق، أمام هذا الأخير، الذي لن يتوانى في استثمارها لتمدد نفوذه، الذي لا يلزمه الكثير من ذاك الفعل في الحالة السورية، قبيل أن تصبح البلاد تحت وصاية خارجية مطلقة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة