اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الهيئات النسائية بالهرمل تحيي ذكرى شهادة الإمام زين العابدين (ع) بأنشطة دينية وتربوية

مقالات

أردوغان على خطى نتنياهو .. طريق زنغزور ممر جيواستراتيجي لمشروع
مقالات

أردوغان على خطى نتنياهو .. طريق زنغزور ممر جيواستراتيجي لمشروع "تركيا الكبرى"

74

يطرح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في كتابه "تحت الشمس" أو "مكان بين الأمم" الذي ألّفه في العام 1995 رؤيته لتشكيل "الشرق الأوسط الجديد" مقدّمةً وترجمةً للحلم الصهيوني التاريخي في تأسيس ما يسمّى دولة "إسرائيل الكبرى". وعلى المنوال ذاته ينسج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خيوط طموحاته لبناء دولة "تركيا الكبرى" في استعادة لأمجاد الامبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة لعقود طويلة. 

يجمع الرجلين، على تضادّهما الديني والبنيوي والحضاري وتداخل مديات مشروعيهما التوسعية، العديد من نقاط الالتقاء كما يواجهان أيضًا العديد من التحدّيات التي تمنع أو تقف عقبة دون تنفيذ المشروعين العتيدين، خصوصًا بعد أن شهدت المنطقة تغيّرات "جيوسياسية" أدّت إلى نشوء تكتّلات ومحاور جديدة تفرض نفسها على خارطة التجاذبات الدولية وموازين القوى الاستراتيجية ولا سيّما في الجانبين العسكري والديمغرافي، وأهمها دول الخليج وإيران واليمن فضلًا عن تأثير حركات المقاومة على سير تنفيذ المشاريع الغربية الأوروبية سابقًا والأميركية راهنًا المرسومة للمنطقة منذ ما قبل الحربين العالمية الأولى والثانية.

ما أهمية ممر زنغزور؟

وفي هذا السياق، يبرز ممر زنغزور الذي يحادد إيران وأرمينيا وأذربيجان نقطة جوهرية تتكئ إليها أنقرة للانطلاق في تحقيق المشروع الأردوغاني، فيما تمهّد باكو الأرضية المناسبة لولوج العنصر "الإسرائيلي" في رسم الخطوات وتحديد المجريات سعيًا لتقوية دائرة الإطباق على إيران كونها العقبة الكأداء التي تقف دون توسيع حدود الهيمنة الأميركية و"الإسرائيلية" كما التركية في بلاد القوقاز. 

وعلى الرغم من بعده المكاني عن ساحة الصراع ودائرة المواجهة المتاخمة لفلسطين المحتلّة إلا أن ممر زنغزور الحدودي، والذي يمتدّ لنحو أربعين كيلومترًا، يمتاز بأهمية "جيواستراتيجية" ارتباطًا بالمصالح القومية والأمنية والاقتصادية للدول المعنية.

يؤدي ممر زنغزور دورًا حيويًا في خطوط الاتصال الإقليمية خصوصًا لجهة الربط بين أوروبا وآسيا وتأثير ذلك على تنشيط عجلة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول القارتين والعالم، وتصرّ أذربيجان على فتحه بهدف ربط إقليم نخجوان (ناختشيفان) جغرافيًا بأراضيها عبر مقاطعة سيونيك المحاذية للحدود الأرمينية–الإيرانية، وبذلك تؤمن الاتصال البري أيضًا مع تركيا. ويعدّ الممر إحدى أكثر القضايا التي تسبّبت باندلاع معارك سياسية وعسكرية بين يريفان وباكو تحت مظلة إقليم ناغورني كاراباخ، وامتد الصراع ليشمل دولًا إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران وروسيا. 

سياسة إطفاء الحرائق

وقد سعت طهران إلى استيعاب التوتّرات الناشئة عن الصراع الآذري–الأرميني، والتي غالبًا ما كانت أنقرة تدفع إلى تسخينها من وقت لآخر، من خلال تثبيت مبدأ التعاون الإقليمي لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول: الحفاظ على استقرار المنطقة وأمن عمقها الحيوي عبر دفع المخاطر والتهديدات الغربية و"الإسرائيلية"، والثاني: إرساء تجمّع إقليمي يضمن المصالح الاستراتيجية لدول الجوار بعيدًا عن الهيمنة الأميركية.

نجحت طهران نسبيًا في تحقيق هذين الهدفين إلى أن أعلن أردوغان في 13 أيلول/سبتمبر 2023 عزمه على البدء بإنشاء الممر متّهمًا إيران بأنها تعرقل تنفيذه. وبعد ستة أيام فقط باغتت أذربيجان أرمينيا بعملية عسكرية خاطفة أحكمت بنتيجتها السيطرة على كامل إقليم كاراباخ، فتحرّكت طهران لتطويق الحملة التركية-الآذرية ونجحت في عقد اجتماع 3+3 في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2023 شاركت فيه إيران وأذربيجان وأرمينيا وروسيا وجورجيا وتركيا، والبند الرئيسي على طاولة البحث الاستغناء عن فكرة فتح ممر زنغزور وإنشاء ممر آخر يجمع بين الشرق والغرب عبر الأراضي الإيرانية، وتمكّنت من إقناع الأطراف وعلى رأسها أذربيجان بالموافقة على اقتراحاتها. وقد أثارت هذه الخطوة حنق كل من واشنطن وباريس ولندن و"تل أبيب" التي رأت في هذه الخطوة قطعًا للطريق أمام المخطط الغربي للسيطرة على القوقاز ودول آسيا الوسطى وإقفالًا للباب الذي يتيح لحلف "الناتو" توسيع انتشار قواته في المنطقة برًّا وعبر بحر قزوين.

إيران المتضرر الأكبر

أعلنت طهران على لسان مسؤوليها باختلاف مستوياتهم معارضتها لأي تغيير جغرافي حدودي، وأبلغ الامام السيد علي الخامنئي هذا القرار لكل من أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه بهما، وصرّح الدكتور علي أكبر ولايتي جهرًا أن "طهران أفشلت هذا المشروع"، ذلك أن إنشاء ممر زنغزور البري يجعل من إيران المتضرّر الأكبر بل المستهدفة حصرًا لجملة من الأسباب، وأهمها:

- ترى تركيا في فتح الممر فرصة لإعاة إحياء مشروع "تركيا الكبرى" من وجهة نظر أردوغان، حيث سيعزز اتصالها البري بدول آسيا الوسطى ذات العرق التركي الطاغي بين مواطني دولها، ما يفتح الباب أمام التحقيق الفعلي لمشروع "منظمة الدول التركية" ويكرّس زعامة أنقرة لمنطقة أوراسيا التركية التي تضمها إلى جانب كل من: أذربيجان، كازاخستان، أوزبكستان، قيرغيزستان، إلى جانب تركمنستان بصفة مراقب، فضلًا عن الموارد المالية والمنافع الاقتصادية الكبرى التي ستستفيد منها تركيا، كما سيسمح الممر بانتقال مواطني هذه الدول إلى تركيا دون الحاجة إلى المرور بالأراضي الإيرانية أو الأرمنية وسيسهل عمليات التبادل التجاري ونقل البضائع بين قارتي أوروبا وآسيا، والأهم أنه سيعزز دور تركيا كمركز لنقل الطاقة والبضائع.

- تقوية الحضور التركي في دول آسيا الوسطى يشكّل تهديدًا للأمن القومي لإيران، فقد ينمّي ذلك النزعة الانفصالية للإيرانيين من أصول آذرية والمطالبة بالانضمام إلى أذربيجان، حيث تبلغ نسبتهم نحو 16 بالمئة من سكان إيران وتتركز إقامتهم بشكل رئيسي في المناطق القريبة من أذربيجان.

- تمتين الحلف الاستراتيجي التركي-الآذري في مواجهة أرمينيا وإيران وروسيا وصولًا إلى فرض أنقرة واحدة من القوى الكبرى على الساحة الدولية، حيث يشكّل الممر مشروعًا "جيوسياسيًا" يربط أوروبا بآسيا الوسطى والصين عبر طريق أذربيجان – تركيا، ويرى أردوغان أن موافقة طهران على فتح الممر تحول دون عزلها وتسهم في التكامل وتمتين العلاقة بينها وبين كل من تركيا وأذربيجان، وربما تفتح الطريق بين بكين ولندن.

- خشية طهران من قطع الاتصال الإيراني بروسيا عبر الأراضي الأرمينية وإمكان نشوء حلف ثلاثي يجمع بين تركيا وأذربيجان و"إسرائيل"، وما يحمله هذا الحلف من إمكان تحويله إلى تحالف عسكري يزيد الضغط على إيران من الجهة الشمالية، فضلًا عن فتح المجال أمام قوات حلف "الناتو" للوصول إلى بحر قزوين عبر تركيا وأذربيجان، وكل ذلك يقود إلى إحكام الطوق والحصار على إيران.

وعلى مستوى مواقف الدول الأخرى المعنية فإن إنشاء الممر يسقط عن أرمينيا قيود العزلة الاقتصادية بعد أن أغلقت تركيا وأذربيجان حدودهما معها عام 1992 عقب احتلالها لإقليم كاراباخ، ويفتح لها طريقًا بريًا آمنًا إلى شريكتها روسيا وباقي دول شرق آسيا بدون عوائق، ولكنها تصرّ على رفض المشروع بسبب خشيتها من عدم قدرتها على التحكّم بالممر وضعف سيطرتها على حدودها الجنوبية مع إيران، وهذا ما قد يهدّد أمنها القومي ويتسبّب بمخاطر جيوسياسية تصنّفها أرمينيا أكثر أهمية من المصالح الاقتصادية.

من جهتها فإن جورجيا، وهي على خصومة مع روسيا، والتي تمتاز بإمكانية الوصول المباشر إلى البحر الأسود ما يضاعف من أهمية دورها في حركة النقل التجاري، فعلى الرغم من أنها كانت تؤيد طهران في رفض إنشاء ممر زنغزور، إلا أنها تطمح في أن تكون جسر العبور بين الشرق والغرب بما يتجاوز أراضي روسيا وإيران وتشارك تركيا في الربط بين أوروبا ودول شرق آسيا وصولًا إلى الصين.

أما روسيا فقد عارضت بدايةً إنشاء الممر بشدة وقاومت الضغوط التركية–الآذرية لإنشائه ولكن استنزافها عسكريًا واقتصاديًا في الحرب مع أوكرانيا ثم سيطرة باكو على إقليم ناغورني كاراباخ أدّيا إلى دعمها لقرار فتحه نظرًا لوقوعها تحت حصار إضافي أنتجته الحرب حيث اُغلقت جميع الخطوط الجوية والبرية والبحرية بينها وبين أوروبا والغرب، ما اضطرها للتفتيش عن معابر نقل تجارية بديلة للتواصل مع العالم.

أذربيجان حلقة الوصل

ماذا عن الكيان الصهيوني!؟ على الرغم من الروابط الدينية والعقائدية والثقافية وصلات التاريخ والجغرافيا بين إيران وأذربيجان، إلا أن أذربيجان تشكّل بالنسبة لـ"إسرائيل" قاعدة متقدّمة في منطقة القوقاز ووكيلًا لها على حدود إيران، نظرًا للتغلغل الصهيوني في مواقع القرار السياسي والعسكري لباكو. وأذربيجان واحدة من الدول الإسلامية القليلة التي أقامت علاقات اقتصادية وعسكرية وثقافية مع الصهاينة منذ عام 1992، وتعدّ "إسرائيل" المصدر الرئيسي للأسلحة وتزوّد باكو بأنظمة وتجهيزات عسكرية متقدّمة كالصواريخ، وأنظمة الرادار والطائرات المسيّرة، في المقابل يستورد العدو نحو 40% من النفط الخام من أذربيجان، ويستخدم أراضيها لإقامة قواعد استخبارية متطوّرة بهدف مراقبة إيران وأنشطتها، وتنظّم سنويًا دوريات تدريب متخصّصة لمجموعات آذرية حول الأمن السيبراني.

يمكن أن نعدّ أذربيجان حلقة الوصل بين تركيا و"إسرائيل" أو الركن المكمّل لمثلث الحصار على إيران، فمن جهة تدعم أردوغان في مخططه التوسعي وتشارك أنقرة في منظومة المصالح الكبرى، ومن جهة ثانية تشكّل مع "إسرائيل" جبهة مشتركة معادية لإيران على المستوى الاستراتيجي، وفي كلا الحالتين تسعى للحفاظ على موقع مستقلّ لها يتيح لها الاستفادة من المتغيّرات فلا تنحاز إلى الشرق ولا تعادي الغرب وتعمل على بناء علاقات متوازنة مع إيران، ويبدو أن أردوغان يتناغم مع هذه السياسة وينسج على أساسها خيوط مشروعه التوسّعي انطلاقًا من ممر زنغزور ليفرض إرادته أولًا على الدول المحيطة بالممر، وثانيًا ليحجز له مقعدًا على طاولة الكبار كونه حاكمًا على "تركيا الكبرى".

الكلمات المفتاحية
مشاركة