اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي انتحار جندي "إسرائيلي" بعد تعرضه لصدمات شديدة‎

مقالات

مأساة غزة تفضح النفاق السياسي والإنساني..فرنسا أنموذجًا
مقالات

مأساة غزة تفضح النفاق السياسي والإنساني..فرنسا أنموذجًا

127

يبدو أن قضية الاعتراف بدولة فلسطينية قد أصبحت بوابة لإبراء الذمم واحتواء الرأي العام الداخلي والتبرؤ من أكبر جريمة إنسانية في العصر الحديث، في قطاع غزة. ويبدو أن هذا الاعتراف يجمع بين الدول العاجزة عن مواجهة أميركا ونفوذها وبين الدول المتواطئة والمشاركة في العدوان عمليا؛ بينما ترفع شعارات إنسانية مخادعة نظريا.

اللافت أن الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان ورفض القتل والتهجير، هي من تشارك عمليا في تسليح الكيان؛ وتسهم في إجراءات التهجير، بحسب ما فضح مؤخرا من مشاركة فرنسا في تهجير نخب غزة من الأطباء والمهندسين إلى الأردن وفرنسا.

وقبل الخوض في رصد النفاق الدولي، وخاصة الفرنسي، يجب إلقاء الضوء على أكبر مؤتمر للخداع والنفاق، والمتمثل بــ"مؤتمر التحالف الدولي لإقامة الدولة الفلسطينية"، والذي تقوده فرنسا والسعودية.

هذا التحالف شكلي ودعائي، حيث يعترف بالفعل رسميا نحو 147 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، أي ما يعادل نحو 75 في المئة، بدولة فلسطين، بينما ترفض أميركا وتمارس حق الاعتراض "الفيتو"، وتصف مؤتمر التحالف بأنه غير مثمر. وبالطبع تتحدث "إسرائيل" بلغة حاسمة عن خروج الدولة الفلسطينية من قاموسها، وتصف من سيلحق بقائمة الدول المعترفة بها بمعاداة السامية وتشجيع "إرهاب حماس".

في هذا الصدد؛ لا بد من وقفة لرصد هذا النفاق السياسي المتمثل بمستويين من الخداع: أولهما؛ يتعلق بالاعلانات السياسية الفارغة، وثانيهما يتعلق بالمساعدات الإنسانية الدعائية، والتي تخفي وراءها إجراءات عملية لدعم العدوان وحرب الإبادة، ومناقشة أسباب هذا النفاق وخلفياته وأبعاده الخارجية والداخلية في هذه الدول؛ وهو يتبدى :

أولاً- الاعلانات السياسية الفارغة

أعلنت فرنسا أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، في سبتمبر/أيلول المقبل، وأصدرت صورة دعائية بأنها على خلاف مع نتنياهو وترامب، وتدين الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة وتطالب بوقف الحرب فورًا. وما يجعلنا نصفها بالفارغة، هو غياب الالتزامات العملية بتنفيذ هذه الدعايات، حيث لا تعدو كونها استمرارا لبيانات الجامعة العربية أو التكتلات الأوروبية أو حتى بيانات ما يسمى "اليسار الإسرائيلي"، بينما عمليا هناك تعاون مع "إسرائيل" وحماية لها من المحاسبة والعقوبات، والأكثر سوءا هو تسليحها ودعمها بذخائر القتل، وحتى مساعدتها في تهجير سكان غزة. هذا فضلا عن رعايتها للإرهاب في سوريا بعد معاداتها للنظام السابق بسبب موقفه الداعم للمقاومة. ويكفينا هنا استعراض نماذج بسيطة تفضح هذا الدعم العسكري لحرب الإبادة ممن يتغنون زورا بإدانة الوضع الإنساني في غزة:

1- التواطؤ في التهجير:

كشفت التقارير، وأبرزها تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن فرنسا متورطة في إجراءات تندرج تحت بند "مخطط تهجير". وقال المرصد إنه حصل على معلومات خطيرة مؤكدة تُثبت تورط السفارة الفرنسية في القدس، بالتنسيق مع جيش الاحتلال، لتنفيذ مخطط لتهجير لكفاءات فلسطينية من غزة"، مؤكدا: "أن عمليات الإجلاء تستهدف حملة الدكتوراه والأطباء والمهندسين والمؤرخين والمتخصصين في الثقافة والآثار". وقال إنه : "يتم تجميع المُرحّلين فجرًا وسط القطاع، وينقون إلى مطار رامون تحت حماية الطيران الحربي، مع حديث عن نقلهم لاحقًا إلى الأردن عبر جسر الملك حسين".

2- تسليح الكيان ودعمه عسكريا

في فرنسا، كشفت 10 منظمات غير حكومية، بينها حركة "أوقفوا تسليح إسرائيل" وحركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، أن فرنسا ترسل أسلحة بشكل منتظم إلى "إسرائيل" منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة. وذكر التقرير أن فرنسا ترسل أسلحة إلى "إسرائيل" عن طريق البحر والجو بشكل منتظم ومستمر. وبحسب التقرير، المعدات العسكرية صُدّرت من فرنسا إلى الكيان ضمن فئتين منفصلتين، تضمنت: قنابل وقنابل يدوية وطوربيدات وصواريخ وذخائر وقاذفات صواريخ وقاذفات لهب ومدفعية وقطع غيار وملحقات بنادق وبنادق صيد عسكرية.

كما تم توثيق إرسال الولايات المتحدة الأميركية أجزاء من طائرة مقاتلة من طراز "إف-35" إلى "إسرائيل"، عبر مطار شارل ديغول في باريس. ومؤخرا، رفض عمال في ميناء مرسيليا-فوس في خليج فوس في جنوب فرنسا تحميل قطع غيار لرشاشات على متن سفينة متجهة إلى "إسرائيل".

أما ماكرون، والذي يصنّف ليبراليًا اجتماعيًا، يرفع رايات حقوقية ويتغنى بفرنسا رائدة العدالة وحقوق الانسان، يحاول التبرؤ النظري من جريمة القرن في غزة. كما يحاول احتواء الوضع الداخلي الشعبي الذي بدأ يتململ من المساعدات الفرنسية للإرهاب الصهيوني، والذي بدأ يدخل إلى نطاقات عملية مثل تمرد عمال الميناء وريما يفتح الباب لتصعيد شعبي مع زيادة الجرم وتطوراته بالتهجير القسري الذي تلوح نذره في الأفق.

هذا الوضع الدعائي والمخاوف موجودة عند بريطانيا، والتي لوحت بأنها ستحذو حذو فرنسا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الرغم من استمرارها في تسليح الكيان ورفض المحكمة العليا للدعوى المقامة بوقف تصدير الأسلحة التي تستخدم في العدوان والقتل في غزة. وهو أيضا نوع من النفاق لحل التناقض بين دعم الجريمة الصهيونية وبين اللافتة اليسارية لحزب العمال الحاكم حاليا، والذي عرف بدعمه التاريخي للفلسطينيين.

ثانيا- المساعدات الإنسانية الدعائية

كما ينافق العالم سياسيا، لا يقل النفاق الإنساني خسة عنه؛ فقد تتظاهر الدول بالمساعدات الإنسانية وإنزالها جويًا، وهو أمر يفضحه استعراض صغير وملخص للمساعدات المطلوبة لتلبية الاحتياجات الرئيسية لغزة:

وبشكل مختصر، يحتاج القطاع إلى 600 شاحنة يوميا على الأقل، ومتوسط حمولة الشاحنة نحو 20 طنا، أي تحتاج غزة إلى 12,000 طن مساعدات يوميًا لتلبية الاحتياجات الغذائية والدوائية واللوجستية الأساسية.

عند استعراض المساعدات التي تتغنى بها الدول، نجد هذه لأارقام المضحكة:

1. بلغت مساعدات بريطانيا منذ بدء الحرب نحو 110 طنا، بما يعادل نحو خمس شاحنات.

2. بلغت مساعدات التحالف الدولي نحو1,500 طنا، أي أقل من مئة شاحنة.

3. بلغت مساعدات الولايات المتحدة في 4 إسقاطات جوية نحو 80 طنا، أي 4 شاحنات.

4. مساعدات الأردن والإمارات الأخيرة بلغت نحو 25 طنا، أي ما يعادل شاحنة واحدة من 600 شاحنة على الأقل مطلوبة في اليوم الواحد.

المضحك أيضا أن وزير الخارجية الفرنسي قال إن باريس ستلقي ابتداء من الأسبوع القادم 40 طنا من المساعدات فوق قطاع غزة، "وهو ما يعادل شاحنتين". كما ذكر بأن هناك 52 طنا محجوزة على المعابر، وهو ما يعادل أقل من "3 شاحنات"، وهذه الأرقام تكشف بجلاء حقيقة الاستهزاء بالرأي العام وتصدير أرقام تفترض جهل الرأي العام بالمساعدات المطلوبة.

الخلاصة؛

إننا نشهد وضعًا للنظام العالمي فيه افتضاح واضح للافتات الحقوقية والديمقراطية الكاذبة التي تتواطأ فيها دول الغرب "التقدمي" مع الكيان المجرم، وتتواطأ فيها دول "عربية وإسلامية" مع الكيان، إما خوفًا من المواجهة أو حقدًا على المقاومة.. إأننا نمر بلحظة توتر مع هذا الغرب المتوحش، وهذا الشرق الجبان، والذي بدأ يخشى غضب الرأي العام وافتضاح حقيقة هذه الأنظمة الغربية والشرقية، وهو ما يجبره على إجراءات شكلية وإعلانات سياسية فارغة، ولكنها لن تنطلي على الجماهير.

الكلمات المفتاحية
مشاركة