اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي جلسة لمجلس الوزراء استكمالًا للنقاش في "ملف حصرية السلاح"

مقالات

تحالف إيراني - باكستاني في مواجهة التحالف
مقالات

تحالف إيراني - باكستاني في مواجهة التحالف "الإسرائيلي" - الهندي 

138

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في جنوب آسيا والشرق الأوسط، يبرز التقارب المتجدد بين إيران وباكستان بوصفه استجابة إستراتيجية لحالة التوّتر المتزايدة الناتجة عن التحالف المتعاظم بين الهند و"إسرائيل" والذي تجهد نيو دلهي من خلاله لمحاصرة باكستان فيما تسعى "إسرائيل" من خلاله للاستعانة بالهند لتهديد ظهر إيران من الشرق.
ففي مطلع آب/أغسطس 2025، شهدت العاصمة الباكستانية إسلام آباد زيارة رسمية للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، نتجت عنها اتفاقات مهمّة مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، تهدف إلى تعزيز التعاون خصوصًا في مجالات الأمن والتعاون العسكري بالإضافة إلى التجارة والطاقة، كما تهدف إلى رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى عشرة مليارات دولار.

البعد الجيوسياسي للعلاقات الإيرانية الباكستانية 

هنالك عدة أسباب تدفع إسلام أباد وطهران إلى التقارب، خصوصًا أن البلدين يواجهان جملة من التحديات الأمنية المشتركة، خصوصًا تلك المرتبطة بنشاط الجماعات المسلحة الناشطة في المناطق الحدودية، وبخاصة في إقليم بلوشستان الذي يعاني من اضطرابات متكرّرة، كان آخرها الهجوم على محكمة في سيستان - بلوشستان الإيرانية، والذي راح ضحيته عدد من المدنيين. والجدير ذكره أنه خلال الاضطرابات التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة، إضافة إلى العدوان "الإسرائيلي" الأخير على إيران، تبين أن "الموساد الإسرائيلي" والاستخبارات الأميركية والعربية تمكّنت من تجنيد عدد كبير من الشبكات في ذلك الإقليم والتي ساهمت في أعمال تشويش على الدفاعات الإيرانية وعلى الاستقرار في ذلك الإقليم أثناء العدوان "الإسرائيلي". وقد تعهد الطرفان خلال الزيارة بتعزيز التعاون الأمني وضبط الحدود ومنع أي نشاط "إرهابي" يعكر صفو العلاقات أو يهدّد أمن البلدين.

وما يضفي على هذا التقارب طابعًا إستراتيجيًا أعمق هو ما يشهده الإقليم من تحالفات مضادة، وعلى رأسها التحالف الهندي "الإسرائيلي"، الذي بات يشكّل تهديدًا للأمن القومي الإيراني من جهة والباكستاني من جهة أخرى. فالهند التي باتت منذ عقد من الزمن تحت حكم حزب هندوسي متعصب معاد للمسلمين، باتت تصعد التوتر مع باكستان، خصوصًا في إقليم كشمير، وذلك خدمة لخطاب شعبوي تعتمده حكومة رئيس الوزراء اليميني المتشدد ناوندرا مودي، وأيضًا لعرقلة جزء من خط حزام وطريق الصيني الذي يعتمد باكستان حليفًا إستراتيجيًا. أما "إسرائيل" فهي باتت تعتمد على الهند لممارسة ضغوط على إيران من الشرق ووضع طهران بين فكي كماشة، خصوصًا في ظل التعاون العسكري والاستخباراتي بين ""تل أبيب"" ونيو دلهي. 

ومنذ سنوات عدة، تطوّر التعاون الهندي "الإسرائيلي" ليشمل مجالات الأمن السيبراني والدفاع والمراقبة والتسلح، حيث تستورد الهند تقنيات "إسرائيلية" متقدمة لمراقبة الحدود والتجسس، وقد توسعت الشراكة لتشمل تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادلًا استخباراتيًا، ومشاريع تسليح ضخمة. هذه العلاقة أثارت قلقًا في كلّ من طهران وإسلام آباد، خصوصًا في ظل التوترات الحدودية المزمنة بين الهند وباكستان، والدعم "الإسرائيلي" المتكرّر للهجمات ضدّ البنية التحتية الإيرانية، سواء عبر العمل الاستخباراتي أو عبر تحريض الولايات المتحدة على التدخل العسكري ضدّ إيران.

والجدير ذكره أن العدوان "الإسرائيلي" الأخير على إيران في حزيران/ يونيو 2025، والذي استمر اثني عشر يومًا وشهد تدخلًا أميركيًا عسكريًا مباشرًا إلى جانب "إسرائيل"، جعل القيادة الإيرانية تدق ناقوس الخطر. وقد استشعرت إسلام أباد أيضًا الخطر من إمكانية ضرب إيران إذ إن من شأن الضربة لو نجحت أن تعزلها وتكشف ظهرها في الوقت الذي تنشغل فيه بمواجهة الاستفزازات الهندية. من هنا فلقد شكل دعم باكستان لإيران في حقها بالدفاع عن نفسها بمثابة إشارة سياسية هامة إلى تشكّل محور مقاومة للتدخلات الغربية من جهة وللخطر الذي يمثله بالنسبة لهما التحالف "الإسرائيلي" - الهندي. 

البعد الاقتصادي 

وحتّى يكون التحالف الأمني والإستراتيجي الباكستاني - الإيراني مدعمًا وثابتًا فلقد سعى بزشيكيان ونظيره الباكستاني إلى توقيع اتفاقيات ذات طابع شامل تشمل أيضًا البعد الاقتصادي. وهذا جعل الرئيس الإيراني يعلن عن رغبته في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من ثلاثة إلى عشرة مليارات دولار، في وقت يعاني فيه البلدان من عزلة اقتصادية نسبية نتيجة للعقوبات الغربية في حالة إيران والتوتّرات الإقليمية في حالة باكستان. وقد ناقش الطرفان إمكانية تطوير مسارات تجارية تصل إلى أوروبا، عبر إيران وباكستان، لتوفير بدائل للطرق التقليدية الخاضعة للرقابة الغربية، وهو ما قد يعزز من استقلاليتهما الاقتصادية والإستراتيجية. وهذا يتطلب تقنين التجارة بين البلدين والاستثمار في البنية التحتية والنقل والطاقة، وربط شبكات الغاز والكهرباء، وهي مشاريع يمكن أن تشكّل نواة لتكتل اقتصادي إقليمي جديد. 

وفي ظل الاضطراب العالمي وتراجع الهيمنة الأحادية القطبية، يبدو أن الدول الإقليمية مثل إيران وباكستان أصبحت مجبرة على تبني سياسات أكثر استقلالية عبر التحالف مع شركاء يتقاطعون معها في المصالح والتهديدات. وإذا ما استمرت الهند و"إسرائيل" في تعزيز تحالفهما في ظل رعاية أميركية لهذا التحالف ضدّ الصين وإيران، فإنه من الطبيعي أن تسعى طهران وإسلام آباد إلى خلق محور رديف يوازن هذا النفوذ علمًا أن هذا التحالف قد يحظى برعاية صينية ولو غير معلنة.

كذلك فإن التعاون الإيراني الباكستاني يحمل في طياته بعدًا رمزيًا يتعلق بالهوية الإسلامية ومكانة القضية الفلسطينية، إذ لمّح الطرفان إلى دعمهما المشترك لغزّة، ورفضهما للعدوان "الإسرائيلي" على المدنيين، ما يضيف بعدًا أيديولوجيًا لهذا التقارب. 

خلاصة 

في النهاية فإنه من الواجب النظر إلى زيارة الرئيس الإيراني إلى باكستان، وما رافقها من تصريحات واضحة حول التعاون الأمني والتجاري على أنها تعكس تحوّلًا حقيقيًا في التوازنات الإقليمية. ففي ظل تعزيز التحالف الهندي "الإسرائيلي" بات لزامًا على إيران وباكستان الانتقال من مرحلة التنسيق إلى مستوى التحالف الإستراتيجي الشامل، لضمان أمنهما القومي، ودعم استقرارهما الاقتصادي، وتعزيز قدرتهما على التأثير في مستقبل الإقليم.

الكلمات المفتاحية
مشاركة