مقالات
كاتب من مصر
في مشهد استعماري جديد وخرق فاضح للقانون الدولي، أعلنت "إسرائيل" اعترافها بجمهورية أرض الصومال ككيان منفصل عن الصومال، كأول كيان يعترف بها رسميًا، وهو مشهد يضاف لعدة مشاهد إقليمية ودولية تتمحور حول توجه أميركي صهيوني لإنهاء حدود "سايكس بيكو" واستبدالها بحدود استعمارية جديدة، ويضيف أحد الشروحات لمشروع ""إسرائيل" الكبرى" وهو التمدد الجيوستراتيجي الخارجي وليس فقط احتلال الأراضي والتوسع الاستيطاني.
وقد تزامن هذا الاعتراف مع حراك في الجهة المقابلة من سواحل أرض الصومال، وذلك في جنوب اليمن، عبر تحرك المجلس الانتقالي الانفصالي الموالي للإمارات للسيطرة على الجنوب، وهي خطوة في ما تبدو تمهيدية للحصول على اعتراف مماثل لخلق مشهد صادم مفاده إتاحة الفرصة رسميًا للكيان الصهيوني للتموضع حول جانبي خليج عدن وباب المندب وامتلاك مفاتيح الأمن القومي لليمن مرورًا بالصومال واريتريا وصولًا للسودان ومصر وقناة السويس.
ملاحظات أولية:
اللافت في إعلان نتنياهو في بيان الاعتراف باستقلال أرض الصومال، هو وصفه للخطوة بأنها "بروح اتفاقات إبراهام"، وهو ما يفسر خلو البيان العربي والإسلامي والافريقي الذي خرج باسم 21 دولة من انضمام الإمارات والبحرين والمغرب للتوقيع على البيان، ولم توقع عليه من دول الاتفاقات الإبراهيمية إلا السودان، وهذا يقود إلى ملاحظات هامة:
أولًا: إن ربط الاعتراف بالاتفاقات الإبراهيمية وعدم انضمام أطرافها للإدانة العربية والإسلامية الجماعية يعطي مؤشرًا بأن هناك تكتلًا مستقلًا لأطراف الاتفاقية وله مشروع جيوستراتيجي مستقل ومناقض للأمن القومي لبقية الأطراف.
واستثناء السودان هنا يشير إلى أن الاتفاقات الإبراهيمية تفضل انضمام الدعم السريع سواء بعد سيطرته على الحكم، أو عبر نجاحه في تقسيم السودان وسيطرته على دارفور وغرب السودان ونيله الاعتراف مقابل الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية.
ثانيًا: البعد العسكري والإستراتيجي لهذا الاعتراف يؤكد ان الاتفاقات الإبراهيمية ليست مجرد تعاون اقتصادي وتطبيعًا للعلاقات، بل تدخل في نطاق الأحلاف العسكرية، والتي تسعى لحصار المقاومة واستهدافها، حيث تبدو الخطوة الأخيرة موجهة بدقة إلى اليمن المقاوم.
ثالثًا: لا بد من الربط مع تصريحات عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي قال إنه منفتح على الانضمام للاتفاقات الإبراهيمية في حال حصول "جنوب اليمن" على الاستقلال، وهو ما يعني أن الباب مفتوح للاعتراف بأي كيان انفصالي يعلن انفتاحه على الكيان والانضمام لحلف الاتفاقات الإبراهيمية، وهو مؤشر خطير ينذر بالمزيد من التفتيت والتقسيم في دول أخرى في المنطقة.
الإمارات عرّابة "إسرائيل الكبرى":
المتابع لسياسات الإمارات واندفاعها التطبيعي وسلوكها في جميع الملفات، يرصد دورها الوظيفي في خدمة التمدد "الإسرائيلي" الخارجي، وأن الأمر يتخطّى نطاق المصالح الإماراتية الذاتية وطموحاتها الدولية، حيث كرست جهودها لإقامة القواعد "الإسرائيلية" الخارجية، وهو ما فضحته وسائل الإعلام الصهيونية.
وعلى سبيل المثال نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، تقريرًا حمل عنوان “كل العيون تتّجه نحو أرض الصومال: الدولة الإفريقية الصغيرة التي تشكّل مفتاح حرب "إسرائيل" على (الإرهاب الحوثي)".
وأكدت الصحيفة على توجه "إسرائيل" بدعم إماراتي لتدشين قاعدة عسكرية "إسرائيلية" في أرض الصومال لمواجهة "الحوثيين" في اليمن.
كما قالت صحيفة "معاريف" العبرية، في تموز/ يوليو 2024، أن الإمارات اتفقت مع "إسرائيل" على إنشاء منشأة عسكرية واستخباراتية مشتركة في جزيرة عبد الكوري، بأرخبيل سقطرى اليمني بخليج عدن، والذي تستولي عليه الإمارات منذ 30 نيسان/ إبريل 2018.
وكان موقع “ميدل إيست مونيتور” أول من أشار إلى التوجّه "الإسرائيلي" نحو أرض الصومال، ونقل الموقع عن مصادر دبلوماسية أن الإمارات تتوسط بين الجانبين، وأكد أن أبو ظبي لم تقنع أرض الصومال بالسماح ببناء القاعدة العسكرية فحسب، بل أكدت لها أنها ستمولها أيضًا.
ويضاف ذلك إلى دعم الإمارات لعصابات الدعم السريع في السودان والمنفتحة على الكيان وكذلك دعمه لقوات حفتر صاحبة العلاقات السرية مع الكيان، ودور الإمارات في دعم اثيوبيا، حيث كانت المهندس الرئيسي لاتفاق أثيوبيا مع أرض الصومال بالتموضع في ميناء بربرة، وهو ما يشير لمحور أثيوبي صهيوني إماراتي في القرن الأفريقي.
مخاطر تقسيم سورية:
لم تنضم سورية إلى البيان الجماعي العربي والإسلامي بالإدانة واكتفت ببيان منفرد، وهي إشارة إلى أنها لا تنخرط في عمل جماعي ضدّ الكيان، وهو امتداد لسياسة نيل الرضا الأميركي والتفاهم مع الكيان، رغم أن سورية معرضة لخطر التقسيم بلحاظ المجموعات الانفصالية الدرزية التي شذت عن الإجماع الدرزي بوحدة سورية، والتي أعلنت ولاءها للكيان، كذلك بلحاظ سلوك "قسد" وعلاقاتها بالكيان الذي يدعم انفصال كردستان، ويغذي سلوك انفصال الأكراد عن سورية لتمزيقها.
أميركا تقود من وراء الستار:
رغم الاستخفاف الذي تعامل به الرئيس ترامب مع الصحفيين والرأي العام عندما قال إنه لن يحذو حذو "إسرائيل" حاليًّا بالاعتراف وقال ساخرًا "هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال؟"، إلا أن هذا لا يستطيع التعمية على علاقة أميركا بالإقليم الانفصالي، وذلك عبر عدة أدلة:
1 - التقى رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله (عيرو)، في كانون أول/ديسمبر 2024 بوفد أميركي رسمي برئاسة السفير ريتشارد رايلي وقادة عسكريين من "أفريكوم" لمناقشة تعزيز العلاقات بين البلدين.
2 - الاعتراف بمصالح أميركا في القرن الافريقي وتحقيقها عبر الاعتراف بانفصال أرض الصومال هو الشغل الشاغل لمراكز الفكر الأميركية والاروقة الإستراتيجية، وهناك دراسة أعدتها مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية السابقة جنداي فريزر وآخرون، ونشرها مركز "هوفر" التابع لجامعة "ستانفورد"، وصفت بأنها واحدة من أهم ما كُتب بشأن العلاقة بين الولايات المتحدة وأرض الصومال، وخلاصتها كانت دعوة أميركا للاعتراف أحاديًا باستقلال الإقليم كدولة مستقلة عن الصومال.
3 - وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، قدَّم النائب الأميركي، سكوت بيري، مشروع قانون جديد إلى الكونغرس، يدعو إلى الاعتراف بـ"أرض الصومال"، ووفق بيري، فإن وزير الدفاع البريطاني الأسبق، جافين ويليامسون، أجرى أيضًا محادثات مع فريق ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 حول الاعتراف، ويُعتقد أن إدارة ترامب قد تستكمل هذه المفاوضات بمجرد اكتمال فريقها المَعْنِيّ بإفريقيا.
4 - "إسرائيل" هي الكيان الوظيفي الخادم لأميركا، وتموضعها هو تموضع أميركي، كما أن وثيقة الأمن القومي الأميركية تحدثت عن سيطرة أميركا على الممرات البحرية وتأمين تدفق التجارة وعدم السماح للخصوم بالسيطرة عليها.
الاعتراف وملف تهجير الفلسطينيين:
في آذار/مارس الماضي، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست الإسرائيلية"، أن مسؤولين أميركيين تواصلوا مع حكومات من شرق إفريقيا لمناقشة إمكانية نقل النازحين الفلسطينيين من غزّة، وأفادت "هيئة البث العامة الإسرائيلية"، بأن وزير خارجية أرض الصومال عبد الرحمن ضاهر آدان قال إن "أرض الصومال والتي تعتبر (دولة بحكم الواقع) لا تستبعد استيعاب سكان غزّة".
وبعد اعتراف نتنياهو، أشارت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" إلى إمكانية أن يكون الاعتراف "الإسرائيلي" بـ "أرض الصومال" كدولة، جزءًا من ضغط الاحتلال لتهجير الغزيين ضمن خطة "ريفييرا غزّة".
والخلاصة، أن الصومال الكبير الذي كان دولة كبرى قطعها الاستعمار، وانتهى الأمر بوحدة الصومال البريطاني "أرض الصومال" والصومال الفرنسي، اقتضت مصالح الاستعمار الأميركي والصهيوني حاليًّا فصله وتقسيمه مجددًا، وهي رسالة لكل الأقطار بأن حدود "سايكس بيكو" لم تعد ملزمة للقانون الدولي، حيث أعلن نتنياهو أنها من الماضي وكرّر ذلك بنشره لخرائط "إسرائيل الكبرى"، وأن مدخل هذا التقسيم هو التواطؤ مع العدوّ والانفتاح على التطبيع والالتحاق بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، وأن هناك أحلافًا عسكرية تتشكّل كتكتل مستقل له أمن قومي مستقل متناقض مع الأمن القومي العربي والإسلامي ومهدّدًا للدول القومية، وهو ما يتطلب مواجهة جادة بقدر التحديات ويتطلب دعمًا لقوى المقاومة للمشروع الصهيوني، حيث ثبتت رؤية المقاومة بأن الضعف والمهادنة تقود إلى المزيد من الاستباحة والتوسع، وهو ما بات مكشوفًا ومعلنًا من جانب العدوّ الأميركي والصهيوني.