اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي قمة ترامب نتنياهو في إعلام العدو: هل يضغط ترامب على "إسرائيل" أم يُطلق يدها؟

مقالات

نتنياهو في ميامي: هل يجر واشنطن إلى حرب في الشرق الأوسط؟
مقالات

نتنياهو في ميامي: هل يجر واشنطن إلى حرب في الشرق الأوسط؟

170

Former Lebanese government coordinator to UNIFIL .Former Director General of Administration . Former President of the Permanent Military Court

عميد متقاعد في الجيش اللبناني/ منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية 
ورئيس المحكمة العسكرية السابق  

بينما تتصاعد نيران الحرب في غزّة وتتوسع المواجهات على الحدود اللبنانية، تتّجه الأنظار اليوم الاثنين نحو البيت الأبيض، حيث من المقرر أن يلتقي رئيس وزراء الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذه الزيارة، التي يسوَّق لها كاجتماع طبيعي بين حليفين، تحمل في طياتها مخاطر جسيمة ورؤى إستراتيجية تتجاوز بكثير التعامل مع النزاعات الحالية.

فالهدف الحقيقي، وفق ما أراه، ليس مجرد طلب ضمانات أو مناقشة وقف إطلاق النار، بل محاولة انتزاع ما يشبه "ضوءًا أخضر" من الإدارة الأميركية لاستمرار التصعيد العسكري وتوسيع نطاقه. والأخطر من ذلك كله: أن هذه الزيارة تأتي في ظل أجواء داخلية أميركية مثقلة بالانقسامات والفضائح التي ربما تُسهّل لنتنياهو ما عجز عنه في مناسبات عدة سابقة.

الغطرسة "الإسرائيلية": إشعال النار لصالح توسّع بلا حدود

من غزّة إلى الجنوب اللبناني، تبدو السياسة "الإسرائيلية" اليوم أقرب إلى منطق القوّة المطلقة والتوسع غير المقيد، لا إلى سياسة الدفاع أو البحث عن حلول. لقد حوّلت ضغوطها العسكرية والسياسية مناطق واسعة في "الشرق الأوسط" إلى ساحات منكوبة، وأصبحت شهيتها تجاه مزيد من التصعيد بلا سقف.

الزيارة المرتقبة ليست استثناءً من ذلك، فهي في منظور كثير من المراقبين تأتي في سياق حملة "إسرائيلية" للضغط على واشنطن من أجل رفع سقف الدعم العسكري والسياسي في الملفات التالية:

 - توسيع العمليات في غزّة تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".

 - تشديد الضغوط على لبنان وحزب الله بذريعة نزع سلاح المقاومة.

 - دفع الولايات المتحدة نحو مواجهة مباشرة مع إيران، والذي أراه الهدف الرئيسي للزيارة، وهو ما سيُعقّد المشهد الإقليمي بأسره.

 - ببساطة، "إسرائيل" لا تبحث عن سلام، بل تبحث عن غطاء دولي لسياساتها العدوانية والتوسّعية.

اللوبي الصهيوني في واشنطن وضغط ترامب: 

بينما تسعى "تل أبيب" لتثبيت نفوذها، فإن موقع الولايات المتحدة في هذا المشهد ليس حياديًا. فقد لعبت لوبيات ضغط دورًا فاعلًا في صياغة السياسات الأميركية تجاه "الشرق الأوسط" لصالح "إسرائيل"، حيث تقدّم باستمرار روايةً تؤكّد التهديد الإيراني كذريعة لتبرير دعم عسكري واسع للإجراءات "الإسرائيلية"، حتّى عندما لا تتوافق تلك الإجراءات مع المصالح الإستراتيجية الأميركية.

لكن ما يجعل هذه اللحظة أكثر حساسية هو الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، حيث يتعرّض الرئيس ترامب لضغوط غير مسبوقة بسبب تداعيات فضائح جيفري إبستين، التي أثارت في الآونة الأخيرة جدلًا واسعًا حول علاقات شخصيات سياسية بارزة داخل واشنطن. فقد أُفرج عن سلسلة من الوثائق التي أظهرت تواجد اسم ترامب في سجلات طائرة إبستين الخاصة، ما أثار ردود فعل سياسية واسعة ومطالبات بالشفافية.

ولم تقتصر ردود الفعل على مجرد استنكار، بل ظهرت اتهامات بوجود تغطية وإخفاء متعمّد لملفات، واتهامات للبيت الأبيض ووزارة العدل بالتعامل الانتقائي مع الوثائق. وقد تولّد عن ذلك انقسام سياسي داخلي حاد، حيث هدّدت مجموعة من النواب بمساءلة المسؤولين أو اتّخاذ خطوات قانونية في حال استمرار إخفاء المعلومات.

هذا المناخ السياسي المتوتّر يعزّز الضغط على ترامب، ويُضعف من قدرته على اتّخاذ قرارات مستقلة بعيدًا عن التوازنات الداخلية. ويأتي هذا في وقت ترغب فيه "إسرائيل" في استغلال كلّ ثغرة في السياسة الأميركية لضمان دعم غير مشروط.

هل الهدف الحقيقي جرّ أميركا إلى حرب مع إيران؟

الأخطر في كلّ هذا ليس فقط طلب نتنياهو ضوءًا أخضر للعمليات في غزّة ولبنان، بل أن الزيارة نفسها تُقرأ كجزء من حملة متواصلة لجرّ الولايات المتحدة إلى صراع أوسع مع إيران، صراع قد يتحوّل إلى حرب شاملة تهدف في جوهرها إلى النيل من النظام الإيراني وإسقاطه، وهو مشروع تتبنّاه دوائر متشدّدة في "تل أبيب" منذ سنوات.

تقارير إعلامية متعددة تشير إلى أن "إسرائيل" تستعد لخيارات عسكرية متعددة ضدّ إيران -من هجوم "إسرائيلي" منفرد، إلى عملية مشتركة مع القوات الأميركية، أو حتّى تنفيذ ضربة أميركية بالكامل- وأن القرار النهائي مرتبط بنتيجة مباحثات نتنياهو مع ترامب في 29 كانون الأول. وقد نقلت مصادر عن مسؤولين في واشنطن قولهم إن نتنياهو يدرس عرض “خيارات مشاركة الولايات المتحدة في أي عملية عسكرية ضدّ إيران” كجزء من إستراتيجيته خلال الزيارة.

لكن واشنطن نفسها تدرك بوضوح أن دخول حرب إقليمية واسعة ضدّ إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة؛ إذ إن ذلك قد يجرّها إلى دوامة من التدخلات التي لا تنتهي، وتفاقم الانقسامات الداخلية في المجتمع الأميركي، خاصة في وقت يحاول فيه ترامب ترسيخ صورته كزعيم عالمي قوي لكنّه حريص على مصالح بلاده ولا يرغب في خوض حروب بعيدة عن مصالح الأمن القومي المباشر للولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن الضغوط الداخلية على ترامب ليست مجرد سياسية، فهي مشحونة أيضًا بخلافات حول كيفية التعامل مع تداعيات فضائح جيفري إبستين. إن هذا الضغط المتواصل يُضعِف قدرة ترامب على حماية استقلالية قراره السياساتي ويمثّل عنصر توتر داخلي يمكنه أن يدفعه -تحت وطأة الانقسام السياسي والاتهامات المتبادلة- إلى تقديم تنازلات غير محسوبة لمؤثرين وزعماء خارجيين، من بينهم نتنياهو واللوبيات الصهيونية، وهو ما قد يسهّل توجيه الإدارة نحو دعم تدخل عسكري ضدّ إيران تحت ذريعة "التهديد الأمني"، رغم أن واشنطن نفسها لا ترى لهذا التدخل مصلحة واضحة في حساباتها الإستراتيجية.

بهذا الشكل، لا يبقى موضوع زيارة كانون الأول مجرد ندوة سياسية بين رئيس وزراء "إسرائيلي" ورئيس أميركي، بل هو اختبار حقيقي لقدرة القرار الأميركي على مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية، وما إذا كان سيُستخدم كأداة لجرّ الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي لن يخدم سوى أجندات توسعية وتكتيكات سياسية قصيرة النظر لمصلحة "إسرائيل الكبرى"، على حساب استقرار "الشرق الأوسط" ومستقبل شعوبه.

الخاتمة: مفترق طرق دراماتيكي. 

ليست زيارة نتنياهو مجرد اجتماع بين زعيمين؛ بل هي مسرح توازنات دولية مشحونة بين:

 - غطرسة "إسرائيل" التوسّعية التي لا تعرف حدودًا.

 - لوبيات ضغط في واشنطن تدفع بالسياسة الأميركية نحو مصالح خارجية.

 - ضغط داخلي على ترامب قد يقوده إلى تنازلات خطيرة لا تخدم سوى تصعيد الصراع.

وفي الوقت الذي ترى فيه "إسرائيل" في حرب مع إيران فرصة لإعادة كتابة قواعد النفوذ في "الشرق الأوسط"، يدرك القرار الأميركي على الأقل أن الحرب الإقليمية ليست في مصلحة أميركا أو شعوب المنطقة.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل ستصمد الولايات المتحدة أمام ضغوط اللوبيات وذكريات فضائح إبستين؟ أم ستسمح لغطرسة "إسرائيل" في 29 كانون الأول أن تُخضع سياسة واشنطن وتجرّها إلى حرب لن تنتهي؟.
 

الكلمات المفتاحية
مشاركة