نقاط على الحروف

منذ الحملة الانتخابية للقوات اللبنانية في العام ٢٠٢٢، والتي اتّخذت لها شعارًا "نحنا بدنا ونحنا فينا"، ما انفكّت الوجوه "القوّاتية" تبدع في إنتاج العجز والفشل، وتستعرض إنتاجها هذا بعد تصويره كإنجاز. وما ثبت من ذلك الحين إلى اللحظة، أنّ أكذوبة "بدنا" المقترنة بوهم "فينا" تشكّل أمثولة شديدة الصدق في تظهير الوجه "القوّاتيّ" الأصدق والأوضح. ولتقريب الصورة، من شاهد منكم فيلمًا للممثّل الكوميدي عادل إمام بعنوان "واحدة بواحدة"، والذي اشتهر فيه بعبارة "نهارنا عسل، الفنكوش وصل"؟ لمن لم يشاهده، كان "الفنكوش" عبارة عن اسم لسلعة غير موجودة يجري التسويق لها في حملة إعلانية ضخمة تحت الشعار الآنف الذكر. هذا بالضبط ما يجري على الصعيد "القوّاتي": الإنجاز "فنكوش" والحملة الإعلانية متواصلة، "فينا وبدنا". ب
كلّ موضوعية ممكنة، ولنقل بالمعيار البيروقراطي المحض، بعيدًا عن أي خلفية سياسية وعن أيّ موقف مسبق، أبدع ممثّلو "القوّات" سواء على المستوى النيابيّ أو الحكوميّ، وحتّى على المستوى التواصليّ، في صناعة الفشل ومراكمة العجز، بحيث فشلوا في كلّ ملفّ تابعوه، وعجزوا عن تحقيق أيّ عمل يُذكر. وفي الوقت نفسه، يستعرضون على مدار الساعة إنجازات غير مرئية وغير محسوسة، تشبه إلى حدّ بعيد بهجة النائب ستريدا جعجع حين صدرت نتائج الانتخابات النيابية عام ٢٠٢٢ وبيّنت حجم الفشل "القواتيّ"، فصاحت تهلّل بنصرٍ لم يحدث وخاطبت زوجها ورئيس حزبها "يا تقبرني ٣٠ سنة ناطرين هاللحظة!". وكما النائب ستريدا، يصيح كلّ "قواتيّ" ويهلّل بعد الفشل بإنجاز قوامه الوهم المصفّى!
وكي لا نذهب بعيدًا في العموميات "القواتية" والتي أصبحت مدار سخرية متواصلة، يمكن اعتبار حالة يوسف رجّي، وزير الخارجية "القوّاتي"، حالةً نموذجيّة شديدة التعبير عن نمط "القوّات اللبنانية" في إدارة الملفّات وصناعة "الإنجازات" التي لم يكن آخرها الابتهاج الشديد بسابقة تاريخية لم تحدث قبلًا على مستوى العالم: لقد رفض رجّي لقاءً لم يُعرض عليه أصلًا! هذه الحادثة التي تحوّلت إلى مادة إضحاك على مدى اليومين السابقين، وساهمت في تخفيف ضغط الحرارة المرتفعة خلال موجة الحرّ التي ضربت لبنان، إذ أنست اللبنانيين ثقل الحرّ والشبهات حول اختفاء الكهرباء الذي، للمصادفة، كان أيضًا إنجازًا يُحسب لوزير الطاقة "القوّاتي" جوزيف الصدّي. مع الإشارة إلى أن سلسلة الشعارات الانتخابية لـ"القوات" تضمّنت تأكيدًا أنّه في حال استلمت "القوّات" ملفّ الكهرباء، فإن اللبنانيين على موعد مع كهرباء ٢٤/٢٤! تحقّق الإنجاز "القواتيّ" مع اختلاف بسيط: انقطعت الكهرباء عن بيوتهم ٢٤/٢٤!.
بالعودة إلى "تيس" الخارجية كما وصّف نفسه فقد اشتهر بكثرة الاستعراضات الراوية لإنجازات لم يشعر بها أحد، وبانعدام العمل تمامًا لأن الوقت لا يتسع لجميع المسؤوليات الإدارية والتنفيذية من جهة، والأعمال المسرحية الفاشلة من جهة أخرى.
ولمّا كان الوزير رجّي قد اختار من أوّل دربه الوزاري المسار الثاني، القائم على مسرحة حضوره، فلم يتبقّ له أيّ وقت لممارسة عمله المفترض كوزير. والأمر ليس مستغربًا، فرجّي وصل إلى الوزارة على متن فضيحة "مغربية" من عيار التحرّش بالنساء! وكي يُنسي المشاهدين المذهولين تفاصيل فضيحته، ارتكب أخرى تمثّلت بهجوم سوقيّ مصوّر على مبنى وزارة الخارجية، في محاولة للظهور بمظهر الوزير النشيط الذي يتابع شؤون وزارته على الأرض، فقام بمهاجمة الموظفين الذين تاهوا بين الرعب والذهول! احتفل "القوّاتيون" كعادتهم بالإنجاز العظيم، وفي هذه الأثناء كانت الجاليات اللبنانية في كافة دول المهجر تبحث عن سبيل تتواصل من خلاله مع "الخارجية"، إذ أربكت انشغالات الوزير المسرحية سير العمل في السفارات التي وقفت تنتظر أي إشارة عمل من رأس الهرم الخارجيّ. وكما السفارات، كذلك الأعمال الطبيعية لوزارة الخارجية في الأمم المتحدة وفي جميع المتابعات الدولية التي من المفترض أن تقوم بها والتي بحدها الأدنى تفرض أن تنشط وزارة الخارجية للاستحصال على بيانات إدانة من مجلس الأمن للاعتداءات "الإسرائيلية" التي فاق عددها الأربعة آلاف! هل اكتفى رجّي بكلّ هذا الحضيض العمليّ؟! أبدًا. أطلّ على اللبنانيين لينبئهم بنظرية عجائبية حول العمل الدبلوماسي: نظرية البكاء! هذه النظرية في الواقع أربكت كافة مدارس العلوم السياسية والعلاقات الدولية حول العالم، إذ لم يتطرّق إليها أحد قبل رجّي. وكي يكتمل مسلسل "مش هينة تكون قوّات"، تحوّل "الأراغوز" إلى "مضحكة" حين سُئل عن موقف وزارة الخارجية اللبنانية من الاعتداءات الصهيونية المتواصلة على لبنان، إذ أجاب بثقة مريبة "شو كلّ شوي بدنا نطلع بيان؟!". أما في ما يتعلّق بزيارة السيّد علي لاريجاني إلى لبنان، والتي تحوّل خلالها رجّي إلى حديث الساعة السّاخر، فقد قام كوزير للخارجيّة بكلّ ما يمكنه لإثبات انصياعه وخضوعه التامّ للأميركي، وواصل المباهاة بعدم لقائه الموفد الإيراني من دون أدنى إحراج كان ينبغي أن يشعر به إذ أكّد الجانب الإيراني أن جدول لقاءات السيد لاريجاني لم يتضمن بالأصل موعدًا لرجّي! وأكثر من ذلك، تجاهل كوزير للخارجية تصريحات العدوّ حول اعتبار الأراضي اللبنانية جزءًا من الكيان الصهيوني، ولم ينبس كرئيس حكومته ببنت شفة حول الأمر. علمًا أن سلام بدوره كان قد تباهى بالعبوس حين اقترب المصوّرون الصحفيون لأخذ الصور أثناء لقائه بالسيّد لاريجاني! وبدا أن نوّاف ويوسف في منافسة وديّة حول إثبات من منهما كان أكثر صدقًا في الانبطاح للسعودي وللأميركي وأكثر إخلاصًا لدوره كدمية تحرّكها سفارتا واشنطن والرياض، في حضرة الزيارة الإيرانية.
أمّا بعد، يجتهد "القواتيّون" الآن في تصوير "الأراغوز" كنجم بطل، بعد أن خفتت نجومية شارل جبّور الذي لم يعد ينجح حتّى في استجلاب السخرية التي اعتادها بعد كلّ تصريح. وللأمانة، يضع رجّي باستعراضاته هذه كلّ بقيّة الوجوه "القوّاتية" على الرفّ إذ يشكّل بحدّ ذاته ارتكابًا جعجعيًا ناطقًا، يضاف إلى سائر ما ارتكبه هذا الرجل على مرّ السنين.