خاص العهد

يعيش المجتمع اللبناني تحت وطأة الترويج للتطبيع بكل أشكاله أكثر من أي وقت مضى، ولم تقتصر المحاولات في هذا الإطار على التطبيع الاقتصادي والسياسي فحسب، بل تنشط أيضًا ثقافيًا وفكريًا. ولعل آخر ما رصدته حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان حول منصة "Netflix"، كان نموذجًا صريحًا لذلك.
تتيح المنصة المذكورة للمشتركين في لبنان مشاهدة عدد من الأعمال "الإسرائيلية" (مسلسلات وأفلام) من إنتاج "Netflix إسرائيل" أو شركات إنتاج "إسرائيلية" أخرى، الأمر الذي يخالف أدبيات مقاطعة "إسرائيل" وكذلك القانون اللبناني.
الأعمال "الإسرائيلية" التي شارك فيها ممثلون ومخرجون ومنتجون وكتّاب "إسرائيليون" وصُوّرت في الأراضي المحتلّة، تُروّج لصورة "إسرائيلية" مشوّهة للواقع السياسي والثقافي، أو تُقدّم محتوًى ثقافيًا يعكس مجتمع الكيان "الإسرائيلي"، وقد توجهت حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان بكتاب لمكتب المقاطعة بالعمل على حذف هذا المحتوى من تطبيق "Netflix" في لبنان.
لماذا تعدّ قضية "Netflix" شكلًا من أشكال التطبيع؟
عضو حملة مقاطعة داعمي "اسرائيل" في لبنان، الأستاذ رامي سلامي، أوضح لموقع "العهد" الإخباري أن المحتوى "الإسرائيلي" المتاح للعرض عبر اشتراك "نتفليكس" إشكالي لعدة أسباب.
أولًا، يدفع المشترك اللبناني مالًا لقاء الإشتراك في "نتفليكس"، أي أن هناك علاقة اقتصادية بين المشترك و"نتفليكس"، على شكل بدل مالي لقاء خدمة العرض، وبديهي أن جزءًا من هذه الأموال يصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لجهات "إسرائيلية". وهذا ما تعتقد الحملة بأنه خرق لقانون مقاطعة "إسرائيل".
من ناحية أخرى، يساهم المحتوى "الإسرائيلي" المتاح للعرض على "نتفليكس" في لبنان، بحد ذاته، ولو بدرجات متفاوتة، في دعم السردية "الإسرائيلية"، وبخاصة عندما يتناول قضايا أمنية وعسكرية ضمن الصراع العربي "الإسرائيلي"، كما في بعض الإنتاجات "الإسرائيلية."
الأستاذ سلامي أِشار إلى أن المشترك في "نتفليكس" لا يعتبر مُطبعًا مع العدو "الإسرائيلي"، إذ قد يكون منزعجًا من وجود هذا المحتوى، ومقاطعًا له، أو قد يكون غير منتبه لوجوده أساسًا، أو يشاهده دون أن يتأثر به. كما وإن من حق المشترك اللبناني أن يكون محميًا من وصول جزء من الأموال التي يدفعها إلى جهات "إسرائيلية"، وأن تكون منصة "نتفليكس" في لبنان خالية من أي محتوى "إسرائيلي".
الجدير ذكره وفقًا لعضو الحملة، أن فعل التطبيع يقع في استمرار إتاحة هذا المحتوى كأنه مجرد محتوى فني، وطبيعي، حين تمتنع أجهزة الدولة في لبنان عن القيام بواجباتها، وبذل الجهود المطلوبة لحذف هذا المحتوى.
الدولة مطالبة بإزالة المحتوى "الإسرائيلي"
وعن دور الدولة اللبنانية في هذا السياق، يوضح سلامي أن منصة "نتفليكس" لا تتيح المحتوى نفسه للعرض في كل مناطق العالم، فما يعرض في أميركا غير ما يعرض في أوروبا أو في الشرق الأوسط. وهذا يعني أن "نتفليكس" ضمن خطتها التسويقية، تتوجه لجمهور منطقة جغرافية معينة بما تعتبره الأنسب، تبعًا لحقوق العرض التي اشترتها، أو تبعًا لتفضيلات الجمهور، أو تماشيًا مع قوانين البلدان أو متطلبات الرقابة. والسؤال هنا: لماذا تتيح "نتفليكس" محتوى "إسرائيليًا" للعرض في لبنان؟ بل إن هناك خانة خاصة بهذا المحتوى، واضحة بشكل مريب، علمًا أن لبنان ومعظم الدول العربية من جهة، والكيان "الإسرائيلي" من جهة أخرى، لا يتبعان لنفس منطقة العرض لدى "نتفليكس".
وعليه، فإن ما هو مطلوب من الدولة اللبنانية هو الضغط مع بقية الدول العربية، أو على الأقل مع بعض هذه الدول، أو حتى بشكل منفرد لإزالة المحتوى "الإسرائيلي" مما هو متاح للعرض في لبنان، وليس هذا مما يتعارض أساسًا مع طريقة عمل "نتفليكس" التي تُكيف المحتوى حسب كل منطقة.
الرأي العام ومواجهة التطبيع الثقافي
تُعدّ المرحلة التي نحن في خضمها، من أخطر المراحل على مستقبل لبنان، وفقًا لعضو الحملة، الذي يرى أيضًا أن هناك شكوكًا حقيقية ومشروعة حول حصانة لبنان الرسمي ومناعته ضد التطبيع مع العدو "الإسرائيلي".
وفي إطار الحديث عن كيفية مواجهة التطبيع، فإنه على مستوى الأفراد، والمجتمع الأهلي، المطلوب هو التوعية على خطورة التطبيع، وأشكاله، وطرق مواجهته. الخطوة الأولى هي أخذ خطر التطبيع على محمل الجد، وضرورة تحمل المسؤولية، لا الإحساس بالعجز، بدءًا من المقاطعة الاقتصادية المباشرة للسلع والشركات التي تدعم الكيان "الإسرائيلي"، وكذلك مقاطعة الفعاليات التطبيعية، والأفراد أو الجهات المطبعة، في كل الميادين الثقافية، والفنية، والأكاديمية، والرياضية، وغيرها.
وفي مجال الثقافة، يلفت سلامي لوجوب مواجهة السردية التي توهم البعض أن الثقافة بعيدة عن السياسة، وأن الثقافي منزّه أو هو فوق النقد أو مما يجب ألا تطاله يد المقاطعة. وهذه السردية مضللة، لأن كيانًا مثل كيان العدو، يستغل كل الميادين لفرض هيمنته، وبناء سرديته، ويدفع الأموال لجهات ثقافية، ويرعى فعاليات ثقافية ترويجية تحاول تلميع صورته الحقيقية البشعة، ككيان احتلال إجرامي عنصري إبادي لا يحترم حقوق الإنسان ولا يلتزم بالقوانين والأعراف الدولية. وفي المقابل، فإن الكيان الإسرائيلي لا يتوانى عن إسكات الأصوات التي تفضح سردياته، وخصوصًا إذا ما كانت من شخصيات "إسرائيلية" لها وزنها وحضورها في الثقافة العالمية.
وفي هذا السياق، لا بد من متابعة حملات المقاطعة، والتفاعل معها، واللجوء إليها عند الضرورة لأخذ الرأي والمشورة، وللإبلاغ عن كل شبهة تطبيعيّة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته، لأن الرأي العام قابل للتشكيل وللتعديل، بل والانقلاب، فضلًا عن طرح إشكاليات المقاطعة والتطبيع أكثر فأكثر في وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وعدم الاكتفاء بنشر الخبر بشكل عابر، بل تحليله ومناقشته والإشارة إلى خطورة كل خطوة تطبيعية على مستقبل لبنان وأمنه وشعبه.
الجدير ذكره أن موقع "العهد" تواصل مع مكتب مقاطعة "إسرائيل" التابع للمديرية العامة للاقتصاد والتجارة في وزارة الاقتصاد، وقد أفاد المكتب أن القضية هي قيد التحقيق والمتابعة بانتظار النتائج، على أن يتم متابعة الأمر في الفترة القادمة لمعرفة آخر المستجدات التي تم التوصل إليها والتحركات المقبلة في هذا الشأن.