نقاط على الحروف

كأنّ بيروت لم تكتفِ بجراحها، حتى يطلّ علينا الوفد الأميركي بخطاب لا يقلّ فجاجة عن صواريخ العدو.
وفدٌ دخل العاصمة متدثّرًا بعباءة "الوساطة"، لكنه لم يحمل سوى رسائل تهديد صريحة وانحياز فجّ لـــ"إسرائيل"، وبشيء من الغطرسة التي تليق بإمبراطورية ما تزال تعتقد أنّ العالم مجرد ساحة نفوذ لمصالحها.
اللافت لم يكن مضمون الموقف الأميركي فحسب، إنما الأسلوب المتعالي الذي تعامل بها الوفد مع الصحافيين اللبنانيين: إجابات مقتضبة، ابتسامات باردة، ونبرة تستبطن احتقارًا مضمرًا للبنان ولحقّ إعلامه في السؤال والمساءلة. مشهدٌ بدا أقرب إلى استعراض سلطوي صغير، لا إلى لقاء دبلوماسي يُفترض أن يحترم بلدًا يستضيفه.
إذ أيُّ وساطة هذه التي لا ترى سوى "أمن إسرائيل" وتغضّ النظر إلى المستشفيات المدمّرة والجثث تحت الركام؟ .. وأيُّ حيادٍ ذاك الذي يوزّع نصائح على اللبنانيين بينما يسوّغ جرائم الاحتلال؟
لقد بدا الوفد الأميركي أقرب إلى نسخة سياسية من الطائرات المسيّرة: أداة لتنفيذ أجندة واحدة، واضحة ومكشوفة.
لكن ما يغفل عنه هؤلاء أنّ لبنان، بأزماته وهشاشته كلها، ليس مستعمرة ولا الصحافة فيه مكتب علاقات عامة لوزارة الخارجية الأميركية. هذه البلاد، والتي خبرت طعم الدم والرماد، ما تزال تمتلك ما لا يُفهم في واشنطن: ذاكرة مقاومة لا تمحى، وصوتًا لا يُذلّ.
الزيارة الأميركية جاءت بوجهها الحقيقي: تهديد وابتزاز، ورسالة واضحة في أن بيروت ليست سوى ساحة اختبار لإرادة "إسرائيل"... الرسالة وصلت، نعم، لكنها وصلت أيضًا مشفوعة برفض شعبي عارم، وسخرية مريرة من "وسطاء" لا يخفون عداءهم.
خلاصة المشهد: خرج الوفد الأميركي من قصر بعبدا محمّلًا بجبروت أجوف، لكنّه ترك خلفه صورة واحدة لا تُمحى:
صحافة أُهينت، شعب ازداد غضبًا، وواشنطن ما تزال تتوهم أن لغة التهديد تكفي لإسكات بلدٍ، لم يعرف إلّا الصمود.