اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي إبراهيم الموسوي: التعاقد مع ستارلينك "تهريبة"

مقالات مختارة

مغارة الكازينو: أرباح بملايين الدولارات وتبييض أموال
مقالات مختارة

مغارة الكازينو: أرباح بملايين الدولارات وتبييض أموال

69

ندى أيوب - صحيفة الأخبار

بانتظار ما ستقرّره الهيئة الاتهامية في جبل لبنان بشأن ملف القمار الإلكتروني في كازينو لبنان، يبرز القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق طارق بو نصّار كنقطة مفصلية في مسار هذا الملف، المفتوح قضائياً منذ شهرين، والمطروح كقضية رأي عام منذ نحو ثلاث سنوات. في ما يأتي محاولة لشرح حيثيات القرار الظني: الأسس التي استند إليها بو نصّار في توجيه اتهاماته، حدود مسؤولية كل طرف، من أهمل ومن ارتكب، أين أخطأت الدولة، كيف يمكن أن تتم عمليات تبييض الأموال، إضافة إلى تقدير حجم هذا القطاع

في 20 أيار 2025، قدّم عدد من موظفي كازينو لبنان إخباراً إلى النيابة العامة المالية حول «مشكلات قانونية وتشغيلية متفاقمة للقمار الإلكتروني، تؤثّر على المالية العامة للدولة وعلى مداخيل الكازينو». عقب الإخبار، كان لافتاً التحرك السريع للنائب العام المالي بالإنابة، القاضية دورا الخازن، التي أعطت توجيهاتها بمباشرة التحقيقات بعد سبعة أيام فقط على تقديمه.

وبناءً على إشارتها، تحرّكت المديرية العامة لأمن الدولة للكشف على صالات القمار وتوثيق المخالفات وضبط الخوادم، وختمت بالشمع الأحمر صالات تبيّن من خلال إفادات أصحابها، أنّ عدداً كبيراً منها أنشئ بعدما بدأ كازينو لبنان، عبر شركة «OSS» الملتزمة تشغيل ألعاب الميسر الإلكتروني فيه، بالتعاقد مع وكلاء (Agents) لاستقطاب الزبائن مقابل نسبة من خسائر الزبون. وعندما استفسر هؤلاء الوكلاء من «OSS» عن آلية التعاقد، كان داني عبود، المسؤول عن ملف الوكلاء في الشركة، يسهّل لهم الاستحصال على رخص «سباق خيل» تتيح لحاملها فتح صالة وتزويدها بشاشات تخصص لسبق الخيل حصراً.

غير أن الوكلاء، وباعترافهم، استغلوّا التعاقد مع «OSS»، والذي يُفترض أن يقتصر دورهم فيه على تأمين زبائن لصالح الكازينو عبر منصة Betarabia، لفتح صالات قمار خارج إطار القانون الذي يحصر هذه الصالات داخل كازينو لبنان. وقد حاول بعض هؤلاء الدفاع عن أنفسهم بالادّعاء بأنهم اعتبروا أن عقودهم مع «OSS» بمثابة رخصة تجيز لهم ممارسة هذا النشاط. غير أنّ قاضي التحقيق طارق بو نصّار اعتبر أنّه، مهما بلغ الجهل القانوني، لا يمكن لأحد أن يصدق أن شركة خاصة يمكنها منح رخصة لفتح صالة قمار. «التذاكي» نفسه لجأ إليه عبود خلال التحقيقات مدّعياً أنّه لم يكن يعلم بأن استخدام الصالات والشاشات في تشغيل القمار مخالف للقانون.

أرباح بملايين الدولارات

شكّلت الأرباح الضخمة التي جناها الوكلاء نقطة محورية في القرار الظني. فبموجب العقد الموقّع مع «OSS»، يحصل الـ Area Agent على 40% من مجموع خسائر الزبائن الذين يلعبون عبره لصالح الكازينو، فيما توزَّع النسبة المتبقية (60%) بين الكازينو والدولة والشركة المشغّلة. ويتبع للـ Area Agent وكلاء أيضاً يُسمّون Super Agents يحصلون على نسب تفوق 30% من إيرادات اللعب. كذلك يتبع لهؤلاء Agents عاديون يحصلون على 15%.

أحد الـ Area Agents، أفاد بأن أرباحه خلال عام 2024 بلغت نحو مليون دولار لم يصرّح عنها لضريبة الدخل، وأنه يتبع له 60 Super Agents وأكثر من مئة Agent. علماً أن مدير «OSS» جاد غاريوس قدّر في إفادته حجم أعمال القمار «أونلاين» بـ250 مليون دولار سنوياً. كذلك أفاد أصحاب صالات آخرون أن أرباحهم الشهرية تراوح بين 63 ألف دولار و80 ألفاً شهرياً.

وتبيّن من التحقيقات أن 78.28% من زبائن كازينو لبنان هم زبائن غير مباشرين، أي يلعبون على منصة Betarabia عبر الوكلاء (Agents)، فيما لا تتجاوز نسبة الزبائن الذين يلعبون مباشرة على المنصة 21.72%. وتكمن الإشكالية في أنّ أرباح اللعب غير المباشر (الذي يشكّل 78% من النشاط) يذهب 40% منها إلى الوكلاء.

وبحسب مدير الكازينو رولان خوري، يجري تقاسم الأرباح على الشكل الآتي:
- في اللعب غير المباشر: 15% إلى 17% لشركة Tg Lab (مزود البرامج والمحتوى الذي يتابع المنصة ويطوّرها)، و5% لـ»OSS»، و19% للدولة، 19% للكازينو، و41% للعملاء.
- في اللعب المباشر عبر الكازينو: 40% للكازينو، 40% للدولة، 15% لـTg Lab، و5% لـ»OSS».

تبييض الأموال

في ما يتعلق بتبييض الأموال، أورد نصّار في قراره الظني أنّ غاريوس وعبود و»OSS» وبعض أصحاب الصالات تداولوا بمبالغ ضخمة من العملة الرقمية USDT من دون أي ضوابط، مستخدمين محافظ غير مركزية تتيح بقاء المستخدم مجهول الهوية، فضلاً عن أدوات تقنية لتشويش مصدر الأموال. ووفق التحقيقات، كان الزبائن يحوّلون أموالهم إلى حساباتهم على Betarabia بالعملة الرقمية، ثم تُصرف لهم الأرباح أو الأرصدة بالدولار النقدي، لا بالعملات الرقمية، عبر تحويلات مالية بواسطة مراكز OMT وWish أو عبر حسابات مصرفية، إذ بلغت قيمة هذه العمليات عشرات ملايين الدولارات المحوَّلة من USDT إلى الدولار.

وبناءً على ذلك، ادّعى بو نصّار عليهم استناداً إلى المادة (3) من قانون مكافحة تبييض الأموال، التي تُجرّم تحقيق أرباح مالية ناتجة من عمليات تبييض. في المقابل، لم يشمل الادعاء رولان خوري بهذه المادة، إذ اعتبر بو نصّار أنّ الكازينو لا يتعامل بالعملات الرقمية، وأن زبائنه المباشرين على Betarabia يُسدّدون أموالهم إمّا نقداً في الكازينو، أو عبر بطاقات الائتمان على حساباته الرسمية.

كذلك صنّف بو نصار أفعال أصحاب الصالات في خانة التهرب الضريبي عبر الامتناع عن تنظيم البيانات المالية وعدم إظهار الحجم الحقيقي لعمليات اللعب، ما أدى إلى هدر المال العام. وثبت للقاضي، باعتراف بعض المدعى عليهم، أنّ أصحاب الصالات كانوا يتيحون للزبائن اللعب عبر حسابات مفتوحة داخل الصالة نفسها، بدلاً من حسابات شخصية خاصة بكل زبون. وهذا الإجراء يعني عملياً عدم إلزام الزبائن بإبراز هوياتهم، في مخالفة صريحة لمعايير التحقق من الهوية (KYC – Know Your Customer) المعتمدة في الأنظمة المالية والرقابية. مع العلم أنّ إدارة كازينو لبنان كانت قد التزمت بتطبيق هذه المعايير عند إطلاق القمار الإلكتروني.

غير أنّ هذه القواعد لم تُطبّق سوى على الزبائن المباشرين للكازينو عبر Betarabia، فيما بقي زبائن المنصة الذين يلعبون عبر الوكلاء خارج أي رقابة. هنا اعتبر بو نصّار أنّ خوري قصّر في اتخاذ ما يلزم لمنع عمليات تبييض الأموال، وهو تقصير أتاح للصالات تمرير ألعاب لزبائن مجهولي الهوية. وبناءً على ذلك، ادعى على أصحاب الصالات وعلى خوري استناداً إلى المادة (5/13) من قانون مكافحة تبييض الأموال، المتعلقة بالتحقق من هويات الأشخاص.

وخلص القرار الظني إلى أنّ المعطيات لم تثبت مشاركة خوري في جرم اختلاس الأموال أو الإثراء غير المشروع، غير أنّه ارتكب خطأ فادحاً أدى إلى هدر المال العام، مشيراً إلى أن أفعال المعنيين في شركة «OSS» كشفت عن تخطيط مسبق لحصد الجزء الأكبر من مردود القمار الإلكتروني، مع نية واضحة لهدر المال العام، وتجلّى ذلك في نسب الأرباح غير المنطقية التي مُنحت للوكلاء (40%) ولشركة «OSS»، وفي السماح بفتح صالات لعب غير مرخّصة، وما تفرّع عنها من تهرب ضريبي وعمليات تبييض أموال.

واعتبر أن المستفيدين على حساب الخزينة العامة استغلوا إهمال خوري في نقاط أساسية عدة: تلزيم «OSS» من دون وضع سقف واضح للكلفة التشغيلية، عدم مراقبة آلية العمل وحجم الأعمال والكلفة، الفشل في السيطرة على نشاط تقديم الخدمة، إذ تبيّن أنّ الخادم (Server) لدى الكازينو لا يحتوي على كامل البيانات وأن الألعاب تبقى فاعلة بمعزل عن تشغيله، إضافة إلى تجاهله تنفيذ قرار وزارة المالية القاضي بوقف العمل مع «OSS». ومن هنا، جاء الادعاء عليه بجريمة التسبّب في هدر المال العام.

وفي ما يتعلّق بتوزيع النسب، استند القاضي إلى الاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات بتاريخ 31/10/2019، رداً على استفسار وزارة المالية، والتي أخذت في الحسبان تقدير خوري حينها بأن لا تتجاوز الكلفة التشغيلية 33%. واشترطت الهيئة تعديل العقد لتحديد النسب بما يضمن حصة الكازينو. ولفت بو نصّار في قراره إلى أنّ النسب لم تُحدد في العقد الأساسي، وتجاوزت لاحقاً الـ33% بكثير، ما جعل حصة الدولة والكازينو الأدنى. ويورد القرار مستندات تفيد بأن الكلفة التشغيلية بلغت 60% أحياناً، وفي أحد الأشهر وصلت حتى إلى 70%.

وفيما دافع خوري عن نفسه بأن لا علاقة له بالصالات وأصحابها، والكازينو لا يتدخل في إدارة حسابات الـAgents، فالصلاحية مُعطاة بالكامل لشركة «OSS»، اعتبر القاضي أنّ هذه الصلاحيات الواسعة جداً منحت الشركة القدرة على تقليص حصة الدولة والكازينو بشكل كبير.

أين سركيس سركيس؟

يملك رجل الأعمال هشام عيتاني شركة Intersaktion، التي تمتلك بدورها شركة Game Cooks، المالكة الحصرية لشركة Tg Lab. غير أنّ هذه الحصرية أُسقطت لاحقاً لتتمكّن Tg Lab من التعاون مع شركة «OSS»، مقابل دخول Intersaktion مناصفةً في الاستثمار مع «OSS». علماً أن عيتاني باع حصة Intersaktion في «OSS» إلى شركة قبرصية يملكها رجل الأعمال سركيس سركيس مقابل ستة ملايين دولار. وهنا يطرح سؤال جوهري: لماذا لم يُستدعَ سركيس إلى التحقيق؟

«تخبيص» الدولة

في القرار الظني، جاء اعتراف ضمني بتقصير الدولة في وضع تشريع حديث ينظّم القمار الإلكتروني، مع تلميح إلى أنّ بعض الأخطاء قد تكون ناتجة من عقود صادرة عن الدولة نفسها، من دون أن يعني ذلك أن الخطأ يُقابل بالخطأ بالنسبة إلى القاضي.

لكن ما لم يُشر إليه التحقيق أو القرار الظني صراحةً هو «تخبيص» الدولة في إدارة القطاع. فقد منحت الدولة كازينو لبنان في عام 2008 صلاحية تشغيل الميسر «أونلاين»، بغضّ النظر عن قانونية ذلك، ثم أعادت هذه الصلاحية لاحقاً إلى مديرية اليانصيب في وزارة المالية بموجب مرسوم حكومي عام 2012. ومع حلول عام 2014، طالبت الدولة الكازينو مراراً وتشديداً، عبر كتب رسمية، بضرورة تشغيل القمار الإلكتروني، لتتفق في النهاية معه على العمل عبر شركة مشغلة، والاستعانة بوكلاء (Agents) لاستقطاب الزبائن، من دون تحديد النسبة الواجب دفعها لهم.

الكلمات المفتاحية
مشاركة