نقاط على الحروف

في تشرين الثاني من العام الماضي، وضعت الحرب العدوانية "الإسرائيلية" أوزارها، وأُبرمت اتفاقية وقف إطلاق النار. بعد يوم واحد فقط، بدأت الخروقات "الإسرائيلية" لهذا الاتفاق وصولاً إلى يومنا هذا، مع توسيع العدو "الإسرائيلي" لاعتداءاته جنوباً وبقاعاً، وارتفاع أعداد الشهداء والجرحى. وعلى الرغم من كل هذه المشهدية الدموية الواضحة التي تمسّ السيادة الوطنية، وتظهر تفلّت الوحش "الإسرائيلي"، فإن موجات إعلامية وسياسية معادية بدأت تتظهَّر وتتقاطع في جوهرها مع الخطاب "الإسرائيلي"، عبر المطالبة بنزع سلاح المقاومة. مطلب استغل نتائج الحرب العدوانية "الإسرائيلية" المدّمرة، وراح ينشر سردية مؤدَّاها أن المقاومة من جرَّت كل هذا الخراب على لبنان. هكذا، تقدم هذا الملف على ما سواه من ملفات في لبنان، وارتفعت اللهجة اكثر فأكثر، مرفقةً بحملات إعلامية تشيطن المقاومة وتحرّض عليها، وصولاً إلى مجيئ المبعوثَين الأميركيين وبدء إصدار الإملاءات الأميركية، وليس انتهاءً بصدور القرار الحكومي الشهير بـ"حصر السلاح على الأراضي اللبنانية كافة". ترافقت كل هذه الضغوط مع حملات تهويلية إعلامية عربية، وغربية ومحلية، استخدمت فيها عصا التهديد بالحرب على لبنان، إن لم يُسلَّم السلاح، إلى جانب التهديد بالحصار الاقتصادي وبقطع الأموال عن لبنان. تهديدات بعضها حدد توقيت هذه الحرب، والغالبية صبت في خانة التخمين بأن الحرب ستقع في أيلول الجاري، كجزء من الحرب النفسية لربطها بالحرب السابقة التي شنّت في أيلول أيضاً. لكن كل هذه الحملات التهويلية تبيَّن في المحصلة، أنها تقع فقط ضمن دائرة الضغوط والحرب النفسية وخدمة العدو لا أكثر ولا أقل.
التهديد بالمهل والأسابيع :
يمكن القول، إن شهر أيار شكل باكورة هذه الحملات الإعلامية التهويلية التي سعت الى إحداث بلبلة في البلاد، وإخافة اللبنانيين، وتصوير سلاح المقاومة كأنه معضلة المعضلات. مهل وأسابيع نشرت في الإعلام مدعَّمة بتهديدات "إسرائيلية" باحتمال نشوب حرب واسعة على لبنان. نعود هنا، إلى مقالة نشرتها قناة mtv، نقلاً عن "الأنباء" الكويتية، تحت عنوان :"تهديد إسرائيلي للبنان: مهلة 6 أسابيع لنزع السلاح..وإلَّا". طبعاً، لهجة تهديدية مرتفعة تضمنَّها المقال، لجهة تهديد لبنان بالحرب مقابل الامتثال للإملاءات "الإسرائيلية". وقتها كان التركيز على منطقة "شمال الليطاني" وإعطاء لبنان مهلة 6 أسابيع لنزع السلاح من هذه المنطقة!
ورد وقتها في المقال تهديد واضح بعودة الحرب، في حال لم يصار الى الالتزام بهذه المهلة "تحت طائلة شن ضربات عسكرية على أهداف مختلفة تعود إلى حزب الله".
العدوان على الضاحية : محطة تصعيد إعلامي جديدة:
تصاعدت شيئاً فشيئاً هذه الحملات، لتجد طريقها بُعيد شن العدو "الإسرائيلي" عدواناً على الضاحية في حزيران الماضي. عدوان غير مسبوق على مناطق سكنية تعرّضت للتهديد وللقصف. قطف الإعلام المعادي هذه اللحظة، وزاد وقتها منسوب التهويل بالحرب. يمكن العودة هنا، إلى قناة mtv التي بثت في ذاك الوقت تقريراً بعنوان :"تهديدات إسرائيلية بأيام ساخنة في لبنان". تقرير يدعي أن هناك "مؤشرات غير مطمئنة في الأسابيع المقبلة أرسلها الإسرائيلي". ورد في التقرير كلام عن "استعصاء" الفصل بين الأجندة الخارجية التي تطالب بسحب السلاح وبين الداخل اللبناني الذي يطالب بانسحاب العدو من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف عدوانه. والنتيجة كما يخرج بها التقرير :"مجزرة جديدة وقودها الدماء الشيعية"!. واستند هنا، إلى ما حصل في الحرب الأخيرة ممَّا أسماه بـ "البروفا" إن كان في الضاحية أو في الجنوب! والتهويل بالأعظم!
التهديد بالحصار الاقتصادي :
ومع مجيء المبعوثِين الأميركيين إلى بيروت، وزياراتهم المكوكية، وتداول ما سمي بـ "الورقة الأميركية" التي حملها توم براك، كرّرت لهجة التهديد والتلويح بالحرب في حال لم تطبق هذه الورقة التي تحمل بالطبع شروطاً "إسرائيلية"، وزادت عليها زيارة السيناتور الأميركي ليندسي غراهام إلى بيروت، ومن ثمة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتهديده باستخدام ما وصفها بـ "الخطة ب"؛ أي نزع سلاح المقاومة بالقوة العسكرية. تصعيد في الخطاب الأميركي حيال سلاح المقاومة تلاقى مع تصعيد إعلامي محلي. يمكن هنا، الاستناد إلى ما جاء في صحيفة "النهار" في شهر تموز الماضي. فتحت عنوان :"لبنان يستعيد التهديد الأميركي: نزع السلاح أو الحرب"، ادعت الصحيفة أن "حزب الله" يستخف بالوقت وبحجم التهديدات الأميركية و"الإسرائيلية". هنا، أدخل عنصر الضغط الاقتصادي على لبنان إلى جانب التهويل بالحرب. فقد أوردت الصحيفة أن واشتطن تلوّح بمنع أي دعم مالي للبنان ولمشروع إعادة الإعمار ولأي برنامج محتمل مع "صندوق النقد". تهديد تزامن مع "تهويل إسرائيلي بتوسيع الاعتداءات لتنفيذ قرار نزع السلاح بالقوة". التهديد بالحصار الاقتصادي، حضر أيضاً عربياً، يمكن العودة هنا، إلى شبكة "سكاي نيوز" الإماراتية التي عنونت قبل شهر تقريباً :"من الطائف إلى بعبدا: لبنان يختبر أصعب معادلاته السلاح أم السيادة؟". لوّحت في تغطية إخبارية لها بأنه سيصار إلى "جولات جديدة من المواجهة قادمة إلى لبنان" في حال "لم يتم حصر السلاح وفق التوصيات الدولية والغربية". قالت الشبكة إن "لاءات حزب الله سيقابلها لاءات تتعلق بالتعافي الاقتصادي وبإعادة الإعمار والاستثمارات".
الحكومة أذعنت بـ "حصر السلاح" لكن التهديد مستمر:
شكل قرار الحكومة اللبنانية الشهير بـ "حصرية السلاح على الأراضي اللبنانية كافة"، والإيعاز إلى الجيش بإعداد خطة لتنفيذ هذه المهمة، محطة مفصلية وشديدة الحساسية، اقترنت وقتها بضغوط ديبلوماسية وإعلامية غربية ومحلية وحتى عربية، للمضي قدماً بهذه الخطة. ومع تجاوب الحكومة، والثناء الأميركي على قراراتها، فإن هذه الحملات الإعلامية المعادية للمقاومة بقيت تتصاعد وتهدد بالعدوان العسكري على لبنان، في حال لم تطبق هذه الخطة أو "تلكأت" الحكومة في التنفيذ. فقد انتشر في الأيام الماضية، وكررته بعض المنصات المحلية خاصة الإلكترونية منها، مقال لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية التي نقلت تهديدات أميركية في حال لم يسحب السلاح، بوقف تدفق الأموال الخليجية ووقف تمويل الجيش، إلى جانب التهديد بوقف الدعم الأميركي للبنان، ولم يخلُ طبعاً من التهديد بتوجيه ضربة عسكرية إلى لبنان، أو ما وصفها بـ "الحملة العسكرية الكبرى" في حال بقي ما أسمته الصحيفة بـ"التلكؤ الرسمي" .