نقاط على الحروف
كاتب فلسطيني من غزة
حاصل على شهادتي بكالوريوس علوم قانونية وإدارية
ودورة في القانون الدولي
رغبةٌ جامحةٌ في الانتقام، رغبةٌ جامحةٌ في استعادة السردية، رغبةٌ جامحة في نازيةٍ جديدة. ما يلي ليس تحقيقًا جنائيًا، وليس تبنيًا لرأي أو وجهة نظر، إنّما شذرات لفهم البيئة التي خلقتها الإبادة الجماعية، التي مارستها "إسرائيل" ولا تزال تمعن في ذلك.
في العالم العربي هناك حالة من الشعور بالإهانة والذل، وذلك على إثر الإبادة الجماعية التي مارستها "إسرائيل" في غزّة، وكذلك العدوان المستمر، على لبنان وسورية وغزّة، والمصحوب بالصلف الصهيوني، مع تكريس حالة الإفلات من العقاب، التي توفرها المظلة الأميركية، مترافقة مع تواطؤ عربي رسمي.
هذه المشاعر تختمر في الصدور، رغم حالة الصمت والهدوء في شوارع العواصم العربية، وهي تساوِر كلّ عربيٍّ أو مسلم أينما تواجد، خصوصًا حين يستحضر كلّ مخزونه الحضاري عن تاريخه العزيز، ولا يمكن توقع لحظة الانفجار أو أسبابه الآنيّة، وكذلك لا يمكن توقع كيفية هذا الانفجار فرديًا أم جماعيًا، لأنّ الأمم العريقة، حين تصبح الإهانة جماعية ومترسخة في وعيها الجمعي، لا يمكن أن تظل بلا ارتدادات.
في مقابل هذه الحالة من الرغبة الجامحة في الانتقام، هناك رغبة "إسرائيلية" أكثر جموحًا في استعادة السردية الصهيونية، وإعادة العالم للعيش في ظل مقصلة ما يسمى "معاداة السامية"، حيث إنّ الوقائع والأحداث أثبتت أنّ العالم تحرر من هاجس تلك المقصلة، والكيان بكلّ ما أوتي من عدمية أخلاقية، يحاول إعادة كلّ تلك الشعوب إلى ظلّ تلك المقصلة.
والكيان بعدميته الأخلاقية، وتاريخه الملطخ بالعار، لا يمكن استبعاده عن مسرح الحادث في سيدني، ونستذكر هنا فضيحة "لافون" عام 1954 في مصر، حيث كانت عملية تستهدف تنفيذ تفجيرات في مصر، واستهداف مصالح أميركية وبريطانية، وتحميل حكومة الثورة المسؤولية، وكان من ضمن أسباب تلك الخطة، برودة الرئيس الأميركي حينها إيزنهاور في التعامل مع "إسرائيل"، مجرد برود وليس كحال اليوم، حيث ما يشبه النقمة العالمية على الكيان.
وبعد انكشاف الفضيحة واعتقال الخلية "الإسرائيلية"، عرضت مصر على "إسرائيل" بعد العدوان الثلاثي، عملية تبادل يكون أفراد تلك الخلية من ضمنها، لكنّها رفضت، خشية تأكيد علاقتها بتلك العمليات الإرهابية، وقد أعدمت مصر بعضهم، وتم الإفراج عمّن تبقى منهم في عملية تبادل عام 1968.
كذلك ما أورده المفكر "الإسرائيلي" آفي شلايم، في كتابه عن امتلاكه لأدلةٍ لا يمكن إنكارها، عن ارتكاب "إسرائيل" لتفجيراتٍ وعملياتٍ في العراق، ضدّ اليهود العراقيين، وضد معابدهم وكُنُسهم، وكانت تهدف لدفعهم للهجرة إلى الكيان، ودائمًا سهام الاتهام كانت أبعد ما يكون عن الكيان.
حتّى عملية اغتيال الناشط الأميركي تشارلي كيرك، الذي كان يهتف لـ"إسرائيل" أينما حلّ وارتحل، تم توجيه أصابع الاتهام لـ"إسرائيل"، لدرجةٍ استدعت أن يعلق نتنياهو بالنفي، حيث إنّ كيرك في الفترة الأخيرة قبل اغتياله، بدأ يوجه انتقادات لاذعة للسلوكيات "الإسرائيلية".
كذلك حين كنا نتحدث في بدايات الطوفان عن العودة للـ"غيتو"، فهؤلاء لو تم طردهم من فلسطين وهم في حالة مظلومية، قد يتم استقبالهم بالترحاب والتعاطف، ولكن إساءة الوجه تتطلب أن يعودوا كما كانوا زمن الـ"غيتو" محتقرين مستقذرين، وهنا مرتعٌ خصب للنازيين الجدد، الذين بدأت تغصّ بهم الشوارع والأفكار الأوروبية.
قامت "إسرائيل" بتحذير أستراليا عدة مرات عن معلوماتٍ لديها بوجود تهديد لتنفيذ عمليات تستهدف اليهود في أستراليا، وهذا التحذير بحدّ ذاته مثار شك عن مصدر تلك المعلومات، وهذا لا يقل ريبةً عن مشاركة "الموساد" في التحقيق الأسترالي الجاري، حيث "الموساد" ضليعٌ في فبركة الأدلة وتحريف المعلومات وحرف التحقيقات.
وختامًا، ليست هذه العملية في سيدني الأولى، ولن تكون الأخيرة، في بيئةٍ عالمية يختلط فيها العام بالخاص، والقومي بالإسلامي، والنازي بالإنساني، وفيها "إسرائيل" آخر تجليات الغرب الاستعماري على المستوى الحكومي، مع رفض أخلاقي على المستوى الأكاديمي، وعلى مستوى الرأي العام، تزداد صلفًا وعنجهية، وتزداد تبجحًا بإفلاتها المتواصل من العقاب، وستتبجح أكثر بمحاولة إعادة الكوكب إلى ظل مقصلة "معاداة السامية"، الذي تنفس الصعداء على مدار عامين تحررًا منها.