نقاط على الحروف
لم يكن الوصول للمعلومات بالسهولة التي يعتقدها البعض، فالبحث عن دعاة الفيدرالية في لبنان متعب لأنهم أقليّة مُعلنة، مع عمل تستري خلف العديد من الجمعيّات والأدبيّات والكتب المدرسيّة والسياسات الرسميّة غير المُعلنة.
ما بين الفيدراليّة واللامركزيّة
ثمة أسئلة تُطرح: ما هي شروط تطبيق الفيدراليّة، وهل تصلح مساحة لبنان الصغيرة لاعتماد الفيدراليّة كحلّ لمشاكله السياسيّة؟ وهل يمكن للفيدراليّة أن تعيش وسط أنظمة في محيط ملكي، وجنب عدو على الحدود بنظامه القائم على العصبوية الدينيّة للفكرة التحيّزية الطردية للآخر؟
متى وُلدت؟
وُلدت فكرة الفيدراليّة كردّ من "لجنة البحوث اللبنانيّة" في العام 1975 في جامعة الروح القدس - الكسليك. وارتبط طرح "الفيدراليّة" خلال الحرب الأهليّة بالفريق المسيحي الذي نادى بها ردًا على المطالب التي تقدّمت بها القوى الوطنيّة خلال الحرب الأهليّة في منطقة بيروت الغربية والجبل والتي كانت تشمل الشيعة والسنة والدروز. فأنشأت الأحزاب المسيحيّة كيانها الخاص، فتوحّد تحت قيادة "القوات اللبنانية" كلّ من "القوات" و"الكتائب" و"الأحرار" وبقية الأحزاب المسيحيّة (الانعزالية) كنواة حكم وإدارة خاصة داخل المنطقة الشرقية حيث انعزلت عن باقي المناطق في لبنان، وبرز يومها حلم الدويلة في المنطقة الممتدة من جسر المدفون إلى كفرشيما، يوم قال سمير جعجع في الجامعة اليسوعية في آذار 1985: "لدينا بين المدفون وكفرشيما مقوّمات كافية لحلّ صحيح لكلّ الأزمة في لبنان".
شمعون الأب
كلام جعجع كان سبقه اقتراح الرئيس كميل شمعون في مؤتمر لوزان بسويسرا في العام 1983 مشروعًا مشتركًا تحت اسم "لبنان جمهورية اتحادية" لأن كلمة "فيدراليّة" كانت تثير الطرف الوطني. وطرح الفيدراليّة جاء "استجابة لميل المسيحيين إلى التغيير في بنية الدولة اللبنانيّة".
وكان مطلب اللامركزية بحده الأدنى مطلبًا مسيحيًّا في مؤتمر الطائف في العام 1990، يراوح بين المطالبة بانعزال الوطن كلّه وبين استقلالية محدودة للمناطق ذات الأكثرية المسيحيّة. وهذه الاستقلالية جاءت بغطاء اللامركزية تبعًا للظروف، وخاصة بعد الاحتلال "الإسرائيلي" وحرب الجبل. وفي عهد الرئيس ميشال عون تم تسليط الضوء مجدّدًا على التقاطع بين الفيدراليّة واللامركزيّة.
الدكتور عماد شمعون، هو رئيس المجلس الوطني الفيدرالي، وأستاذ محاضر في الجامعة اللبنانيّة بقسم الفلسفة. لديه كتابان مهمان الأول تحت عنوان (وتبقى الفيدراليّة هي الحل)، والثاني (دستور فيدرالي للبنان). يقول ردًا على سؤال لموقع "العهد" الإخباري حول مدى صلاحية ونجاح الفيدراليّة في لبنان: "نعم تصلح الفيدراليّة في لبنان، ومبررها أن لبنان بلد تعددي، ولا يمكن أن تحكم التعددية إلا بنظام لامركزي فيدرالي". ويرى الدكتور عماد شمعون أن "ميزة الفيدراليّة أنها تحمي الجميع ولا تسمح لأيّ فريق أن يلغي أيّ فريق آخر".
وعن جماعتها في لبنان؟
يشير عماد شمعون إلى أن "هناك عدة مجموعات تنادي وتطالب بتطبيق الفيدراليّة، ونحن إحدى هذه المجموعات". أما "أبرز الهيئات الناشطة من أجل الفيدراليّة فهي: فدراليون، والتجمّع الفيدرالي، واتحاديون، والمؤتمر الدائم للفيدراليّة". ويعبر شمعون في الوقت ذاته عن رفضه لطروحات "الترانسفير" التي تثار بين الحين والآخر والتي تستهدف أحد مكونات البلد. يقول الدكتور شمعون: بالنسبة لـ"الترانسفير أقول إن هذا كلام مرفوض، فلبنان لكلّ اللبنانيين، ونحن نرفض أيّ حلّ في لبنان على حساب أية طائفة من الطوائف اللبنانيّة".
الدكتورة هالة أبو حمدان
من جهة موازية، تؤكد الدكتورة هالة أبو حمدان، أستاذة القانون العام في الجامعة اللبنانية لموقع "العهد" أن "الفيدراليّة هي شكل من أشكال الدول المركّبة، يتخلى فيه عدد من الدول عن شخصيته الدوليّة لمصلحة دولة مركزيّة. وهذه الدولة المركزيّة هي التي تملك الشخصيّة الدوليّة لتختفي خلفها الدول المتحدة، ونكون أمام دولة واحدة على الصعيد الدولي".
انعزاليون
وتتابع هالة أبو حمدان: "تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجيّة والدفاع بالإضافة إلى الشؤون الماليّة كتحصيل الضرائب ووضع الموازنة الفيدراليّة. فالفيدراليّة تقوم على تكريس التعدديّة والتنوع، وهذا مصدر إثراء للدولة على مستويات عدة منها الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والإداريّة". و"الفيدراليّة في لبنان لا مصير لها سوى الحروب والتقسيم، وليست كما يزيّنها الدعاة إليها، عن حسن نيّة أو عن سوئها، أنها السبيل لتأمين ممارسة كلّ جماعة لثقافتها مع الحفاظ على وطن واحد أو كما يُفترض: أمة واحدة".
وتؤكد الدكتورة والباحثة هالة أبو حمدان أن "جماعة الفيدراليّة هم الانعزاليون والذين لا يمكنهم العيش مع الآخرين، ويريدون حكم لبنان بحسب مبادئهم هم، أو اللجوء للتقسيم. والفيدراليّة هي النوع الذي يؤدي إلى التقسيم، وهم يستبطنون التقسيم لكنّهم يطرحون في العلن الفيدراليّة".
تلفت الدكتورة هالة أبو حمدان إلى أن خلفية طرح "الترانسفير" من قبل الجماعات الانفصاليّة، هو أن جماعة التقسيم يرون أنه من المُربح لهم ذلك، فبدل خسارة جزء من جغرافيّة الوطن يرّحلون قسمًا من اللبنانيين الذين لا يتوافقون معهم، فهم إما يحكمون البلد على هواهم، أو يُقسّمونه. فبدل خسارة جزء من جغرافيّة هذا البلد يطرحون ترحيل قسم من اللبنانيّين الذين لا يستجيبون لطروحاتهم.
لبنان أم "لبنانات"
وتختم الدكتورة هالة أبو حمدان مؤكدة "أن الطرح الفيدرالي غير واقعي"، وتضيف إن "الانعزاليين يطرحون الترحيل لأنهم يعتبرون أنفسهم مَن أسّس دولة لبنان الكبير، وبالتالي لماذا عليهم أن يخسروا جزءًا من هذه الجغرافيّة، ومن هذا المنطلق يستبطنون الترحيل لبقية الفئات. علمًا أن هذا طرح غير واقعي أيضًا".