خاص العهد
بحضور حشد كبير من المواطنين، تحوّلت صخرة الروشة؛ المعلم الأشهر في العاصمة، إلى شاهدٍ ناطق على زمنٍ لا يموت. فعالية نظّمها حزب الله بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سيد شهداء الأمة؛ السيد حسن نصر الله (رض)، ورفيق دربه الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، جمعت بين الضوء والوفاء، بين الصورة والمعنى، بين الجغرافيا والالتزام، لتعلن مجددًا، أن المقاومة في لبنان ليست مرحلة، بل هوية.
مع حلول الظلام، بدأ العرض البصري الذي أضاء وجه الصخرة، لكنه أضاء أكثر من ذلك؛ أضاء وجدان الحاضرين، وأحيا ذاكرة الشهداء في قلب العاصمة.
صور الشهيدين القائدين العظيمين؛ السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين ارتفعت على الصخرة البحرية، لا كتحيّة عابرة، بل كتمثال ضوءٍ في مواجهة الأمواج والرياح والأعداء.
وحدة وطنية على صخرة واحدة
إلى جانب صورهما المنفردة، ظهرت صورٌ أخرى ذات دلالات عميقة؛ صورة جمعت السيد نصر الله مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأخرى إلى جانب الرئيس سعد الحريري ووالده الشهيد رفيق الحريري.
رسائل هذه الصور كانت واضحة كالنور المنبعث منها، بأن المقاومة ليست لونًا سياسيًا أو مذهبًا طائفيًا، بل نسيجًا وطنيًّا جامعًا، يتجاوز الانقسام، ويؤمن بأن السيادة لا تُشترى، وأن الشهداء هم نقطة الالتقاء لا الخلاف.
بيروت لا تحني رأسها
الفعالية شهدت مشاركة جماهيرية واسعة، طغى عليها الطابع الشعبي الوفي. والحشود التي تدفّقت من شتى المناطق، رفعت الأعلام اللبنانية ورايات المقاومة، وصور القادة الشهداء، ورددت هتافات العهد والوعد والثبات.
لم تقتصر المشاركة على المواطنين فقط، بل حضرت شخصيات سياسية، ونواب، وفاعليات اجتماعية، في مشهد يعكس تجذر ثقافة المقاومة في المجتمع اللبناني، بمختلف أطيافه ومكوناته.
في موازاة المشهد البري، كان المشهد البحري معبّرًا، حيث جابت عشرات المراكب مياه الروشة، ترفع رايات المقاومة، وتبث الأناشيد عبر مكبرات الصوت، في مشهد غاية في الرمزية.
بعض المشاركين صعدوا إلى أطراف الصخرة، ورفعوا عليها صور الشهيدين وراية حزب الله. كانت حركةً رمزية، لكنها نحتت في الوجدان ما تعجز عنه البيانات والخطب، أن لبنان لا يُختصر بالأسواق والمهرجانات، بل يُكتب بالشهداء، وتُرسم بدمهم حدود السيادة.
حين تتكلّم بيروت بلسان الشهداء
ليست هذه الفعالية مجرد مناسبة، بل محطة في مسيرة تاريخية طويلة من المواجهة، الرفض، والصمود. هي امتدادٌ طبيعيّ لمسار بدأ منذ عقود، وما يزال يُسجَّل بالدم والعرق والصبر. ففي هذه الليلة قالت بيروت للعالم، إن دماء الشهداء ليست حدثًا مضى، بل وعدًا نُقاتل به، ويقينًا لا تزعزعه عواصف المرحلة.