خاص العهد

في شوارع طهران النابضة بالحياة، حيث تمتزج أصوات الأذان مع همسات الذكريات البطولية، يتردّد اسم سيد شهداء الأمة؛ سماحة السيد حسن نصر الله والشهيد الهاشمي؛ سماحة السيد هاشم صفي الدين كنشيدَين لا ينتهيان.
في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده مع رفاقه يوم 27 أيلول/سبتمبر 2024، يتجمّع الإيرانيون من مختلف الأعمار والخلفيات ليجدّدوا العهد مع قائدٍ لم يكن مجرّد رمزٍ لبناني، بل كان صوت الأحرار والأمة الإسلامية بأسرها؛ ذلك اليوم الذي هزّت فيه غارة صهيونية غادرة بيروت، لم تنطفئ فيه شعلة المقاومة، بل أضاءت طريق النصر بدماء الشهداء، ومعه، لا ينسون رفيقه الشهيد السيد هاشم صفي الدين الذي ارتقى شهيدًا في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2024، ليكمل مسيرة الوفاء والجهاد.
ويؤكّد الإيرانيون، أنّ سيد شهداء الأمة كان أكثر من قائد سياسي، بل كان رجلًا حمل هموم الأمة على كتفيه، وزرع الأمل في قلوب الملايين.
ويرون أنّ سماحته، منذ أنْ تولّى قيادة حزب الله، قاد المقاومة الإسلامية إلى انتصاراتٍ غيّرت وجه التاريخ، من تحرير جنوب لبنان في عام 2000، إلى دعم المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة، كان صوته سيفًا يقطع ظلام الهزيمة، وكلماته شعلةً تضيء دروب الحرية، حينما قال في إحدى خطبه التاريخية: "إنّ زمن الهزائم قد ولى، وجاء زمن الانتصارات". وهكذا، أصبحت كلماته دستورًا للأحرار في كل مكان.
ويعتبر الايرانيون، أنّ الشهيد الهاشمي الكبير؛ السيد هاشم صفي الدين، كان الرجل الذي أكمل المعادلة، ببصمته القيادية وحكمته التنظيمية، أسهم في بناء حزب الله كقوة لا تُقهَر، واستشهاده بعد أسابيع من رحيل السيد نصر الله كان تأكيدًا على أنّ المقاومة ليست شخصًا، بل فكرةً لا تموت. ومعاً، شكّلا ثنائيًّا خالدًا، يذكّرنا بأنّ الشهادة هي طريق النصر، وأنّ دماء الشهداء هي وقود المستقبل.
ويستذكرون بيان قائد الثورة الإسلامية؛ الإمام السيد علي الخامنئي الذي أصدره بمناسبة إقامة مراسم تشييع ودفن الشهيدين؛ السيديّن نصر الله وصفي الدين، والذي قال فيه: "المجاهد الكبير، وزعيم المقاومة الرائد في المنطقة؛ سماحة السيد حسن نصر الله (أعلى الله مَقامَه)، قد بلغ الآن ذروة العِزّة. جثمانه الطاهر يُوارى في الثرى في أرض الجهاد في سبيل الله، ولكنّ روحه ونهجه سيتجلّى شموخهما أكثر فأكثر يومًا بعد يوم، إن شاء الله، ويُنيران درب السالكين. فليعلم العدوّ أن المقاومة في مواجهة الغصب والظلم والاستكبار باقية، ولن تتوقّف حتى بلوغ الغاية المنشودة، بإذن الله. وأمّا الاسم المبارك، والوجه النوراني لسماحة السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، فهو أيضًا نجمٌ لامعٌ في تاريخ هذه المنطقة، وقد كان ناصرًا صفيًّا، وجزءًا لا يتجزّأُ من قيادة المقاومة في لبنان".
أصوات الشبان الإيرانيين: وفاءٌ دائم
تتزيّن شوارع طهران بصور الشهيدَين، حيث أُقيمت مراسم مختلفة لإحياء الذكرى السنوية. ترفرف الرايات عاليًا، وقد ملأت صور الشهيدين السيد نصر الله والسيد صفي كل مكان. فأصوات الشبان الإيرانيين الذين نشؤوا على متابعة انتصارات المقاومة، يحملون اليوم راية العهد.
يقول محمد رضا (21 عامًا)، وهو طالب جامعي، إنّ "السيد حسن نصر الله كان قائدنا جميعًا. كنت أشاهد خطبه منذ طفولتي، وكنت أشعر أنّه يتحدّث إلى قلبي مباشرة. عندما استُشهد، شعرتُ بألمٍ عميق، لكنّني أدركتُ أنّ شهادته هي دعوة لنا لنكمل الطريق. نحن الشباب الإيراني، نعاهد السيد بأنّنا سنبقى على خطى المقاومة، من أجل فلسطين ومن أجل كل مظلوم في العالم. إنا على العهد يا سيدي!".
من جهتها، ترسم زهراء (19 عامًا) التي تعمل في مجال الفنون الجميلة، لوحةً للسيد نصر الله أمام جامعة إيرانية، وهو يبتسم تلك الابتسامة التي كانت تجمع بين الثقة والتواضع. تقول: "كل فرشاة أحركها هي تعبير عن حبي له. السيد علّمنا أنّ المقاومة ليست فقط بالسلاح، بل بالفن والكلمة والإيمان، كنت أرى في عينيه نورًا يشع على كل الأمة، واستشهاده ألهمني لأرسم أكثر، لأحكي قصته للأجيال المقبلة. هو لم يرحل، بل يعيش فينا".
بدورها، تقول فاطمة (28 عامًا)؛ الموظفة في إحدى البنوك: "كنتُ أستمع للسيد وأنا طفلة، وكنت أشعر أنّ كلامه يزرع فينا القوة، وكان يتحدّث عن فلسطين بطريقة تجعلك تشعر أنّها قضيتك الشخصية. عندما استُشهد بكيتُ لأيام، لكنّني اليوم أشعر أنّني أقوى بسببه، ونحن الشبّان الإيرانيون، سنحمل أمانته، وسندافع عن القضية التي ضحى من أجلها".
من ناحيته، يعتبر حسين (34 عامًا)، الموظف في شركة خاصة، أنّ "السيد حسن والسيد هاشم كانا رمزًا لوحدة الأمة". يضيف: "تعلمنا منهما كيف نقاوم الظلم، سواء كان من "داعش" أو من الكيان الصهيوني. والسيد نصر الله كان يتحدث عن فلسطين كما لو أنّها جزء من قلبه. وعندما استُشهد، شعرنا أنّنا فقدنا أخًا وأبًا، لكنّنا أقسمنا أنْ نكمل مسيرته، وسندافع عن القدس حتى النصر".
أما علي (26 عامًا)، الناشط الثقافي الجامعي، فيصف السيد هاشم بأنّه "كان مثالًا للإخلاص". يؤكّد أن "قليلين يعرفون حجم دوره في بناء حزب الله، لكنّه كان القلب النابض للمقاومة". ويضيف: "استشهاده مع السيد نصر الله يذكّرنا بأنّ التضحية هي طريق الأحرار. نحن في إيران نراهما معًا، كالشمس والقمر، ينيران دربنا نحو النصر".
"إنّا على العهد باقون"
تبقى كلمات السيد نصر الله صدىً يتردّد في قلوب الإيرانيين، الشبان منهم الذين نشؤوا على هذه الكلمات، يحملون اليوم مشعل المقاومة في شوارع طهران وميادينها ومدنها، يتعهّدون بأنْ يكونوا جيلًا يحقّق النصر الذي وعد به السيدان الشهيدان.
يؤكّدون أنّ الشهيدين؛ السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين لم يرحلا، بل يعيشان في كل شاب يرفع راية المقاومة، في كل لوحة تُرسَم، وفي كل خطوة تُخطَى نحو القدس الشرف وفلسطين.
وشعار الشبّان هو: "إنا على العهد، يا سيد المقاومة، وستبقى أنتَ الراية التي لا تسقط".