عين على العدو

قال الكاتب السياسي "الإسرائيلي" في صحيفة "هآرتس" جاكي حوري "إن الإعلان الدرامي عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة جاء بعد يومين من المفاوضات المكثّفة التي جرت في شرم الشيخ"، مشيرًا إلى أنه "حتى ساعات مساء أمس الأربعاء (8-10-2025)، أفادت مصادر مشاركة في المفاوضات بأنه لم يتم الاتفاق على أي شيء، وأوضح كبار المسؤولين الفلسطينيين المشاركين في المحادثات في الليل أن "كل القضايا لا تزال مطروحة على الطاولة"، وأنه من المبكر الحديث عن أي اتفاق نهائي.
وتابع: "لكن شيئًا ما تغيّر في الساعات التالية؛ وفقًا لتلك المصادر، مارست الوساطات ضغوطًا كبيرة جدًا على حركة حماس. وكان وراء هذا الضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دفع نحو توقيع الاتفاق، حتى لو لم تُحسم كل تفاصيله بعد، والنتيجة هي توقيع اتفاق مستعجل"، مردفًا: "بعيدًا عن الخطوط العامة لإعادة الأسرى "الإسرائيليين"، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، فإن القليل فقط واضح".
وأوضح حوري: "على سبيل المثال، لم يتم بعد الاتفاق على قائمة الأسرى الذين سيُفرج عنهم. ولا يزال غير واضح ما إذا كانت "إسرائيل" ستفرج عن أسرى كبار، أو عن آلاف الأسرى من بين نحو 11 ألفًا تحتجزهم حاليًا، بمن فيهم 250 أسيرًا يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد. وفي الوقت الحالي، يوجد 304 من هؤلاء في السجون "الإسرائيلية"".
وأردف: "بالإضافة إلى المرحلة الأولى من الاتفاق، والتي تشمل الإفراج عن الأسرى، ووقف إطلاق النار، وتدفق المساعدات، لا يوجد أي أفق واضح للمستقبل، ولم يتم الحديث عن تسوية سياسية، ولا عن آلية مراقبة دائمة، ولا عن مستقبل القطاع بعد ذلك، وقد يتحول تنفيذ المرحلة الأولى إلى المرحلة الأخيرة فقط، بينما يبقى كل شيء آخر غامضًا".
وقال: "على الرغم من أن الإعلان يبدو كبداية جديدة، إلا أنه من الممكن أن يكون مجرد توقف قصير داخل قصة أطول بكثير، نهايتها لا تزال بعيدة عن الظهور في الأفق، فالرئيس ترامب يعرض "الصفقة" على أنها اتفاق سلام، لكن في الواقع، لا يتحدث أحد عن سلام حقيقي، ولا عن حدود ولا عن سيادة، ولا عن حكم ولا عن أفق سياسي طويل المدى، والمناقشات حول مستقبل الضفة الغربية وربط أجزاء الوطن الفلسطيني، القطاع والضفة، تبدو بعيدة جدًا".
ولفت إلى أنه "من المتوقع أن يقدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاتفاق على أنه إنجاز سياسي. أما ردود الفعل في اليمين، بما في ذلك اليمين المتطرف، فهي في أفضل الحالات متوسطة. وفي بعض الحالات، يرحبون فقط بوقف القتال دون أي التزام سياسي واسع"، قائلًا: "يبدو أن سموتريتش، بن غفير وآخرون يفضلون اعتبار الاتفاق "تهدئة تكتيكية" وليس التزامًا استراتيجيًا، مما يمنحه شرعية صامتة عمليًا".
من منظور الفلسطينيين، المعنى واضح وبسيط: ترامب، عشية إعلان جائزة نوبل للسلام، أراد أن يظهر أنه جلب السلام، وفقًا لحوري، وقد تم تصوير تدخله الشخصي في وسائل الإعلام الأميركية كعنصر محوري، وتم التأكيد على رغبته في تقديم إنجاز سياسي فوري، حتى لو كان الاتفاق نفسه بعيدًا عن أن يكون مكتملًا. وفي واقع يعتمد فيه العالم على "نزوات" ترامب، يبقى الانتظار للإعلان عن الفوز غدًا. إذا فاز، فسيشكل ذلك ضمانًا للاتفاق. وإذا أصيب بخيبة أمل، فقد يثور بشكل مبالغ فيه، كطفل فقد لعبته.
أما في غزة نفسها، فهذه الأسئلة تبدو ثانوية، بالنسبة للكثيرين، بحسب حوري، وتمثل هذه اللحظة الأولى من التنفس بعد سنتين من الجحيم، فقد خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع المدمّرة وإلى الخيام، بعضهم باكيًا، وآخرون يتبادلون الأحضان، للاحتفال بوقف القصف. وقال أحد سكان المدينة: "توقف الموت الفوري، وهذا ما يهم". لكن خلف شعور الارتياح هذا تكمن هشاشة عميقة. الاختبار الحقيقي الآن يكمن في التنفيذ: كيف سيفرض الرئيس ترامب والمجتمع الدولي تفاصيل "الاتفاق"، من سيشرف عليها، وأي بنود خفية قد تظهر في الأيام المقبلة".