مقالات مختارة

"فرح العطاء": سخافة السلطة والأجهزة تُوقِف أضخم مشروع أهلي لإعادة الإعمار
قوى الأمن توقف مشروع إعادة إعمار شارع المأمون في بيروت، بسبب مخالفات بسيطة، مما يعوق عودة مئات العائلات التي هجرها العدوان "الإسرائيلي" عليه، قبل حلول الشتاء
ندى أيوب - صحيفة الأخبار
في بيروت الغارقة بالمخالفات والتعدّيات من شاطئها إلى مجلس بلديتها إلى كل حيّ ورصيفٍ فيها، لم تجد القوى الأمنية ما يستدعي التدخّل إلا في شارع المأمون في منطقة البسطا، لوقف مشروع إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
في الأيام الأخيرة لعدوان أيلول 2024، قصف العدو شارع المأمون في قلب العاصمة بيروت، مدّعياً استهداف أحد مسؤولي المقاومة.
لكنّ بنك أهداف العدو اتّضح أنه مدني بامتياز، حيث استشهد خمسون مدنياً وجُرح العشرات، ودُمّرت أربعة مبانٍ بشكلٍ كلي، وطاول الضرر 30 أخرى بشكلٍ جعلها غير قابلة للسكن. وبعد وقف إطلاق النار بحوالي الشهر، باشرت جمعية «فرح العطاء»، مشروعها لإعادة إعمار الشارع بأكمله، آخذةً على عاتقها تأمين عودة العائلات المُهجّرة بفعل العدوان.
منذ ثمانية أشهرٍ، تعمل الجمعية بشكلٍ يومي من دون توقّف حتى في أيام نهاية الأسبوع. وفيما كان من المُفترض، وفق رئيسها مارك طربيه، أن تُنهي أعمالها بعد شهرٍ ونصف شهر، فوجئت بطلب قوى الأمن الداخلي من بعض الموظفين في الجمعية الحضور إلى المخفر، والتوقيع على محاضر تعهّد بعدم إكمال الأعمال، بحجة أن بعضها مخالف للقوانين. ليتبيّن لاحقاً أنّ أربعة من مالكي الوحدات السكنية في أحد المباني المشمولة في المشروع ارتكبوا مخالفةً ضمن قسمٍ من وحداتهم السكنية، من قبيل إضافة «قرميد» أو تركيب واجهات زجاجية على الشرفات!
في جنوب لبنان، يعيق الاحتلال الإسرائيلي إعادة الإعمار وعودة الأهالي والحياة إلى البلدات الجنوبية، مستفيداً من تخلّي الدولة اللبنانية عن جميع أدوارها تجاه الجنوبيين، في مرحلة ما بعد الحرب كما في مرحلة ما قبلها. لكن في بيروت، لا عدوان إسرائيلياً يستهدف جرافات وآليات وورش إعمار، إنما سلطة وصاية وأجهزة باتت مُسخّرة لزيادة القهر قهراً في نفوس عائلات تعاني منذ عام، ما يستدعي أن يتوقّف هكذا عمل جبار - هو في الأصل من مسؤولية الدولة - لأسبابٍ سخيفة تشبه السلطة الحاكمة.
560 عائلة تستفيد من مشروع إعادة إعمار شارع المأمون
أمر وقف الأعمال، صدر قبل خمسة أيامٍ، وحتى الأمس، يقول طربيه، كانت القوى الأمنية «لا تزال تصرّ على أنّ أي شكلٍ من الأعمال ممنوع إتمامه، معترضةً على تركيب أحد عمال المشروع بياضاتٍ داخل إحدى الوحدات السكنية، معتبرة أن في ذلك عدم احترام لأمر وقف الأعمال!».
وفي حين دخلت الجمعية في سباقٍ مع الوقت لإتمام المشروع قبل بداية الشتاء، حيث سيحول تساقط الأمطار دون عودة عدد من العائلات إلى بيوتٍ غير مُنجزة، جاء تحرّك القوى الأمنية في «وقتٍ حساس وقاتل» يقول طربيه، متهكّماً على «حرص القوى الأمنية على منع أصغر مخالفةٍ على شرفات ونوافذ الناس الناجين من حربٍ مُدمّرة، بينما يعجز الجهاز نفسه عن الاقتراب من مخالفاتٍ فاقعة تجدها كيفما أشحت بنظرك في بيروت».
أهمية مشروع إعادة إعمار شارع المأمون، تكمن في كونه الوحيد على امتداد جميع المناطق التي شهدت اعتداءات إسرائيلية، الذي تضمّن إعادة إعمار مبانٍ سكنية سُوّيت أرضاً، إلى جانب الترميم.
وحتى عمليات الترميم لم تقتصر على جدارٍ أو نوافذ، بل شملت إعادة تدعيم أساسات مبانٍ كانت مُهدّدة بالسقوط. ومن هنا، يعتبر طربيه، أن الدولة «أوقفت مشروعاً كان يُفترض له أن يشكّل نموذجاً في الفترة القادمة، لما تضمّنه من إعادة هندسة للمنطقة، لجهة خلق مساحات للأطفال، وأخرى أمام المنازل، مع الحفاظ على الطابع التراثي لعددٍ من المباني الموجودة في الشارع».
560 عائلة طاولها ضرر العدوان "الإسرائيلي"، يستهدفها مشروع «فرح العطاء»، بعضها تمكّن من العودة بالفعل، والبعض الآخر كان على موعدٍ مع عودةٍ قريبة، قبل تجميد الدولة للأعمال. هؤلاء، علت صرختهم، ونفّذوا تحرّكاً في الشارع، وهم بصدد تحضير عريضة يطالبون فيها بالسماح باستكمال أعمال الترميم.