اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي عبر الذكاء الاصطناعي أميركا تسعى للسطوة التكنولوجية

مقالات مختارة

تقسيم الجنوب إلى 3 مناطق أمنية
مقالات مختارة

تقسيم الجنوب إلى 3 مناطق أمنية

52

طوني عيسى - صحيفة الجمهورية

ما يجري اليوم في الجنوب ليس مجرد ضربات "إسرائيلية" لأهداف في الجنوب ومناطق أخرى في الداخل اللبناني وسيطرة على نقاط حدودية معينة، بل هو سيناريو متكامل، يمهّد لإعادة ترسيم المناطق وفق معايير جغرافية ـ أمنية جديدة، من الحدود حتّى مجرى الليطاني بالتأكيد، وحتّى الأوّلي على الأرجح. فجنوب لبنان لن يبقى هو نفسه عندما سينتهي الغليان الحالي، وطبيعي أن يتغيّر معه لبنان كله.

العارفون يعبّرون هذه الأيام عن مخاوفهم من انزلاق لبنان إلى خسارة سيادته الفعلية على المناطق الواقعة في جنوب خط الليطاني، بحيث تبقى له هناك سيادة صوَرية تشبه سيادة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني على الضفّة الغربية. بل إن هذا الواقع قد يتدرّج ليتجاوز الليطاني ويصل إلى مجرى الأولي، أي يشمل صيدا، ولكن بمستوى أدنى من التحكّم.

يخشى العارفون أن تفاوض "إسرائيل" على ترتيبات أمنية مع لبنان، تنتهي بتقسيم الجنوب إلى 3 مناطق أمنية، وفقًا لمصالحها:

ـ المنطقة (أ) تمتد بضعة كيلومترات من الحدود، وتكون بمثابة منطقة عازلة، لا سكان فيها عمليًا ولا إعمار للقرى. ويطرح الأميركيون بناء "منطقة ترامب الاقتصادية" هناك. وهذه المنطقة لا يكون فيها حضور فعلي للسلطة اللبنانية، بل سيطرة كاملة للقوة المتعددة الجنسيات الأوروبية والأميركية الآتية بعد رحيل قوات "اليونيفيل" في غضون عام. وقبل يومين، مهّد كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط إدوارد الغرين لهذا الطرح، عارضًا نشر أبراج المراقبة البريطانية على حدود الجنوب كما هي منشورة على الحدود الشرقية مع سورية.

ـ المنطقة (ب) تمتد من حدود المنطقة العازلة إلى مجرى نهر الليطاني، وفيها يعود الأهالي إلى قراهم، لكن حدود السلطة اللبنانية هناك تبقى ضيّقة، لأن النفوذ الحقيقي يكون للقوة المتعددة الجنسيات.

ـ المنطقة (ج) تقع بين الليطاني ومجرى نهر الأولي، وفيها تمارس السلطة اللبنانية مقدارًا واسعًا من النفوذ والتحكّم. ولكن، على الأرجح، سيكون محظورًا وجود سلاح ثقيل فيها، أو تحليق مقاتلات من سلاح الجو اللبناني (إذا وُجد) فوقها.

هذه القراءة قد تكون صادمة للبعض، لكنّها كانت متداولة بقوة في أوساط عدد من الخبراء والعارفين منذ سنوات طويلة، وقد عاد تداولها بعد الحرب الأخيرة. فمسار التطورات الحالي قد يتيح لـ"إسرائيل" فرصة فرضها بالقوّة.

وهذا السيناريو لا يعني احتلالًا إسرائيليًا شاملًا للجنوب أو لجزء منه، لكنّه في الواقع يجرّد الدولة اللبنانية هناك من وظائفها السيادية في شكل متدرّج. والهدف هو إزاحة حزب الله عن الحدود في شكل نهائي ومضمون، وإبعاد صواريخه أو أي سلاح ثقيل يمكن أن يقع في يديه، أقصى ما يمكن. وقد قامت "إسرائيل" بتدمير كلّ القرى المتاخمة للحدود، وهي تصرّ بشكل متزايد على إحباط أي استعدادات لبنانية لإعادة الإعمار (الضربات العنيفة في المصيلح وأنصار في غضون بضعة أيام). ويبدو أنّها تحظى بتواطؤ ضمني أو صمت من جانب القوى الدولية التي قرّرت إزالة مظلة "اليونيفيل"، فمدّدت ولايتها للمرّة الأخيرة حتّى نهاية 2026 ضمن خطة انسحاب تدريجي، ما يعني نهاية القرار 1701 الذي يشكّل ورقة قوة في يد لبنان، ولو أنّه لم يُنفّذ منه الشق المتعلّق بسلاح "حزب الله". وستخلف "اليونيفيل" قوة متعددة الجنسيات، بتفويض صارم ومهمّات مراقبة مباشرة، ما يضمن نزع السلاح وإخلاء المنطقة الحدودية المدعومة بأبراج مراقبة بريطانية. وهذا ما يترجم تنازلًا إضافيًا عن السيادة اللبنانية.

اليوم، يحاول رئيس الجمهورية تجنّب انزلاق لبنان إلى هذه الخسارة المريعة، من خلال إعلان التزام الدولة خطة نزع السلاح والتفاوض. لكن "إسرائيل" ليست مقتنعة لا بهذه ولا بتلك. وهي عبّرت عن عدم اقتناعها، بعد اجتماع "اليونيفيل"، عندما قامت بتصعيدها العسكري في شكل لافت.

وفي النهاية، هي تعرف أنّ لبنان الرسمي لا يستطيع الخروج عن خيارات حزب الله إلّا في شكل طفيف. ولذلك، هو يغطي ضعفه بالمناورات السياسية. فرئيس الجمهورية يوحي بـ"الاستعداد للتفاوض"، لكن حزب الله يرفض أي مفاوضات سياسية مباشرة أو رفيعة المستوى مع "إسرائيل". وبالنسبة إليه، أي مفاوضات سياسية مباشرة حاليًّا تعنى الاعتراف بالهزيمة أو التنازل عن السلاح تحت الضغط. وهذا الرفض يُبقي على الخيار العسكري قائمًا، ويفتح الباب أمام استمرار "إسرائيل" في تنفيذ الضربات وتوسيعها.

إذًا، جنوب لبنان يتّجه نحو واقع جديد، هو نتاج ثلاثة عوامل متقاطعة: الضغط العسكري "الإسرائيلي"  المفتوح، التفكّك السياسي والطائفي في الداخل اللبناني، وتراجع المظلة الدولية بسقوط القرار 1701 كاملًا، مع انتهاء دور "اليونيفيل". وإذا لم ينجح مسار "الميكانيزم"، بقيادتها الأميركية التي ارتفع مستواها برئاسة الموفدة مورغان أورتاغوس لها، وتعذّر إجبار "إسرائيل" على الانسحاب الكامل وإيقاف الضربات، وإذا بقي حزب الله رافضًا تسليم السلاح، فالمسار الذي سيتّجه إليه الجنوب هو الالتحاق بنماذج أخرى أمنية، لجهة قيام منطقة عازلة وحظر السلاح الثقيل والطيران الحربي في الأجواء، وإبقاء الهيمنة "الإسرائيلية" قائمة، ولو مِن بُعد، وبنسب متفاوتة.

يعني هذا الكلام، أنّ الجنوب كله سيكون تحت السيادة اللبنانية نظريًا، ولكنه منزوع السلاح بنسب معينة، ومُراقب ليلَ نهار إسرائيليًا، بدعم أطلسي، ما يعني فعليًا خسارة الدولة اللبنانية جزءًا كبيرًا من وظيفتها السيادية هناك. وللتذكير، هذا السيناريو هو الذي تفضّله "إسرائيل"، وهي تعتمده أو تضغط لاعتماده أيضًا في الضفّة الغربية وغزّة كما في جنوب سورية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة