فلسطين
تتواصل فصول المأساة الإنسانية في قطاع غزّة، حيث تتفاقم الأوضاع المعيشية والبيئية والصحية وسط دمار شامل خلّفته الحرب "الإسرائيلية"، وغياب شبه تام لمقوّمات الحياة الأساسية، في مشهدٍ يؤكّد أن الكارثة لم تتوقف بانتهاء القصف، بل بدأت فصولها الأشدّ قسوة بعده.
في مدينة خان يونس، يعيش سكان حيّ الأمعري على وقع خوفٍ متزايد من ارتفاع منسوب المياه في بركة الصرف الصحي التي تختلط فيها مياه الأمطار بمياه الصرف، وسط تحذيرات من احتمال تسربها إلى المنازل والمناطق السكنية المجاورة. ومع غياب أنظمة الصرف المناسبة وتدهور البنية التحتية، يخشى الأهالي من انهيار بيئي قد يحوّل الحي إلى بؤرة تلوث تهدّد حياة المئات.
في موازاة ذلك، حذّرت شبكة المنظمات الأهلية في غزّة من أنّ القطاع يعيش حالة مجاعة حقيقية، مشيرة إلى أن المساعدات التي تدخل عبر المعابر “لا تغطي سوى 30% من الاحتياجات الأساسية”، فيما تواصل وكالة الأونروا أداء دورها الإنساني رغم محدودية الإمكانات وتضرر منشآتها بشكل واسع.
من جانبه، دعا ستيفانوس فوتيو؛ مدير مركز تنسيق نظم الأغذية في الأمم المتحدة، إلى فتح المعابر بشكل عاجل؛ لإعادة تأهيل النظام الغذائي في القطاع، مشدّدًا على ضرورة تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى السكان المنهكين.
وفي ظلّ هذا الواقع، أعلنت الأونروا أن نحو 75 ألف نازح يحتمون في أكثر من مئة مبنى تابع لها رغم تضررها الشديد، مؤكدة أن الظروف داخل هذه الملاجئ “قاسية للغاية” مع نقص المياه والغذاء وانتشار الأمراض بسبب سوء الصرف الصحي، محذّرة من انهيار إنساني شامل ما لم يتحرك المجتمع الدولي سريعًا.
أما الأمم المتحدة، فقد أكدت أن 81% من هياكل القطاع دُمّرت بالكامل، في دمارٍ وصِف بأنه غير مسبوق في التاريخ الحديث، فيما جرى الاعتراف بالحرب على غزّة كـ “إبادة جماعية”.
وفي سياق متصل، كشف المتحدث باسم الدفاع المدني في غزّة؛ محمود بصل، عن خطر المخلفات المتفجرة المنتشرة في كلّ أنحاء القطاع، والتي وصفها بأنها “قنابل موقوتة” تهدّد حياة المدنيين، داعيًا إلى إرسال فرق متخصصة وخبرات دولية للمساعدة في إزالتها.
بدورها، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرًا مطوّلًا وصفت فيه الوضع في غزّة بأنه “أصعب مهمّة إنسانية في تاريخ الحروب الحديثة”، مشيرة إلى أن نحو 61 مليون طن من الركام تغطي القطاع، وأن أكثر من 10 آلاف شخص لا يزالون تحت الأنقاض، فيما تُقدّر المدة اللازمة لإزالة الركام بأكثر من سبع سنوات في ظل منع الاحتلال دخول المعدات الثقيلة.
سياسيًا، أكد الأمين العام للأمم المتحدة؛ أنطونيو غوتيريش، أن المنظمة الدولية تعمل على ضمان زيادة حجم المساعدات الإنسانية ودعم صمود وقف إطلاق النار، مشدّدًا على أن أي كيان يُشكّل في غزّة يجب أن يستمد شرعيته من الأمم المتحدة، مع ضرورة إقامة مسار سياسي موثوق لإنهاء الاحتلال وتحقيق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
وفي الأثناء، دفعت الولايات المتحدة بمسوَّدة قرار إلى مجلس الأمن؛ لإنشاء قوة دولية في غزّة لمدة لا تقل عن عامين، في وقتٍ وصلت فيه مديرة الاستخبارات الأميركية تولسي غابارد إلى الأراضي المحتلة لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وبحث الملفات الأمنية والحدود الشمالية مع لبنان والملف الإيراني.
ومع استمرار الاحتلال في خرق الهدنة، كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة عن تسجيل نحو 200 خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الجاري، ما يعكس هشاشة التفاهمات واستمرار معاناة سكان القطاع في مواجهة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.