اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي العميد فدوي: نلتزم بمدى الصواريخ وفق ما حدّده الإمام الخامنئي

مقالات

هل يهمّ
مقالات

هل يهمّ "إسرائيل" التفاوض حقًا؟

105

سؤال في جوهر العلاقة بين الاحتلال و"السلام"؟ 
من قال إن "إسرائيل" يهمها التفاوض؟
ومن قال إنها لا تزال تسعى إلى "السلام" أو التطبيع مع العرب؟
أسئلة تفرض نفسها في لحظةٍ بلغت فيها "إسرائيل" أقصى درجات التفلت من الضوابط السياسية والقانونية والأخلاقية منذ قيامها عام ١٩٤٨. فالكيان الذي وُلد في رحم الحرب، وتوسّع بالحرب، وفرض وجودها بالقوّة، يبدو اليوم أقلّ ميلًا من أي وقت مضى إلى التفاوض أو المساومة، وأكثر إصرارًا على فرض الأمر الواقع لا على التفاهم حوله.

أولًا: "إسرائيل" و"السلام" مشروع ضرورة لا مشروع قناعة

منذ البداية، لم يكن "السلام" خيارًا أيديولوجيًا في الفكر الصهيوني، بل ضرورة مؤقتة تفرضها موازين القوى أو الضغوط الدولية.

اتفاقيات "كامب ديفيد" (١٩٧٨) مع مصر لم تكن انفتاحًا على “السلام العربي الشامل”، بل ترتيبات أمنية تحفظ لـ"إسرائيل" حدودًا آمنة في الجنوب وتُخرج أكبر دولة عربية من الصراع.

واتفاق أوسلو (١٩٩٣) لم يكن إقرارًا بحق الفلسطينيين في دولة، بل وسيلة لتفكيك منظمة التحرير وتحويل الصراع إلى “ملف أمني” تحت السيطرة ""الإسرائيلية"".

وحتّى “اتفاقيات أبراهام” (٢٠٢٠) جاءت لتُطبع مع أنظمة لا تخوض الحرب أصلًا مع "إسرائيل"، في سياق إقليمي هدفه الأساس عزل الفلسطينيين وتوسيع هامش الحركة "الإسرائيلية" في الإقليم.

إذًا، لم يكن "السلام" يومًا غايةً "إسرائيليةً"، بل وسيلة لتحقيق أمنٍ أوسع أو لتجميد جبهة، أو لاختراقٍ سياسي واقتصادي يخدم مشروع السيطرة.

ثانيًا: "إسرائيل" اليوم دولة بلا كوابح

ما نراه اليوم من "إسرائيل" يتجاوز فكرة “الاحتلال المستمر” إلى حالة من التفلت التام من أي منظومة ضوابط.

فـ"إسرائيل" ترفض قرارات مجلس الأمن، وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني، وتتعامل مع الأمم المتحدة كخصمٍ لا كمرجعية.

لا تلتزم باتفاقياتها مع السلطة الفلسطينية، ولا تحترم خطوط الهدنة مع لبنان أو سورية.

تستعمل القوّة المفرطة في غزّة والضفّة والجنوب اللبناني، تحت عنوان “الأمن” بينما هي تمارس سياسة عقاب جماعي.

والأخطر أن الداخل "الإسرائيلي" نفسه بات يُدار بمنطق القوّة ذاتها: حكومة يمينية متطرّفة، انقسام داخلي حاد، غلبة المنطق الديني القومي على أي خطاب سياسي براغماتي.

في مثل هذا الواقع، أي معنى يبقى لمفهوم “التفاوض”؟
كيف يمكن التفاوض مع دولة لا تعترف بحدودها ولا بحدود "سايكس بيكو" بالكامل، كما جاء على لسان توم برّاك المبعوث الأميركي، ولا تلتزم بقراراتها، ولا ترى في الطرف الآخر سوى عدوٍ أبدي؟.

ثالثًا: لبنان وسورية على طاولة لا وجود لها

منذ عقود، تتحدّث الدبلوماسية الدولية عن “حلٍّ شامل” يشمل لبنان وسورية، لكن الواقع يقول إن "إسرائيل" ليست في وارد ذلك.

مع لبنان، لم تُظهر "تل أبيب" رغبة جدّية في سلامٍ حقيقي، بل فقط في “ترتيبات أمنية” تبعد حزب الله عن الحدود وتضمن أمن مستوطناتها. كلّ حديثٍ عن تفاوضٍ سياسي لا يتعدى المناورة أو الضغط.

ومع سورية، رغم محطات التفاوض في التسعينيات، فإن "إسرائيل" حسمت أمرها منذ احتلال الجولان: لا انسحاب، لا تنازل، لا سلام.
وها هي اليوم وبعد سقوط نظام بشار الأسد قامت بالتوغل شمالًا لتصل الى أبواب دمشق ولتحتلّ جبل الشيخ ومرتفع حرمون، وتصرح مرارًا أنها لن تنسحب مطلقًا من هذه المناطق التي احتلتها حديثًا. 

حتّى في الملفات الإنسانية (الأسرى، المفقودين، جثامين الشهداء)، تتعامل "إسرائيل" بتعجرفٍ وإذلال، كأنها فوق القانون، وفوق الإنسانية.

رابعًا: من "السلام" إلى التطبيع - تحوّل في اللغة لا في الجوهر

حين عجزت "إسرائيل" عن فرض “السلام” بمعناه التقليدي، انتقلت إلى فرض “التطبيع” كأمرٍ واقع.
التطبيع بالنسبة لـ"إسرائيل" ليس ثمرة اتفاق سياسي، بل أداة اختراقٍ اجتماعي واقتصادي وثقافي تعيد صياغة الوعي العربي.
لكن حتّى هذا المسار تعثّر: فبعد حرب غزّة الأخيرة، انكشفت حقيقة المشروع التطبيعي كصفقة سياسية هشة.
 الشعوب التي رأت صور المجازر في غزّة وجنوب لبنان، لم تعد ترى في "إسرائيل" “شريكًا في السلام”، بل كيان احتلال متوحش يتفلت من أي محاسبة.

خامسًا: هل يمكن لـ"إسرائيل" أن تكون "كيان سلام"؟

الجواب الواقعي: لا، ليس في بنيتها الحالية.
"إسرائيل"، كما تشكّلت منذ ١٩٤٨، قامت على نفي الآخر، لا على التعايش معه.
من دون مراجعةٍ عميقة لفكرة “الدولة اليهودية” ذات الطابع الحصري، 
ومن دون اعترافٍ صريح بحقوق الفلسطينيين والعرب، 
ومن دون قبولٍ بمبدأ العدالة كشرطٍ للسلام، 
لن تكون "إسرائيل" "دولة سلام"، بل تبقى مشروعًا استعماريًا مستمرًا مهما غيّرت واجهتها السياسية.
وحتّى لو جلست على طاولة المفاوضات، فستجلس كما فعلت دومًا: لتُناور لا لتتنازل، لتكسب وقتًا لا لتكسب سلامًا.

سادسًا: من يفاوض من؟

حين تُطرح أسئلة مثل “هل على لبنان أو سورية أن يتفاوضا مع إسرائيل؟” ينبغي أن يُطرح قبلها سؤال أعمق:
هل يوجد في "إسرائيل" مَن يريد التفاوض أصلًا؟ 
وهل التفاوض ممكن مع طرفٍ يرى في نفسه فوق القانون، وفوق التاريخ، وفوق الأخلاق؟
الواقع أن "إسرائيل" اليوم ليست بحاجة للتفاوض، لأنها تملك حماية أميركية مطلقة، وتستفيد من وجود الرئيس ترامب في سدة الرئاسة الأميركية وانشغال العالم العربي بأزماته الداخلية، وتتحرك في فراغٍ دولي لا يردعها أحد.
لكن هذا “الفراغ الأخلاقي” هو نفسه الذي سيُسقط مشروعها في النهاية:
فـ"الدولة" التي لا تحدّها القوانين ولا تقيّدها القيم، لا تصنع استقرارًا، بل تعيش على حافة الانفجار الدائم.

خاتمة: "إسرائيل" في زمن اللاسلام

لم تكن "إسرائيل" يومًا ملتزمة بالضوابط، لكنّها اليوم متفلتة أكثر من أي وقت مضى. 
تتصرّف كقوةٍ فوق القانون، لا كعضوٍ في المجتمع الدولي.
ومن كان هكذا، لا يتفاوض إلا حين يُجبر، ولا يسالم إلا حين يُهزم.
لذلك، السؤال الحقيقي ليس “لماذا لا تتفاوض إسرائيل؟”
بل: “من قال إن "إسرائيل" تريد السلام أصلًا؟ ”
فمن لا يرى في الآخر إلا تهديدًا لوجوده، لن يمدّ يده يومًا إلا ليُحكم قبضته عليه.

الكلمات المفتاحية
مشاركة