خاص العهد
نظمت السفارة الإيرانية في بيروت ندوة تكريمية للشهيد الحاج محمد عفيف النابلسي، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده، حضرها حشد من القيادات الحزبية والشخصيات السياسية، والدبلوماسية، والاجتماعية.
بدأت الندوة بكلمة ترحيبية أكدت، أن الاحتفال بالشهداء ليس مجرد طقس شعائري، بل تأكيد على الرسالة والقيم التي جسدها الحاج محمد عفيف طوال حياته.
سلطت الكلمات الضوء على الدور الإعلامي والفكري للحاج محمد عفيف الذي كان قياديًا في تعزيز الرؤية الوطنية ومواجهة السردية "الإسرائيلية". وبيّن المشاركون أن الشهيد محمد عفيف "لم يكن ناطقًا باسم حزب الله فقط، بل كان يمثل أمةً بأكملها من خلال رفع الوعي وتوجيه الناس نحو الصمود والمقاومة، مستخدمًا الإعلام كأداة إستراتيجية لتعزيز الموقف المقاوم".
السفير أماني
استهلّ سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان؛ مجتبى أماني، كلمته بتلاوة الآية الكريمة: ﴿ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين﴾، مرحّبًا بالحضور، ومؤكدًا أن الندوة تأتي في الذكرى الأولى لرحيل عميد المنبر المقاوم؛ الحاج محمد عفيف النابلسي، ذلك الرجل الذي ربطتني به علاقة صداقة عميقة ترتقي إلى مرتبة الأخوَّة".
وقال أماني، إن الشهيد عفيف تمتع بمحبة استثنائية “هي سمة يختص الله بها عباده الطيبين”، مشيرًا إلى أنّ قيمته لا تقتصر على مسؤوليته الإعلامية في حزب الله، بل على دوره العابر للانتماءات الضيقة، ودوره في أن يكون “لسان المقاومين على امتداد لبنان ومحور المقاومة كله، شخصية عالمية من عائلة المقاومة تعبّر عن وجدان الشعوب المقهورة وتقدّم روايتها الحقيقية".
وتوقف السفير عند لحظة استهداف الشهيد، معبرًا عن استغرابه من أن يقدم العدوّ على اغتيال شخصية إعلامية؛ “لأن استهداف المتحدث الإعلامي ليس من قوانين الحرب”، لكنّه رأى أن العدوّ "الإسرائيلي" “ارتكب جرائم عديدة، من اغتيال علماء نوويين إيرانيين إلى استهداف كوادر المقاومة، ما يعكس حالة الهزيمة والارتباك التي يعيشها". وأضاف: "دم الحاج محمد وكلامه كانا رسالة، فهو من العلماء المجاهدين الذين يعلّمون الناس طريق المقاومة وثقافتها، ولذلك كان استهدافه محاولة يائسة لإسكات صوت يمثّل قوة الحق".
وتحدث السفير أماني بإسهاب عن قراءة سفارة بلاده للتطورات الإقليمية، قائلًا: "منذ وقف إطلاق النار، سمعنا كثيرًا من الكلام "الإسرائيلي" عن نهاية المقاومة في غزّة ولبنان وإيران. قالوا إن حزب الله انتهى، وإن حماس انتهت، لكن اليوم المؤسسة ""الإسرائيلية"" نفسها تسأل: أين الوعود التي قطعتموها؟".
وأشار إلى اتّصال جرى سابقًا بين نتنياهو وأحد كبار قادة الدول الكبرى، حيث قال الأخير له: “نحن في الجحيم”. وأضاف أماني: “هذه ليست مبالغات، بل واقع يعيشه العدو، فيما المقاومة مستمرة تقف على أرضها قوية بدماء شهدائها”.
وتوقف السفير عند الدعم الإيراني للبنان خلال الحرب، مشيرًا إلى سلسلة زيارات قام بها مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى منذ الأيام الأولى للعدوان، بينهم: الدكتور علي لايجاني؛ رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، والدكتور عباس عراقتشي؛ وزير الخارجية عبر ثلاث زيارات متتالية، فضلًا عن مسؤولين آخرين حضروا للتأكيد على أن إيران مع لبنان دولةً وشعبًا، وأنها تعمل على دعم صمود اللبنانيين، “من خلال الحكومة ومنظمات المجتمع ومختلف القنوات المتاحة“.
وأوضح أماني، أن هذه الزيارات شملت لقاءات مع رئيس الجمهورية السابق؛ العماد ميشال عون، ورؤساء الحكومة والبرلمان، بهدف “التأكيد على أن المقاومة جزء أصيل من ثقافة هذا البلد، وأن إيران تقف إلى جانب لبنان في كلّ الظروف“.
العلاقة الشخصية
وفي جانب وجداني من كلمته، تحدث السفير أماني عن اللحظات الأولى التي جمعته بالشهيد، قائلًا: "عندما التقيته للمرة الأولى شعرت، أنني أعرفه من سنوات طويلة. كانت صورته يومها تبدو لي قريبة جدًا، والعلاقة بيننا تولّدت بلا حواجز".
واستعرض السفير الإيراني مشاهد وذكريات من لقائهما، مؤكّدًا أن الشهيد كان “قريبًا من الناس، واسع الصدر، عميق الإيمان، راسخًا في قناعاته، صادقًا في مشاعره”، وأن روحه “بقيت حاضرة في كلّ مراحل المواجهة الأخيرة”.
وختم السفير كلمته بالتأكيد على أنّ الطريق الذي سلكه الشهيد الحاج محمد عفيف النابلسي هو طريق انتصار حتمي، مؤكدًا أن الشهداء يمنحوننا إرادة وصمودًا أكبر. وبكل المعايير، نحن على طريق النصر، وسنصل إليه بقوة الحق.
حجازي
وأشار الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان؛ علي حجازي، إلى آخر اللقاءات التي جمعته بالشهيد قبل اندلاع الحرب بالمعنى الكامل، قائلًا إن الحاج محمد كان دائم الاهتمام بتأمين مقرات للعمل المقاوم، وسعى لضمان أن يكون هناك مكان ندير به عملنا.
وأضاف حجازي، أن هذا الاهتمام لم يكن مجرد تنظيم ميداني، بل يعكس إدراكه العميق لتأثير كلّ تفصيل على مشروع المقاومة، مشيرًا إلى أن الحاج محمد كان يتابع عن كثب الوضع السوري، ويحرص على ألا تترك الأمور دون تخطيط، لما لذلك من أثر مباشر في استمرارية المقاومة.
وأوضح حجازي، أن المبنى الذي احتضن قيادة الحزب خلال تلك الفترة، شهد آخر لقاء بينه وبين الحاج محمد قبل استشهاده، مضيفًا أن الشهيد كان “ضحية الغارة لكنّه شرفنا بالاستشهاد داخل مقر قيادة حزبنا“.
وأعلن حجازي في كلمته، أن قيادة حزب البعث العربي قررت أن يُخصص طابق كامل باسم قاعة الشهيد الحاج محمد عفيف للإعلام والصحافة، ليكون في خدمة إعلام المقاومة ومحور المقاومة وأصدقاء الشهيد”، مشددًا على أن هذه المبادرة تأتي تكريمًا لروح الشهيد وعطائه المتواصل في دعم المشروع المقاوم.
روني ألفا
استعاد الإعلامي روني ألفا في كلمته علاقته الفكرية والإنسانية بالشهيد القائد الحاج محمد عفيف، واصفًا إياه بعبارات حارّة محمّلة بالصور البلاغية التي تعكس عمق التأثير الذي تركه الراحل. وقال: "نحن لا نقف اليوم أمام شهيد فحسب، بل أمام رجل يحضر بيننا بمجرد التلفظ باسمه… أمام صوت ما زال يجلجل كأن صاحبه يقف الآن بيننا".
ورأى أن الشهيد الكبير تجاوز حدود النعي والبكاء، فهو "قَامة أوسع من قبرها، ورجل أبلغ من نعيه"، قبل أن يستطرد: "كان محمد عفيف يشيِّد الكلمة قلعةً، ويدجّج الجملة ترسًا، ويشقّ من الطريق الضيقة دربًا يتنزّه فيه رجاء الناس بعد أن كانت قفرًا بلا أثر".
واستحضر ألفا ذكريات شخصية معه قائلًا، إنه كان كلما دخل مكتب الحاج محمد يشعر كأنه يدخل منجمًا، ومحمد يتقدّمه بمصباح مثبت عند جبينه يشير إلى "الأحجار الثمينة"؛ أي الكلمات العميقة التي كان ينتقيها بعناية الحِرَفي الماهر.
وأضاف: "كان يلمّع الكلمات بغبار الصدق، ويرصف عقيق البأس على المعاني، ويغلفها بتبر العقيدة الوهاجة قبل أن يقدّمها لقلوبنا المشتعلة بالمقاومة، كأنها آخر ما تبقى من حقيقة شديدة الحلاوة في كذبة شديدة المرارة".
وتوقف عند شجاعة الشهيد، قائلًا إنه لم يُغوِه التصفيق ولم تُغره الخطابة؛ لأن هاجسه الوحيد كان "تصفيق أجنحة الرواية". ورأى أن محمد عفيف كان يواجه الموت بشجاعة نادرة: "يمر على الموت مرة، ويعود إلى الحياة ألف مرة".
وسرد ألفا تفاصيل زيارته المتأخرة إلى قبر الشهيد، وإلى روضة الحوراء زينب، حيث التقى بالشقيق الوفي حسن الذي أخبره عن حلم زاره فيه الشهيد، وعن محاولته الحصول على مرمر إيراني لتجديد شاهد القبر. وعلّق روني على ذلك بالقول: "من ينام اليوم بسلام تحت الفاتحة المباركة الجديدة هو المرمر تحت رخام… وأخوك محمد عظيم من سلالة العظماء".
كما كشف عن لقائه الأخير بالشيخ الجليل عفيف النابلسي قبل رحيله، وإهدائه إياه قلادة القديس كريستوفر. ثمّ تحدّث عن القلادة التي سُلّمت إليه لاحقًا وهي "قلادة العفيف"، ليختم: "بين القلادتين شفاعة القديس، وفصاحة الراوي، ونحن جميعًا ركّاب في رحلة واحدة وجهتنا إله واحد… فلنحسن كيف نحيا وكيف نموت لنستحق فخامة الرحلة".
الشيخ صادق النابلسي
وألقى شقيق الشهيد؛ الشيخ صادق النابلسي كلمة عبّر فيها عن تجربة العائلة وفقدانها، وقال: "لقد كان الحاج محمد دائمًا ممرًا للخير ومكانًا لشعلة مقدسة، يخرج الضوء من قميص الظلمة، ويجعل دارته قلعة لمن يريد أن ينتصر للحق".
وأضاف أن الحاج محمد كان حاضرًا بين الشرفاء تحت راية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يسعى إلى "إبطال كلّ شر"، مشيدًا بدور السفير الإيراني في تكريم الشهيد والإسهام في إبراز تاريخ المقاومة وتوطيد هويتها.
وأشار الشيخ صادق إلى أن الحاج محمد كان مصداقًا للآية القرآنية: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا﴾، وكان يسير في مسار المواجهة بلا تردّد، محافظًا على كرامة المقاومة وعزتها، مستوحيًا صوت الإباء من الإمام زين العابدين والسيدة زينب (ع).
وأكد أن محمد عفيف لم يكن مجرد ناطق إعلامي باسم حزب الله، بل كان ناطقًا باسم أمة تمتد من البحر إلى البحر، يمثل كبرياء الشعب والإيمان، ويقاتل بالإيمان والروح، مستعيدًا قصّة كربلاء وأصحاب الحسين، مؤكدًا أن شهادته "شهادة حب" ومحبة لله والأمة.
وشدد على أن الشهيد القائد " قاتل بالروح؛ لأن أهم وأمضى سلاح في مواجهة العدوّ هو قوة الروح… محمد عفيف رسم بالدم طريق العبور إلى النصر، وكان يُعلّمنا أن لا حياة دون الجنوب، وتحقيق الكرامة".
هادي محمد عفيف
وعلى هامش المناسبة، تحدث هادي نجل الشهيد الحاج محمد عفيف لموقع العهد الإخباري، مؤكدًا أن والده كان واعيًا تمامًا لحجم الأخطار التي رافقت عمله خلال الحرب، ورغم ذلك لم يتخّذ أي إجراءات أمنية استثنائية، قائلًا: “كان كثيرون يسألونه لماذا لا تتّخذ احتياطات أكبر، خاصة بعد الاستهدافات التي طاولت العديد من القيادات، لكنّه كان يجيب دائمًا: أنا أؤدي تكليفي، وهذه المسيرة تحتاج إلى تضحيات كي تستمر".
وأوضح أن الشهيد كان ينظر إلى نفسه كجندي يؤدي واجبه لا كمسؤول في موقع حساس، مضيفًا: “كثيرون كانوا يقولون إن الحاج شهيد يمشي على قدمين، أما هو فكان يردّد: كلما شاركت في تشييع شهيد، حسبتني أنا هو”. وأشار إلى أن والده اقترب من الشهادة أكثر من مرة قبل استشهاده، إحداها عام 1992 خلال استهداف السيد عباس الموسوي، والثانية في حرب تموز عام 2006 عندما تم قصف مبنى تلفزيون المنار في أثناء وجوده في غرفة الأخبار.
وتابع هادي: "بعد استشهاد سيد شهداء الأمة، وصل والدي إلى مرتبة من الجهاد والإخلاص جعلته يتمنى اللحاق برفيق دربه. وقد وفق في قيادة الحرب الإعلامية خلال هذه المواجهة، وسدّ جزءًا كبيرًا من الفراغ الذي أحدثه غياب سماحة السيد”. وختم قائلًا: “بلغ درجة من الإخلاص جعلته يلتحق برفيق دربه السيد حسن نصر الله، ويرتقي شهيدًا إلى الملكوت الأعلى".
الشيخ محمد اللبابيدي
كذلك، أكد الأمين العام للمركز الإسلامي للإعلام والتوجيه؛ الشيخ محمد اللبابيدي في تصريحه لموقعنا، أنه يصعب استذكار الحاج محمد عفيف دون استحضار دوره القيادي والجهادي الفريد.
وقال: "يصعب علينا اليوم أن نستذكر قائدنا وقدوتنا وموجّهنا؛ هذا القائد الجهادي الكبير الذي علّمنا بصدق وإخلاص وحق كيف تكون القيادة. لم يكن يومًا بعيدًا عن فريق عمله، ولم يكن من أولئك القادة الذين ينأون بأنفسهم عن أرض الواقع".
وأضاف أن الحاج محمد كان حاضرًا بين المجاهدين، مربّيًا لهم على التضحية والإقدام والعطاء، وقد ترك بصمة لا تُنسى في مسيرة الإعلام الجهادي.
وختم اللبابيدي بالقول: "سنظلّ أوفياء لنهجه، مستمرين على سياسته ومسيرته التي ربّانا عليها، حتّى تمام النصر إن شاء الله، أو أن نرتقي شهداء على طريق القدس. "
الدكتور علي حمية
قال الخبير العسكري والإستراتيجي؛ الدكتور علي حمية، إن الحاج محمد عفيف كان المنبر والكلمة وفارس الإعلام، مؤكدًا أنه "صعد على صهوة جواده ليقود المعركة خلال 55 يومًا، وكان الإعلامي الكبير الذي يربط بين القيادة والمجاهدين، ويمنحهم القوّة والزخم في قتال العدو".
وأضاف الدكتور حمية: "لقد كان كلّ المجاهدين في ساحة المعركة يأخذون منه الثقة والإصرار على الصمود. رحم الله الشهيد محمد عفيف، ورفع درجته في جنات الخلد".