مقالات
باحث في الشؤون اللبنانية والسورية
هل من المصادفة أن تعم المسيرات الاحتجاجية مدن الساحل السوري، والسويداء في الجنوب، وبعض أحياء حمص، وسهل الغاب في محافظة حماه، رفضًا للممارسات القمعية "لحكم دمشق" بقيادة أبي محمد الجولاني، بخاصةٍ استمرار اعتقال ضباط وأفراد الجيش العربي السوري، منذ سقوط الدولة السورية في الثامن من كانون الأول الفائت (2024)، دون مسوغٍ قانونيٍ، وذلك إثر اعتداءات عشائر بدو "بني خالد" على الأحياء ذات الغالبية العلوية والأرمنية في مدينة حمص، في الأيام القليلة الفائتة، ردًّا على جريمة قتل أودت بحياة شخصين من البدو، قبل كشف حقيقة مرتكب هذه الجريمة؟. وهل من المصادفة أيضًا، أن تأتي هذه الحركة الاحتجاجية الواسعة التي طالبت وتطالب بإقامة حكم "فيدرالي" في البلاد السورية، خلال وجود وفد من الكونغرس الأميركي في دمشق؟. فهل هي (الاحتجاجات) مجرد ردود أفعالٍ عفوية على ما حدث في حمص، أم بداية انتفاضةٍ ضد "حكم الجولاني" وصولًا إلى إقامة حكم يحمي وجود الأقليات ويصون حقوقهم في سورية؟
هنا تؤكد مصادر في المعارضة السورية "للحكم الراهن" والسابق، أن "هذه الحركة ليست عفويةً على الإطلاق، فقد أتت بالتزامن مع وجود الوفد الأميركي في دمشق، لإيصال رسالةٍ واضحةٍ إلى الإدارة الأميركية، بأن هذه المناطق المنتفضة تريد إقامة حكم ذاتي أو إدارة ذاتية، بناءً على دعوة من كبار رجال الدين في الطائفتين العلوية والدرزية في سورية؛ الشيخ غزال غزال وحكمت الهجري".
وفي هذا الصدد، يشاطر مرجع سياسي ودبلوماسي سوري رأي المصاد المعارضة المذكورة آنفًا، معتبرًا أنْ "ليس من المصادفة أبدًا أن تعم المسيرات مدن الساحل، والسويداء في آن معًا". ويلفت إلى أن المشاركة في المسيرات لم تقتصر على أبناء المدن المذكورة، بل شارك فيها عدد كبير من أبناء مناطق: جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، وهذه المشاركة بدت واضحةً للجميع، بمشاركة السيارات التي تحمل لوحاتٍ مخصصةٍ لدمشق وريفها". ويرى المرجع عينه أن "المجتمع الدولي غير راضٍ على الأوضاع في سورية، أي (عن أداء السلطة المؤقتة)، كاشفًا "عن توقف المنحة السعودية المخصصة للنفط والغاز". ويقول: "لا مال، لا جديد، كله كلام بكلام". ويضيف: "كذلك فإن الحوار بين السلطة والأكراد توقف عمليًا". ويتابع: "لذا أتوقع أن الدول الأجنبية غير راضيةٍ عن "حكم" الجولاني، فقد أعطته هذه الدول مهلةً معينةً لتسوية الأوضاع في سورية، بخاصةٍ التخلص من الإرهابيين الأجانب، وحماية الأقليات، غير أنه لم يفعل شيئًا"، على حد تعبير المرجع. لذا يعتبر "أن البلاد مقبلة على إشكالاتٍ جديدةٍ، وأن الجولاني لا يجيد إقامة التوازن في العلاقات مع الدول، فهو قادر على إرضاء السعودية من جهة، وتركيا وقطر من جهةٍ أخرى، على سبيل المثال لا الحصر. كذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي لامس العاصمة دمشق، وقادر على فرض "الإيقاع" الذي يريده، بقوة الأمر الواقع". غير أن المرجع المذكور يؤكد في الوقت عينه أن "هناك معوقاتٍ قد تعوق إقامة حكم يرتكز على "الإدارت الذاتية" وما شاكل، على اعتبار ألَّا مناطق "صافية بالكامل" لمكوّنٍ مذهبيٍ معينٍ، ما عدا محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية".
وفي المناسبة، لا تستبعد مصادر ميدانية وسياسية "وصول شرارة الاحتجاجات المذكورة إلى مختلف المناطق السورية، بخاصة تلك ذات الغالبية السنّية، مع استمرار وجود "سلطةٍ" تكفيريةٍ متطرفةٍ في دمشق، تكّفر وتضطهد كل من يخالف رأيها، أو يعترض على ممارساتها. وتختم المصادر بالقول: "قد نشهد احتجاجات مماثلة في دمشق، وحلب، ودرعا، وسواها".