مقالات مختارة
صراع على النفوذ في مجلس الإنماء والإعمار
مفوّض الحكومة يتمرّد على الحكومة بمساندة من مجلس الخدمة
ندى أيوب - صحيفة الأخبار
يسود توتر متصاعد بين رئيس مجلس الوزراء نواف سلام من جهة، ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي ومفوّض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار زياد نصر من جهة ثانية، على خلفية تقديم مشموشي آراء استشارية إلى جانب نصر في النزاع بينه وبين رئاسة الحكومة، حول صلاحياته في المجلس، بما يعارض توجهات الحكومة في شأن تنظيم العمل داخل "الإنماء والإعمار"، رغم أن الأخير لا يخضع لرقابة مشموشي، ولا يدخل ضمن صلاحيات مجلس الخدمة المدنية، بل يقع تحت سلطة الوصاية المباشرة لرئاسة الحكومة.
وتشير مصادر مطّلعة إلى أنّ التوّتر مع رئاسة الحكومة زادت حدّته "بعد تأخير غير مفهوم في تحضير مشموشي مرسوم تعيين سفير لبنان في المملكة العربية السعودية، علي قرانوح، وسفراء آخرين، إضافة إلى خلافات مستجدة بينها وبين وزير التنمية الإدارية فادي مكي على خلفية ملف التحوّل الرقمي".
يذكر أن النزاع الدائر بين نصر وأعضاء مجلس الإدارة أدى إلى شلل في عمل المجلس. وأشارت المصادر إلى أنّ رئيس الحكومة فكّر في إقالة نصر، ما استدعى تدخّلًا من النائب السابق وليد جنبلاط، وتم الاتفاق على إبقائه من باب منحه "فرصة أخيرة".
وبدأ النزاع قبل أشهر حول تفسير حدود صلاحيات المفوّض ودوره الرقابي. إذ يتمسّك نصر بوجهة نظر ترى أنّ مهماته تشمل حق التوقيع على كشوفات المتعهدين المنفذين لمشاريع المجلس، كشرط أساسي لصرف الأموال.
في المقابل، يرى مجلس الإدارة أنّ دور المفوض يقتصر على حجز النفقة، أي منح التأشير اللازم على طلبات حجز الاعتمادات التي يقرّرها المجلس، ومراقبة قانونية الانفاق، ولا صلاحية له لربط المتعهدين به مباشرة. ويرى متابعون أنّ النزاع يتجاوز الجانب الإداري إلى صراع على النفوذ والسيطرة على حركة المتعهدين والمشاريع العامة في المجلس، بما يتيح توظيفها لمصالح حزبية مرتبطة بنصر المحسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي.
وقد أكدت رئاسة الحكومة في كتاب لنصر مطلع تشرين الأول الفائت أنّ "مجلس الإنماء والإعمار غير خاضع لصلاحية مجلس الخدمة المدنية، باستثناء بعض المسائل الوظيفية، وأن كشوفات المتعهدين تدخل ضمن الشؤون التنظيمية الداخلية للمجلس وتقع تحت صلاحيات رئيسه بوصفه رئيس الإدارة".
وردًا على اعتراض نصر على قرار المجلس ترفيع موظفين ضمن الملاك، معتبرًا أنّ الأمر يستلزم إجراء مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية، سألته رئاسة الحكومة في كتاب لاحق، عن "الاستنسابية في منح أو حجب التأشيرات اللازمة على طلبات حجز الاعتمادات، وفي التعامل مع المعاملات التي يوقّعها هؤلاء الموظفون، ورفضه توقيع بعضها بحجة أنها غير قانونية، وتوقيعه البعض الآخر". كما ذكّرته بعمليات ترفيع حصلت سابقًا من دون اعتراض من مفوضي الحكومة المتعاقبين، بمن فيهم نصر نفسه.
إلا أن مفوض الحكومة صعّد المواجهة، وتقدّم بطعن لدى مجلس شورى الدولة في قرارَي مجلس الإنماء والإعمار المتعلّقين بالموظفين وكشوفات المتعهدين، مخالفًا توجيهات رئاسة الحكومة. واستند في طعونه إلى رأيين استشاريين قدّمتهما مشموشي حول صلاحياته في التعاطي مع المقاولين وعدم قانونية ترفيع الموظفين، رغم إقرار مشموشي في مستهل رأيها بأنّ مجلس الخدمة المدنية ليس صاحب اختصاص في علاقة مفوض الحكومة بالمجلس.
وردّت رئاسة الحكومة بإدراج الملف على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الذي اتّخذ في 23 تشرين الفائت قرارًا لمصلحة المجلس/ وحدّد على 12 صفحة حدود صلاحيات نصر. ومع ذلك، يشير بعض المصادر إلى أنّ نصر "ماضٍ في متابعة الطعون التي قدمها".
واللافت أنّ نصر، عندما شغل سابقًا منصب مفوّض الحكومة لدى "الإنماء والإعمار" بالتكليف، وقّع قرارات ترقية موظفين من دون إجراء مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية.
وعندما استفسرت الحكومة عن الأمر، أجاب أنّه "كان مكلفًا في الوقت نفسه بمصلحة السكك الحديد، ولم يكن لديه الوقت للاطلاع على النصوص القانونية".
ولفتت مصادر متابعة إلى أنّ "آلية التعيينات الإدارية التي اعتمدت لاختيار مفوّض حكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار، أضافت إليها مشموشي شرطًا يقضي بأن يتمتع المرشح بسنوات خبرة محدّدة ضمن الفئة الأولى في القطاع العام، وهو شرط يضمن فوز نصر الذي سبق أن شغل المنصب بالتكليف".
وعلمت "الأخبار" أنّ سلام وجّه عتابًا لمشموشي بسبب التأخر غير المبرّر، لأشهر عدة، في إصدار مراسيم تعيين السفراء، من بينهم سفير لبنان لدى السعودية.
وتوضح المصادر أنّ سبب المماطلة يعود جزئيًا إلى دعم سلام لوزير التنمية الإدارية فادي مكي، الذي يشكو من امتناع مشموشي عن تزويده ببيانات مرتبطة بإدارات الدولة، في إطار صراع حول ملف التحوّل الرقمي الذي تتولاه وزارة التنمية الإدارية منذ سنوات، وترى مشموشي أنّ لمجلس الخدمة المدنية صلاحية التدخل فيه لارتباطه بالإدارة مباشرة.