خاص العهد
مع اقتراب انتهاء مهمّة قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" في جنوب لبنان نهاية عام 2026، تتكثّف الجهود الدبلوماسية والعسكرية لرسم ملامح المرحلة المقبلة، في ظلّ تنافس حاد بين الولايات المتحدة وفرنسا، وضغوط "إسرائيلية" تسعى إلى فرض ترتيبات أمنية جديدة تضمن سيطرتها على الحدود مع لبنان خوفًا من تعاظم قدرات حزب الله.
صيغة جديدة للقوات الدولية وآلية السحب التدريجي بدأت
وفي هذا السياق، تكشف الصحافيتان آمال خليل وميسم رزق عبر موقع "العهد" الإخباري، معطيات دقيقة حول خرائط القوى الدولية وخطط إنشاء قوة بديلة بصلاحيات أوسع، وما يحمله ذلك من تأثيرات مباشرة على السيادة اللبنانية وعلى مستقبل الجنوب.
وفي حديث لموقع "العهد"، أكدت الصحافية آمال خليل أنّ قرار مجلس الأمن قبل أشهر بإنهاء مهمّة "اليونيفيل" في لبنان لم يكن كافيًا لدفع الأمم المتحدة والدول المساهمة في القوات الدولية، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى التخلّي عن نفوذها في لبنان، ولا سيما على حدود فلسطين المحتلة، وأوضحت أنّ هذه الدول، رغم اختلاف حجم مساهمتها العسكرية، تعتبر أنّ وجودها عبر "اليونيفيل" يشكّل مدخلًا للتأثير في مصير المنطقة الحدودية.
وأشارت خليل إلى أنّ الحديث عن بديل للقوات الدولية بدأ مبكرًا، وأنّ الدول المعنية لم تكن لتوافق على إلغاء حضور الأمم المتحدة جنوب لبنان. ولفتت إلى أنّ النقاش في الكواليس يدور منذ أشهر حول صيغة جديدة لقوة دولية معزّزة أو متعددة الجنسيات، وهي صيغة تقترب من التحقق مع بحث لبنان ومجلس الأمن بشكل جدي عن "الشكل المقبل لليونيفيل" بعد انتهاء مهمتها نهاية عام 2026. وأكدت أنّ عملية السحب التدريجي أو خفض عديد الوحدات الدولية قد بدأت فعليًا منذ نحو شهرين.
"الولايات المتحدة و"إسرائيل" ترفضان أن يحلّ الجيش اللبناني مكان اليونيفل
وترى خليل أنّ ما يُطرح اليوم هو قوة دولية جديدة مختلفة في مهماتها، قد تُمنح صلاحيات أوسع مما كان ممنوحًا لليونيفيل، وتشمل تفتيش منازل المدنيين، إقامة حواجز، توقيف المواطنين، والتدقيق بالهويات على نحو يشبه دور الأجهزة الأمنية المحلية، وبيّنت أنّ ذلك يأتي بينما تبرّر الولايات المتحدة رغبتها في إنهاء مهمّة "اليونيفيل" بعجز مالي، رغم مساهمتها بنسبة 23% من ميزانيتها، في حين يتّضح لاحقًا أنّ واشنطن مستعدّة لتمويل القوّة البديلة لأنها "لا تستطيع ترك لبنان"، وأضافت: "الولايات المتحدة و"إسرائيل" لا تثقان بالجيش اللبناني، وبالتالي لا ترغبان في أن يحلّ محل اليونيفيل، بل تسعيان إلى قوة دولية تتولى مهام تخدم المصالح "الإسرائيلية"، على غرار ما تقوم به بعض آليات التنسيق الحالية. وتشير إلى أنّ هذه القوّة قد تفرض إجراءات مشددة أبرزها إقامة حواجز عند مداخل جنوب الليطاني، بحيث قد تُقيّد حرية تنقل السكان بين القرى والمناطق، وصولًا إلى اشتراط تصاريح أو تبرير للزيارات.
قبضة أمنية مشددة عند الشريط الحدودي
خليل حذّرت من أنّ المنطقة مقبلة على "قبضة أمنية مشددة"، خصوصًا على الشريط الحدودي، وتوقّفت عند مشروع أبراج المراقبة الذي تعمل عليه بريطانيا، مشيرة إلى أنّ لندن سبق أن نفذت مخطّطًا مماثلًا على الحدود الشرقية مع سورية، وتسعى اليوم إلى تمديده نحو الحدود مع فلسطين المحتلة عبر مراكز الجيش اللبناني. ورغم أنّ الجيش أقام سابقًا أبراج مراقبة قانونية على طول الخط الأزرق، فإنّ العدوّ دمّرها جميعًا مع بدء العدوان.
كذلك طرحت الخليل تساؤلات حول ما إذا كانت الأبراج الجديدة التي تنشئها بريطانيا ستُستخدم من قبل الجيش اللبناني أم ستتحوّل إلى أدوات بيد القوّة الدولية المقبلة لصالح "إسرائيل"، خصوصًا أنّ أحد هذه الأبراج أُنجز بالفعل في منطقة العويضة بين الطيبة وعديسة؟.
وتتابع بطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت "إسرائيل" ستسمح للجيش باستخدام هذه الأبراج التي تشرف على فلسطين المحتلة، أم ستوجّه لاستخدامها باتّجاه الداخل اللبناني، على غرار مشروع كاميرات المراقبة الذي حاولت اليونيفيل تمريره قبل ثلاث أو أربع سنوات ولم يكن موجّهًا نحو الأراضي المحتلة؟
قيادة القوّة الدولية المقبلة بين واشنطن وباريس..
بحسب خليل، هوية قيادة القوّة الدولية المقبلة تخضع لميزان نفوذ بين واشنطن وباريس، إذ تتنافس الدولتان على إدارة الجنوب بعد وقف إطلاق النار، وهو تنافس ظهر بوضوح في تباين مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمسؤولين الأميركيين و"الإسرائيليين".
وتشير إلى أنّ فرنسا اشتكت مرارًا من استحواذ الولايات المتحدة على إدارة العمليات في جنوب الليطاني، ما أدّى إلى تقويض دور اليونيفيل وفرنسا نفسها بصفتها نائبة رئيس لجنة "الميكانيزم". وتؤكد الخليل أنّ واشنطن تسعى إلى تشكيل القوّة الجديدة وفق مصالحها، كما فعلت في قرار إنهاء مهمّة اليونيفيل، رغم اعتراض فرنسا.
الإمارات على الخطّ وشرطة محلية مرتقبة
وتكشف أنّ حديثًا يدور عن مشاركة دول عربية، وعلى رأسها الإمارات، ولكن في الإطار الاقتصادي فقط، فيما ستبقى الإدارة الأمنية والعسكرية بيد الولايات المتحدة التي تسعى إلى توسيع عمل "الميكانيزم" ليصبح قوة عسكرية ميدانية أشبه بـ"شرطة محلية"، ما يشكّل مسًّا مباشرًا بسيادة لبنان.
أميركا و"اسرائيل" لا تريدان اليونيفيل
من جهتها، تحدّثت الصحافية ميسم رزق لـ"العهد" عن أنّ "إسرائيل" والولايات المتحدة حاولتا خلال مرحلة التجديد لليونيفيل الدفع باتجاه إنهاء مهمّتها لأنّ "العدو "الإسرائيلي" لا يريد أي قوة في المنطقة العازلة غير وجوده"، مشيرة إلى أنّ الاحتلال افتعل مشكلات مع اليونيفيل واستهدفها لإيصال رسالة برفض وجودها، ما أدى في النهاية إلى اتّخاذ قرار إنهاء المهمّة مع بداية 2026.
وتوضح رزق أنّ الأوروبيين، وخصوصًا الفرنسيين، ما زالوا يضغطون للبقاء، إذ يعتبرون جنوب لبنان "آخر قدم عسكري" لهم في المنطقة. ولذلك يقومون بجولات على المسؤولين اللبنانيين لتعزيز المطالبة باستمرار وجود اليونيفيل.
وحذّرت رزق من أنّ غياب اليونيفيل سيكون "خطيرًا جدًا"، لأنّ غياب أي قوة أجنبية سيُطلق يد "إسرائيل" بالكامل، فيما يصبح تحرك الجيش اللبناني أكثر صعوبة، ما يجعل المنطقة قابلة للاشتعال بأي لحظة.
وتتوقف رزق عند دور بريطانيا في إنشاء أبراج المراقبة، مؤكدة أنّه مشروع قديم يشمل الحدود مع سورية والجنوب، وأنّ "إسرائيل" تحصر هذا الدور بالبريطانيين لأنها تعتبرهم "شريكًا أساسيًا" ينفّذ المهام المطلوبة في مراقبة نشاط المقاومة. وتضيف أنّ الاحتلال لديه أيضًا مشكلة مع الموقف الفرنسي الذي أدان أكثر من مرة الاعتداءات والخروقات "الإسرائيلية".