اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي تطوير المناهج.. ما الهدف من مشروع حذف المادّة الدينية من البرنامج الزمني للمدارس؟ 

مقالات

تعيين مدني لرئاسة وفد لبنان المفاوض.. إرساء تهدئة أم استجلاب لتصعيد أكبر؟
مقالات

تعيين مدني لرئاسة وفد لبنان المفاوض.. إرساء تهدئة أم استجلاب لتصعيد أكبر؟

145

كاتب من لبنان

فتح تعيين شخصية مدنية رئيسًا للوفد العسكري إلى المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو "الإسرائيلي" بابًا واسعًا للجدل حول خلفيات هذه الخطوة المفاجئة والنتائج المترتبة عليها.

ومن الأسئلة التي تُطرح في هذا السياق:
 - ما هي خلفيات هذا التعيين؟ هل يرتبط الأمر بضغوط أميركية أم برؤية لبنانية لتطبيق القرار 1701 دون سواه من طلبات وشروط "إسرائيلية"؟ وما علاقة هذه الخطوة بالتهديدات "الإسرائيلية" للبنان التي نقلها المسؤولون الأميركيون في الأسابيع الأخيرة؟
 - هل هناك احتمال لتغييرات أخرى في تركيبة الوفد اللبناني وفي جدول أعمال المفاوضات ربطًا بالضغوط الأميركية والتهديدات "الإسرائيلية"؟ أم أن الجانب اللبناني الرسمي حدد سقف المفاوضات ويعرف طريقه ويلتزم به رعاية للتوازن الداخلي والمصالح الوطنية الكبرى؟
 - هل سيؤثر ذلك على وتيرة الاعتداءات "الإسرائيلية" على لبنان، خاصة أن هناك غارات استهدفت بلدات لبنانية عدة في اليوم التالي على هذه الخطوة؟ 
 - ما علاقة ذلك كله بالتطورات في غزّة وسورية، حيث تتعثر خطة وقف النار في غزّة، ويخيم الجمود الظاهر على المفاوضات السورية - "الإسرائيلية" الهادفة للتوصل إلى اتفاقية أمنية؟ 

من الواضح أن خطوة تعيين شخصية مدنية لترؤس وفد لبنان إلى المفاوضات غير المباشرة ترتبط بمجموعة ظروف: 
ضغوط أميركية علنية من أجل التفاوض المباشر بين لبنان والعدو، وإنهاء حال العداء وصولًا إلى إقامة علاقات "طبيعية" بين الجانبين، في مسعى لتحقيق اختراق على المسار اللبناني يسهم في دفع الأمور على المسارين السوري والفلسطيني، وفق ما يشتهي الجانبان الأميركي و"الإسرائيلي". 

غارات وانتهاكات "إسرائيلية" يومية وتهديدات بتصعيد أكبر ضدّ لبنان ضُرب له موعد بعد نهاية العام الجاري، واضطلع الأميركيون بدور فاعل في نقل وإشاعة هذه التهديدات. 

حملة أميركية و"إسرائيلية" على الجيش اللبناني، تمثلت باتهامات "إسرائيلية" للجيش بعدم القيام بدوره في "نزع سلاح حزب الله"، خلافًا لشهادات الأمم المتحدة، وإلغاء مواعيد لقائد الجيش اللبناني خلال زيارته التي كانت مقررة إلى واشنطن الشهر الماضي وتم إلغاؤها. 

تغيير في مسار التفاوض؟
حاول لبنان الرسمي تقديم ما جرى من تغيير في رئاسة الوفد الإيحاء بأن الأمر لا يتعدى العمل من أجل تحقيق المطالب اللبنانية لجهة وقف الانتهاكات "الإسرائيلية" لاتفاق وقف النار وتحقيق الانسحاب "الإسرائيلي"  من الجنوب وإطلاق الأسرى اللبنانيين وترسيم الحدود البرية. في المقابل، صرح مكتب رئيس وزراء العدوّ بأنه "تم الاتفاق في اجتماع الناقورة على صياغة أفكار لتعزيز التعاون الاقتصادي المحتمل بين "إسرائيل" ولبنان"، فيما تحدثت قناة LBCI استنادًا إلى مصادر غربية عن "تخصيص حيّز واسع من النقاش للشق الاقتصادي، ولا سيما إمكان التعاون الاقتصادي بين لبنان و"إسرائيل" في الجنوب، كخطوة لبناء الثقة بين الجانبين". 

ويبدو من المعطيات المتقاطعة أننا أمام أكبر من تغيير بسيط في رئاسة الوفد وأقل من عملية تفاوض سياسية كاملة. فالتغيير الذي حدث في الجلسة الأخيرة يستبطن بداية تحول في مهمّة لجنة "الميكانيزم" من إطار أمني كان مناطًا بالعسكريين، إلى إطار أمني - سياسي يتطلب إدخال عنصر أو عناصر مدنية فيه. وثمة من يقرؤه على أنه تخفيف للضغط عن كاهل المؤسسة العسكرية اللبنانية التي تتعرض لضغوط أميركية متزايدة. ويعوّل العدوّ على هذا التحول من أجل توسيع نطاق جدول الأعمال إلى قضايا اقتصادية وسياسية. ويشير حديث وزير حرب العدوّ يسرائيل كاتس عن تأييده إعادة النظر في اتفاقية الترسيم البحري التي وُقّعت مع لبنان برعاية أميركية عام 2022 إلى توجه للاستفادة من اللحظة الحالية بهدف تحصيل أكبر قدر من المكاسب، ولو أن بعض المراقبين يرى أن إثارة الموضوع الآن قد تكون مرتبطة بأهداف انتخابية "إسرائيلية" أو ربما التأثير على عملية ترسيم الحدود البرية مع لبنان. ولا يغيب البُعد الاقتصادي عن جدول الأعمال الأميركي - "الإسرائيلي"، في ضوء ما طرحه الرئيس الأميركي من إقامة منطقة صناعية محل القرى اللبنانية التي دمّرها العدوّ في فترة ما بعد وقف النار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. ومثل هذا الطرح يلاقي الرؤية "الإسرائيلية" الهادفة إلى إقامة منطقة عازلة خالية من السكان في القرى اللبنانية الحدودية، كجزء من إستراتيجية أمنية توسعية يتم اعتمادها في قطاع غزّة وجنوبي سورية وصولًا إلى جنوبي لبنان، كما يحتاج الأميركيون في الوقت نفسه إلى إنجاز سياسي يُسوّق كجزء من صفقة إقليمية أكبر. ومن هنا، يتوجب النظر إلى المحاولات الهادفة إلى تغيير بُنية الوفود المشاركة في المفاوضات على أنها مقدمة محتملة نحو تغيير موضوعات التفاوض.

 ويتم دفع لبنان دفعًا إلى قبول هذه الطروحات على وقع التهديدات والغارات "الإسرائيلية". ويستخدم العدوّ الآلة الحربية أداة لخلخلة الموقف السياسي اللبناني، كما يعمد إلى إجهاض محاولات عودة الأهالي إلى الحياة الطبيعية. وتُوفّرُ هذه الاعتداءات المتمادية ذخيرة للفريق اللبناني الذي ينادي بفتح باب التفاوض مع العدوّ على مصراعيه، في استغلال لظروف ما بعد الحرب الأخيرة من أجل فرض واقع جديد يغير مسار البلد كليًا. 

تنازل لا ينفي التصعيد "الإسرائيلي"
قد يناقش بعضهم بأن رفع مستوى الوفد المفاوض يرمي إلى تعطيل أهداف التصعيد "الإسرائيلي". غير أن هذه الخطوة لم تقترن بأية ضمانات في هذا المجال، والدليل على ذلك أن اليوم التالي لاجتماع لجنة وقف النار شهد موجة إنذارات وغارات معادية استهدفت أربع بلدات جنوبية. بالإضافة إلى ذلك، يُحكى أن خطة التصعيد "الإسرائيلية" لا تزال على الطاولة، ما يشير إلى أن العدوّ لا يُضمر تقديرًا للخطوة اللبنانية أو اهتمامًا بالعودة إلى موجبات وقف النار. وهو قد يلجأ إلى التصعيد بهدف توسيع شُقة الخلاف بين المكونات السياسية اللبنانية بشأن التعامل مع الوضع الحالي، الأمر الذي يضع المعنيين في الدولة اللبنانية أمام تحدٍّ يتطلب التفكير المسبق في الرد على مثل هذا السيناريو. 

وعليه، فإن ما حصل حتّى الآن هو نقطة لمصلحة الطرف الأميركي - "الإسرائيلي"  الذي يريد إغراق لبنان بالتزامات من شأنها أن تؤدي إلى وضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم بعضًا. ومن غير المستبعد في ظل المنطق السياسي المتبع أن يصار إلى تغييرات إضافية في تركيبة الوفد المفاوض، ودائمًا على وقع التهديد والغارات. ويتم تبرير الأمر في هذه الحالة على أن ما باليد حيلة، وأن المطلوب دفع الخطر الماثل عن لبنان. وفي الحقيقة، فإن الهروب إلى الأمام من دون سقف تفاوضي أو وضوح في الرؤية قد يضع لبنان على شفا أزمة كبرى تعيد إلى الذاكرة ما حصل في فترة المفاوضات التي قادت إلى اتفاق 17 أيار/ مايو 1983. وحتّى مع القول إن الظروف الإقليمية تغيرت بالمقارنة مع تلك الحقبة، فإن العوامل الداخلية لا تساعد على تمرير اتفاق مماثل، لأن التوافق اللبناني شرط ضروري لنجاح أي خطوة كبرى، والشواهد على ذلك عديدة، إلا إذا كان بعضهم يراهن على التلاعب بالتوازنات الداخلية، من دون السؤال عن الثمن والتداعيات. 

وتوجد مخاوف من دفع لبنان نحو طاولة تفاوض تمتد إلى ما هو أبعد من الخط الأزرق، وفق سيناريو على الشكل التالي:
يطرح العدوّ طلبات على طاولة المفاوضات.
يرفضها لبنان أو يتريث حيالها.
تعلن واشنطن أن الحكومة اللبنانية "لا تتجاوب".
يتحول ذلك إلى ذريعة لعمل عدواني جديد.
هذا السيناريو ليس خياليًا، فقد استخدمته واشنطن سابقًا في أكثر من ساحة، وكان الاتهام مقدمة للتصعيد العسكري. 

على الرغم من هذا التصور المتشائم، فإن الموقف الرسمي ما زال يتسم بنوع من الحذر في مقاربة موضوع المفاوضات، على الأقل على المستوى اللفظي. وجاءت توضيحات الرؤساء الثلاثة بتعبيرات متفاوتة لتشير إلى أن الوضع الداخلي غير جاهز لتقبُّل التطبيع أو الذهاب بعيدًا في التفاوض السياسي، لما له من تداعيات على الوفاق الوطني، خاصة مع عدم اتضاح مسار الأمور في الأفق الإقليمي، الأمر الذي يتطلب رصدًا دقيقًا للأحداث وعدم الاستعجال في اتّخاذ أي خطوة قد ترتدّ سلبًا على موقف لبنان السياسي وحقوقه في البر والبحر، فضلًا عن مطلب وقف الانتهاكات "الإسرائيلية" والانسحاب الناجز من الأراضي اللبنانية المحتلة. 

في المحصلة، يُعدّ تعيين السفير السابق سيمون كرم خطوة مفاجئة في توقيتها، ومخالفة لسياقات الموقف الرسمي الذي كان يطالب بتحقيق التزام "إسرائيلي" باتفاق وقف النار، قبل تقرير أي خطوة إضافية. وقد يؤدي ذلك إلى تحريك للمفاوضات، لكنّه يضع الحكومة أمام مسؤولية الإجابة عن أسئلة كبرى:
 - ما هو سقف التفاوض أو "الخطوط الحمراء"؟ 
 - هل يملك لبنان خطة تفاوض أساسًا؟ 
 - هل سيدخل لبنان المفاوضات بحثًا عن تهدئة، أم هربًا من حرب محتملة؟ وفي الحالة الثانية، هل يقود الفرار من الحرب إلى الوقوع في ما يُخاف منه، وفق السيناريو المبيَّن أعلاه؟ 
 - وهل يستطيع لبنان أن يقول "لا" إذا جاء وقت قولها؟

الكلمات المفتاحية
مشاركة