اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي إيران تستعد لحروب مستقبلية.. التكتيكات الاستباقية في صميم خططها

نقاط على الحروف

ارتكابات
نقاط على الحروف

ارتكابات "قواتية" بالجملة.. والكل شهود!

88

كاتبة من لبنان

لم يتناغم الخطاب "القواتيّ" يومًا مع السرب الوطني، ولو بالحدّ الأدنى من أدبيات الوطنية، ولذلك ليس صادمًا أن تراهم يغرّدون خارج سرب مصلحة البلد. إلّا أنهم في الآونة الأخيرة، باتوا أكثر حرصًا على عدم التقاطع مع أي خطاب يمثّل المصلحة الوطنية، ويتعمدون بشكل كبير تظهير التماهي التام مع العدوّ، إذ اعتمد المتكلمون منهم على انتقاء العبارات الأكثر صراحة ووضوحًا في معاداة لا سلاح المقاومة وحسب، بل كلّ ما يمتّ لها بصلة: حتّى لفظة "مقاومة" هي جريمة تستوجب العقاب بمعايير شارل جبور رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "القوات": "‏أي حدا بقول كلمة مقاومة لازم ينحط بالحبس"!. 

هذا الخطاب، الذي وإن كان موغلًا في الزمن وعتيقًا في لغة "القوات"، أصبح اليوم قوتًا يوميًّا للغارقين في وهم تحقّق حلم "إسرائيل" وتحوّل لبنان من بلد مقاوم استطاع هزيمة "إسرائيل" مرارًا إلى كيان ملحق بالكيان الصهيوني، إن لم يكن ذائبًا فيه تمامًا. 

لا يكاد يوم يمرّ من دون أن تظهر شخصية "قواتية" على الشاشات لتقدّم هذا الخطاب المعادي بالكامل للأرض وللناس، هذا الخطاب العنصري والإلغائي والمتلذّذ علانية بالدعوة إلى إبادة أهل الأرض.. من شارل جبور إلى غادة أيوب ومن فادي كرم إلى يوسف رجّي، تسكن المفردات الجعجعية اللغة التي يتحدثون بها، تسمعهم وبصعوبة تصدّق أنّه يمكن لأحد بلوغ هذا المستوى من المجاهرة بالانسجام مع العدوّ، بل والتباهي بالمشتركات معه وبالمصلحة الواحدة التي تجمعهم به: الرغبة بالقضاء على المقاومة. 

في الأيام الأخيرة، أمكن للمشاهد أن يتابع التجليّات "القواتية" التي احتلت مساحة الشاشات بلغة ومفردات تستعدي الناس أكثر من الأميركي نفسه، وتراهن على تحقّق المصلحة المعادية أكثر من العدوّ نفسه: من التحريض والتضليل الهادف إلى اختلاق ذرائع لقتل الجنوبيين واستهداف بيوتهم، إلى المجاهرة بالعداوة ضدّ المقاومة وبالرغبة بمسالمة الصهاينة. 

أطلّ النائب "القواتيّ" فادي كرم، من على شاشة "الحدث" ليقول إن بيوت المدنيين في الجنوب هي في الواقع ثكنات ومراكز عسكرية تستخدمها المقاومة: ليست منازل وإنّما ثكنات مموّهة، وهو بذلك يتماهى مع الصهاينة بل ويزايد عليهم، إذ يتذرعون بوجود أسلحة وذخائر في البيوت المدنية التي يستهدفونها. كرم لا يكرّر ادعاءاتهم الكاذبة وحسب، بل يضيف عليها الادّعاء بأن كلّ البيوت الجنوبية ليست "منازل". وبذلك يُسجّل كرم لـ"القوات" دخولها على خطّ العدوان كشريك حقيقي وليس مجرّد مشجّع أو مناصر. 

بدورها، أكدت النائبة "القواتية" غادة أيوب في لقاء عبر شاشة LBC أن موعد الضربة الكبرى للمقاومة في لبنان هو ما بعد رأس السنة. تحدثّت بلهجة من جرى إبلاغه بموعد مبرم، ولولا المعرفة المسبقة بالحجم الذي تمثله النائبة أيوب، لظنّ السامع أنّها فعلًا قد تلقّت تبليغًا مسبقًا من العدوّ. بالمنطق، لا يمكن أن تبلّغ الأدوات بمواعيد ولكنّها تتلقى التعليمات بالمواضيع التي يحب عليها الحديث فيها وعنها، في إطار الحرب النفسية والضخّ التهويليّ. وهنا نودّ أن نذكّر أيوب، أن الموعد التي حدّدته للضربة ليس الأول من نوعه، فقد سبقها كثر في تحديد مواعيد وهمية، وأن عنصر المباغتة معتمد لدى العدوّ بشكل دقيق، مع تقديرنا الشديد لمتابعتها الحثيثة لأولويات العدوّ وحرصها الظاهر على حقّه بالأمن!. 

نصل إلى وزير خارجية "القوات" يوسف رجّي، الذي سوّد وجه جميع حاملي الصفة الدبلوماسية العاملين في عهده بسبب البدع التي يرتكبها بحق البلد وسيادته، إذ يطيح بأدنى مقوّمات الكرامة الوطنية ولن تكون آخر مآثره مشهدية الانبطاح في حضرة أورتاغوس إذ سألته إن كان سيزور إيران، ليجيبها بلغة ولد مستعبد يحرص على رضا معلّمه ويؤكد له أنّه لن يخالف له أمرًا. بأدنى معايير السيادة والكرامة حتّى، وجب أن يعتبر رجي سؤال أورتاغوس تدخلًّا بالشأن اللبناني، ولا شك أن أورتاغوس نفسها صُدمت من إجابته: كلا لن أزور بلدًا يتدخل بالشأن اللبناني. ولو امتلكت المعلّمة الأميركية بعضًا من حسّ الفكاهة لقالت له: سيكون علينا أن نلغي تأشيرتك إلى الولايات المتحدة إذًا. ومن الجيد أنّها لن تفعل، فالرجل قد لا يحتمل صدمة كهذه!. 

وختامها شارل جبور. احتل الرجل مساحة شاسعة من الفضاء الإعلامي، لا لقدرات إعلامية وتواصلية وإنّما بسبب تقديمه فقرات كوميدية سياسية للتمويه عن النفس. للأمانة، لم ينجح قبل جبور أحد في إتقان الخطاب الخياني بهذا المقدار من الوضوح. والمضحك في الأمر أنّه يقدّمه بكلّ جدية وثقة، ولشدة يقينه بـ"إسرائيل"، يبدو وكأنه قد غادر عالمنا الواقعي وبات يعيش في عالم وهمي تمكّنت فيه "إسرائيل" من انتزاع فكرة المقاومة ومحوها حتّى من ذاكرة الناس: تارة يتباهى بكونه شُبّه بنتنياهو أو بأحقر ناطق في جيش العدو، وطورًا يدعو إلى إبادة "الشيعة" في لبنان، مرّة يُمهل الرئيس الأميركي لساعات كي يسحق المقاومة في لبنان، ومرّة يصرّح أنّ عدوّه هو حزب الله وليس "إسرائيل"، داعيًا إلى التعاون بكلّ السبل مع "الإسرائيلي" بهدف تحقيق المصلحة المشتركة المتمثلة بالقضاء على حزب الله. وللذهاب إلى أقصى الكوميديا، يتنقل جبور بين الشاشات ليدلي بهذه الخطابات، مناديًا بدولة المؤسسات، مهدّدًا هذا وذاك بالقضاء، وحين حكم عليه القضاء نفسه بجرم الإساءة لنائب لبناني، أساء للقضاء وتحدّى القرار بإعادة نشر التغريدة موضوع الحكم! 

 إذًا، مع نموّ وهم الفدرلة في النفس "القوّاتية"، ومع مظاهر الحنين الجليّة إلى دويلة جسر المدفون وسلطة حاجز البربارة، لا تخفي "معراب" بين سطور خطابها الذي يتغنّى بدولة المؤسسات مساعيها إلى لعب دور الدويلة الشريكة في العدوان على لبنان، الأرض والناس والمؤسسات، وإلى إبراز تماهيها التام مع كلّ ما يرد من "تل أبيب". لعلها نخوة "قواتية" لنصرة الصهاينة ولو بالكلمة، ما دامت عاجزة عن نصرتهم بأساليبها القديمة المشتاقة للعودة.

الخطاب الجعجعي، بمختلف الناطقين به، وعلى صغر حجمهم التمثيلي وقيمتهم المعنوية، هو اليوم خطاب حرب على لبنان بكلّ المعايير، ولعل زيارة الحبر الأعظم الأخيرة والتي أظهرت أنّ اللبنانيين بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم يلتفون مع بعضهم البعض حول أرضهم، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل والعناوين، جميعهم في جهة، ووحدها "القوات"، في سرب الطموح المتجدّد لتكريس مشروع صهينة لبنان، تقف عاجزة عن تحقيق المشروع، وينكشف عجزها في كلّ حدث ومناسبة، ولعل هذا ما يفسّر الامتعاض "القواتيّ" الواضح من مجريات استقبال البابا في مختلف المناطق اللبنانية التي مرّ بها، والتي تشارك خلالها اللبنانيون التعبير عن ثقافة العيش المشترك والسعي إلى الأمن والسلام. فالمشهد بحدّ ذاته، لا يكشف فقط ضعف "القوات" محليًّا وإنّما يفضح هذا الضعف أمام عين العدوّ التي تودّ لو يمنحها من جديد وكالة أو صكّ شراكة. هذا الضعف الذي عبثًا يستميت "القواتيون" في محاولة إخفائه وتمويهه بالإكثار من الظهور الإعلامي التصعيدي والمعادي للبلد وأهله. 

يجري كلّ هذا وأكثر على مرأى المؤسسات القانونية والدستورية التي من واجبها التدقيق في المواد الإعلامية والخطاب السياسي في البلد ومنع تحوّله إلى خطاب منسوخ عن العبرية! يجري ذلك ولم يتحرك لا القضاء ولا المجلس الوطني للإعلام لمساءلة ومحاسبة المذكورة أسماؤهم على ارتكاباتهم المشهودة والتي من السهل تصنيفها تحت عنوان الخيانة، والذي يتضمن بالإضافة إلى التصريح عن الولاء لكيان الاحتلال، التحريض على القتل، والعمل على تحقيق مصالح العدو، وتهديد السلم الأهلي، إلى ما هنالك من مسميّات قانونية لارتكابات وانتهاكات باتت تجري بالصوت والصورة، مذيّلة بفخر مرتكبيها، ووقاحتهم التي أقل ما يُقال فيها: "مش هينة!"

الكلمات المفتاحية
مشاركة