مقالات
كاتب فلسطيني من غزة
حاصل على شهادتي بكالوريوس علوم قانونية وإدارية
ودورة في القانون الدولي
وقتما يرى الغربي أنّه حان وقت التفاوض مع العرب، وهنا مصر وبريطانيا نموذجًا، كانت توضع عدة مفاتيح أمام المفاوض البريطاني، منها ما قاله كليبر، نائب نابليون في الحملة الفرنسية، حيث قال "كلما قدمت شيئًا بحسن نيّة، ظنّوه ضعفًا، وحين أكون حادًا أراهم تحت أقدامي".
ويبدو أنّ نتنياهو تعلّم هذا الدرس، حيث كنّا نلاحظ في الماراثون التفاوضي على مدار عامين، من عمر الطوفان، أنّه يرسل الأشخاص الأكثر تشددًا وتطرفًا، أو يرسل مفاوضين بلا أيّ هامش حركة أو صلاحيّات، ناهيك عن خلفيتهم الدينية والسياسية والثقافية جميعًا، بأنّهم يرّون في العرب جميعًا "حيوانات بشرية"، ولم يساورهم الخجل من إعلان ذلك.
ولكن حين مقارنة هذا الصلف التاريخي الممتد، بسلوكيات العقل السياسي العربي، نجد أنّه لم يعِ دروسه جيدًا، وهذا حتّى نتجنب التجنّي، فنقول يعي لكنّه يتجاهل وعيّه، وذلك لشيء في نفس يعقوب. فأن يرسل لبنان مثلًا بمفاوضٍ مدنيّ، يتخذ من المقاومة خصمًا لدودًا، ويعتبرها مسؤولة عن كلّ الأزمات وانسداد الأفق، هنا ستكون النتيجة كما قال شيمون بيريز عن مفاوضات أوسلو: "كنا نفاوض أنفسنا".
كذلك يبدو العقل العربي الرسمي، أسيرًا لمصفوفةٍ مترادفة، لا تتوالد إلّا أشباهًا من البلاهة والبلادة، حدّ انطباق بيت شعرٍ نكائيٍّ ساخر، قيل منذ مئة عامٍ ويزيد، حين دخل الملك فيصل بن الشريف حسين دمشق، عبر مشروع انجليزي وسلاح انجليزي ومال انجليزي وأهداف انجليزية، قبل أن يبيعه الانجليز للفرنسيين كأبخس السلع، قال الشاعر "بسيفك لا بسيف الانجليزِ.. دخلت الشام "إيزي" ثمّ "إيزي"".
ولا زالت تلك المصفوفة تتوالد، العقل العربي الرسمي، يريد تحقيق كلّ الأهداف التي يعجز عن تحقيقها العدوّ عسكريًا وميدانيًا، مقابل بيت شعرٍ يخلدهم كأشقياء ومدعاةٍ للسخرية واللعنات، رغم عشرات التجارب التفاوضية، التي لم تنتج سوى الخراب، ويُراد تطبيع عقلك مع كلّ التنازلات، التي لا تأتي إلّا بالخراب وضياع الحقوق، باعتبارها "إيزي".
خطان متوازيان في لبنان، خطٌّ يتمسك بالسيادة والاستقلال والجغرافيا والثروة حقيقةً، وآخر يتمسك بالوصاية الأجنبية عبر تجويف معاني السيادة والاستقلال، خطٌّ يرى حقيقة الصراع، أنّه صراعٌ إلغائي، فالعدو ليس يخفي أطماعه في جغرافيا لبنان وثرواته، بل يعلنها دون الحاجة للتفتيش عن نواياه، وآخر لا يرى من الصراع إلّا مصالح شخصية ومذهبية وطائفية.
والخط الثاني يمتلك سلطة القرار، وليس من السهل إبقاء هذه السلطة حبرًا على الورق، خصوصًا في ظلّ استعجالٍ أميركيٍ وإقليمي، فضلًا عن أبواق الداخل، فيما الخط الأول، الذي يملك دعمًا شعبيًا لا يمكن التشكيك فيه، ويملك قدرةً على مواجهة العدوّ في أيّ عدوانٍ مفروض، يحاول جاهدًا عدم الوصول لنقطة التقاطع والصدام، والحفاظ على قاعدة التوازي كأضعف الإيمان.
والحفاظ على هذه القاعدة بحاجة لعدم المساس بعدة ثوابت وطنية، حتّى لا نسمّيها خطوطًا حمراء.
- أولها هي الجغرافيا اللبنانية، والإصرار على السيادة على كلّ الأراضي اللبنانية.
- ثانيًا التزام العدوّ بالاتفاق الموقع لوقف النار، بوقف الخروقات اليومية، والانسحاب الكامل وتحرير الأسرى.
- ثالثًا نقاش السلاح شمال الليطاني هو شأنٌ لبناني، وفي ظلّ إستراتيجية دفاعية، ولا نقاش فيه قبل التزام العدوّ بما اتُفق عليه جنوبًا.
- رابعًا عدم مصالحة الكيان والاعتراف به والتطبيع معه.
إنّ ادّعاء الحفاظ على السيادة، لا ينسجم مع قاعدة التنازلات المجانية للعدو بتعليماتٍ خارجية، كما أنّ ادّعاء حماية لبنان، لا ينسجم مع محاولات التخلّص من كلّ مَواطن القوّة فيه، فضلًا عن أنّ قاعدة الحماية عبر الانصياع والرضوخ، أثبتت فشلها مئات المرات حاضرًا وتاريخًا، فالعدو حين تعطيه إصبعك سيطالب بالكف ثمّ الذراع، والهدف النهائي هو رأسك.