مقالات
Former Lebanese government coordinator to UNIFIL .Former Director General of Administration . Former President of the Permanent Military Court
عميد متقاعد في الجيش اللبناني/ منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية
ورئيس المحكمة العسكرية السابق
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة. وقدّمت نفسها بوصفها حامية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وساعية إلى نشر النموذج السياسي الليبرالي حول العالم. غير أن دراسة مسار سياستها الخارجية تكشف أن هذا الخطاب الأخلاقي كان متداخلًا مع مصالح وأطماع إستراتيجية وجيوسياسية واقتصادية.
الحرب الباردة: الأمن أولًا والديمقراطية لاحقًا
شكّلت الحرب الباردة البيئة الأوسع التي صاغت فيها واشنطن سياستها الخارجية. ففي مواجهة الاتحاد السوفييتي، لم تتردّد الولايات المتحدة في دعم انقلابات عسكرية أو الإطاحة بحكومات منتخبة عندما رأت أن مصالحها مهدّدة.
أمثلة بارزة:
- إيران ١٩٥٣: أطاحت وكالة الاستخبارات الأميركية بحكومة محمد مصدّق بعد تأميمه النفط، في خطوة عكست مزيجًا من المصالح الاقتصادية والسياسية.
- غواتيمالا ١٩٥٤: سقطت حكومة جاكوبو آربينز المنتخبة بدعم أميركي بعد أن مسّت إصلاحاته الزراعية مصالح شركات أميركية نافذة.
فنزويلا: أطماع النفط والسيطرة:
- الولايات المتحدة تسعى إلى السيطرة على احتياطيات النفط الفنزويلي، وتدعم المعارضة الفنزويلية للإطاحة بالحكومة الشرعية. وتعطي تبريرًا لتدخلها هذا بأن فنزويلا تصدر المخدرات إليها.
- العقوبات الاقتصادية الأميركية على فنزويلا تهدف إلى إضعاف الحكومة وإجبارها على التنحي.
إفريقيا: سباق النفوذ الجديد
- الصين دخلت بقوة في مشاريع البنية التحتية والمعادن الحرجة في إفريقيا، ما دفع الولايات المتحدة إلى العودة إلى القارة عبر مبادرات اقتصادية وأمنية.
- الولايات المتحدة تسعى إلى الحفاظ على موطئ قدم في قارة تشهد تحولات كبرى، وتأمين مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية لما تختزنه إفريقيا من ثروات معدنية وثروات أخرى.
من فيتنام إلى العراق: التدخل العسكري تحت مظلة القيم
لعبت القوّة العسكرية دورًا محوريًا في تثبيت النفوذ الأميركي. وبينما رُفعت شعارات حماية الحريات، جاءت النتائج على الأرض أكثر تعقيدًا.
- فيتنام (١٩٥٥-١٩٧٥): حرب طويلة ودامية انتهت بتراجع أميركي كبير دون تحقيق الهدف السياسي المعلن.
- العراق ٢٠٠٣: غزو قُدّم بوصفه ضرورة لمنع انتشار أسلحة دمار شامل ونشر الديمقراطية وتبين أنها ادّعاءات كاذبة ومفبركة لتبرير الغزو.
القوّة الناعمة: وجه آخر للنفوذ
لم يقتصر النفوذ الأميركي على التدخلات العسكرية. فقد برزت الشركات التكنولوجية العملاقة، والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي، كأدوات قوية تؤثر في سياسات الدول النامية عبر شروط اقتصادية وإصلاحات مفروضة.
الحاضر الأميركي: نفوذ يتكيّف مع عالم متعدد الأقطاب
اليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام واقع عالمي جديد أقل قابلية للسيطرة وأكثر ازدحامًا بالمنافسين.
- الصين: المنافس الأكثر خطورة
- "الشرق الأوسط": إعادة تموضع لا انسحاب كامل
- أوروبا والحرب الأوكرانية: استعادة القيادة
خاتمة: بين الشعارات والمصالح
يكشف تاريخ الولايات المتحدة، كما حاضرها، عن علاقة معقّدة بين القيم والمصالح. فبينما ترفع واشنطن راية الديمقراطية، تتحرّك في الواقع وفق مصفوفة مصالح تتعلق بالطاقة، والتجارة، والتكنولوجيا، والتوازنات الدولية.
وفي النهاية تبقى حرب غزّة هي كاشفة عورة الغرب برمته وعلى رأسه أميركا، حيث سقط قناع الديموقراطية الكاذب وظهرت حرية الإعلام عندهم أنها النفاق بعينه وأن هذا الإعلام كان السلاح الأمضى في تشويه كلّ الحقائق لمساندة "إسرائيل" في ارتكابها للمجازر بحجة حقها في الدفاع عن النفس.
أما مساندة أميركا لـ"إسرائيل" في المحافل الدولية في كلّ قرار كان يصدر يدينها، فهذه حكاية أخرى لا بل هي كلّ الحكاية.