منوعات
يزداد استهلاك الكافيين بأشكاله المختلفة بين المراهقين، في محاولة لتعزيز التركيز وإطالة ساعات المذاكرة، لا سيما خلال فترات الامتحانات. ولم يعد الأمر مقتصرًا على فنجان قهوة أو مشروب سريع الذوبان داخل المنزل، بل امتد إلى مشروبات الطاقة عالية التركيز، وأخيرًا إلى ما يُعرف بـ«أكياس الكافيين» التي تُلصق باللثة لتمنح الجسم جرعات إضافية من التنبيه، إلى جانب ما يحصل عليه المراهقون يوميًا، الأمر الذي يعرّضهم لمخاطر صحية متزايدة قد تصل في بعض الحالات إلى التوقف المفاجئ لعضلة القلب.
ورغم أن الحد الأقصى المسموح به لاستهلاك الكافيين لدى المراهقين لا يتجاوز 100 مليغرام يوميًا، فإن الواقع يشير إلى تجاوز هذا السقف بكثير. ووفق مصادر طبية، يُعد الكافيين مادة منبهة تؤثر مباشرة في الجهاز العصبي المركزي، إذ تزيد من إفراز مواد كيميائية في الدماغ تعزز اليقظة والتركيز والنشاط، لكنها في المقابل قد تُحدث آثارًا جانبية حادة لدى الأجسام التي لا تزال في طور النمو.
وأصبح الكافيين جزءًا ثابتًا من طقوس المذاكرة اليومية، سواء عبر القهوة بأنواعها المختلفة، أو الشاي، أو المشروبات الغازية، أو الشوكولاتة، أو مشروبات الطاقة، وصولًا إلى بعض أنواع المسكنات وألواح الطاقة والعلكة، حيث تختلف كميات الكافيين في هذه المنتجات، لكنها غالبًا ما تتراكم على مدار اليوم لتصل إلى مستويات مقلقة. فالكوب الواحد من القهوة العادية يحتوي على نحو 95 مليغرامًا من الكافيين، بينما قد تصل العبوة الواحدة من مشروبات الطاقة إلى ما بين 170 و200 مليغرام، في حين تتفاوت أكياس الكافيين بين 25 و200 مليغرام للكيس الواحد.
ويحذر مختصون من أن التأثير السريع للكافيين يكون أشد على الأطفال والمراهقين، نظرًا لحساسية أجهزتهم العصبية والقلبيّة. فمع ارتفاع التوتر والضغط العصبي في أوقات الامتحانات، تتضاعف المخاطر الصحية، ويظهر ذلك في صورة سرعة الانفعال، وزيادة القلق، والأرق، واضطرابات النوم، ومشكلات الهضم وحرقة المعدة، إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم وخفقان القلب وتسارع ضرباته.
لكن الخطر الأكبر يكمن في الجرعات العالية جدًا، والتي قد تتحول إلى جرعات سامة. وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور محمد العيسوي، طبيب أمراض القلب والأمراض الباطنية، أنه يستقبل في عيادته عددًا متزايدًا من المراهقين الذين يعانون من مضاعفات الإفراط في استهلاك الكافيين. ويوضح أن المستويات المرتفعة من هذه المادة، حين تتزامن مع الضغوط العصبية، قد تؤدي إلى خلل كهربائي خطير في القلب، وهو ما قد يفضي في بعض الحالات إلى الوفاة المفاجئة، لافتًا إلى أن المخاطر تتضاعف لدى المراهقين المدخنين أو خلال فترات الضغط النفسي الشديد.
وتعترف منظمة الصحة العالمية بأن الاعتماد على الكافيين يُصنَّف اضطرابًا سريريًا، إذ تظهر على من يعتمدون عليه أعراض مثل الصداع والإرهاق، ما يدفعهم إلى مواصلة استهلاكه رغم محاولاتهم الفاشلة للتقليل منه. وتزيد هذه الصورة قتامة مع ما تشير إليه دراسات واستطلاعات حديثة من أن كثيرًا من الآباء لا يدركون حجم استهلاك أبنائهم للكافيين، في وقت أظهرت فيه بيانات أن نحو 73% من المراهقين في الولايات المتحدة يستهلكون الكافيين يوميًا.
في المقابل، يشير خبراء الصحة إلى وجود بدائل طبيعية وآمنة يمكن أن تساعد على تحسين التركيز واليقظة دون الحاجة إلى الكافيين، مثل شرب الماء بانتظام، والحصول على قيلولة قصيرة، وممارسة الرياضة، والتعرض لأشعة الشمس، وتحفيز الحواس بروائح طبيعية كالنعناع والليمون، إلى جانب مضغ العلكة وتناول الخضروات الورقية الغنية بالفيتامينات الداعمة لإنتاج الطاقة في الخلايا.
ويبقى الوعي الأسري والتربوي عاملًا حاسمًا في الحد من هذه الظاهرة، وسط دعوات متزايدة لضرورة ضبط استهلاك الكافيين بين المراهقين، خاصة في مواسم الامتحانات، حمايةً لصحتهم الجسدية والنفسية من مخاطر قد تكون عواقبها أفدح مما يُتوقع.