مقالات
باحث في الشؤون اللبنانية والسورية
أن يحتفل أنصار "حكم الأمر الواقع في دمشق" الموجودون في لبنان، في شكلٍ عفويٍ، في الذكرى السنوية الأولى لإسقاط الدولة السورية، بإزاحة السلطة السابقة، فهذا أمر ليس غريبًا، رغم أن القانون اللبناني لا يسمح بتنظيم التظاهرات وما شاكل، من دون أخذ أذنٍ من السلطات المعنية. ولكن أن ينظّم عدد من النازحين السوريين إلى لبنان تظاهرات استفزازيةٍ في عددٍ من المناطق اللبنانية "الحساسة" كادت أن تودي بالبلد إلى الفتنةٍ، فهذا الأمر غير عفويٍ على الإطلاق، ولا ريب أنه منظّم، وبإدارة خارجية. والمستغرب هنا، أن "التوقيت السياسي"، لا الزمني أي (ذكرى سقوط سورية)، والقصد هنا، أن هذا التحرك السوري المشبوه، في اتّجاه بعض المناطق الحساسة، بخاصةٍ في بيروت وصيدا، كطريق المطار وحارة صيدا، على اعتبار أن سكّان هذه المناطق من بيئة الثنائي الوطني حزب الله وحركة أمل، جاء في وقتٍ يبذل فيه "الحزب" قصارى جهوده لمنع أي احتكاكٍ مع "الحكم الجديد" في دمشق، بخاصة في المناطق الحدودية المشتركة بين لبنان وسورية. أكثر من ذلك، بعد سقوط دمشق، لم يصدر عن "الحزب" ولو حتّى بيان يتطرّق فيه إلى الوضع الداخلي في سورية، أي أن "الحزب" يسعى إلى الحفاظ على العلاقة الودية مع دول الجوار، ومختلف الدول العربية، بخاصةٍ بعد العدوان الصهيوني على قطر، في الأشهر القليلة الفائتة، على قاعدة "ضرورة التعالي على الاختلافات، والتصدي للخطر الحقيقي الصهيوني الذي لا يوفّر أيًا من دول المنطقة"، إن في شكلٍ مباشرٍ من خلال الأعمال العدائية، أو في شكلٍ غير مباشر كعادة هذا العدو، من خلال إثارة الفتن والنعرات المذهبية.
ولكن في لبنان لم تجد الفتنة طريقًا سالكةً أمامها، بعدما قطع الجيش اللبناني هذا الطريق. فقد ضرب بيدٍ من حديدٍ الفتنويين من النازحين السوريين وسواهم، ممن حاولوا دفع لبنان نحو الفتنة في الأيام الفائتة. غير أن مرجعًا سياسيًا سوريًا قلل من أهمية هذا التحرك المشبوه في المكان والزمان.
وفي هذا السياق أيضًا، تجزم مصادر سياسية واسعة الاطلاع ولها باع طويل في متابعة التحركات الميدانية، أن "ليس من الصدفة على الإطلاق، أن تنظم التظاهرات الاستفزازية، في مناطق حساسةٍ، كطريق المطار، على سبيل المثال، فلا ريب أن هذا التحرك، غير بريء"، على حد تعبيرها. وتسأل: "إذا كانت واشنطن وحلفاؤها يقدمون كلّ أشكال الدعم للرئاسة الأولى والحكومة في لبنان والجيش اللبناني، إذًا من هي الجهة الخارجية أو سواها، التي حاولت إثارة الفتنة؟".
"وهل تسعى "السلطات" السورية الجديدة إلى توجيه رسالة للمحور الغربي، أنها قادرة على أن تؤدي دورًا في لبنان، في حال طلب منها المحور المذكور ذلك؟".
غير أن مرجعًا حزبيًا وسياسيًا لبنانيًا، يستبعد أن "تكون للسلطات السورية دور في تحريك النازحين السوريين لاستفزاز جمهور المقاومة، في وقت يلتزم فيه حزب الله عدم التدخل نهائيًا في الشؤون الداخلية السورية، وفي الوقت عينه يجري أيضًا الاتصالات اللازمة مع الجانب السوري، لمنع الاحتكاكات في المناطق الحدودية المشتركة بين لبنان وسورية".
وينفي المرجع أن يكون لديه أي معلوماتٍ دقيقةٍ عن الجهة التي حركت النازحين لاستفزاز بيئة المقاومة. ولكنه لا يستبعد أبدًا أن "يكون للكيان الصهيوني دور مباشر أو غير مباشر، في تحريك الفتنة في لبنان، لتحقيق هدفين، الأول رفع منسوب الضغوط على المقاومة، ومحاولة تهديدها بفتنةٍ داخلية، والثاني، إيصال رسالة إلى "سلطة الأمر الواقع في دمشق"، أنها غير قادرة على ضبط النازحين خارج الأراضي السورية، بالتالي يمكن استخدام ورقة النزوح عند الحاجة، أي (غب الطلب لدى العدو) في وقت لا تملك فيه هذه "السلطة" السيطرة إلا على مساحة محدودةٍ من الأراضي السورية"، ودائمًا بحسب رأي المرجع.