مقالات مختارة
رلى إبراهيم - صحيفة الأخبار
لم تنفع ضغوطات حزب "القوات اللبنانية" على الكتل النيابية، وحملة التخوين التي قادها رئيسه سمير جعجع ونوابه، في منع التئام مجلس النواب أمس. فسحب بذلك من شارك ممن قاطعوا سابقًا ورقة تعطيل المجلس النيابي من بين يديه، بعدما حاول الإيحاء بأن النصاب القانوني، متوقّف تأمينه على قرار منه.
في التفاصيل، انعقدت الجلسة التشريعية بمشاركة 75 نائبًا، لمتابعة جدول أعمال جلسة 29 أيلول الفائت، التي لم يقفل الرئيس نبيه بري محضرها، بعد إسقاط نصابها. وقد أتت الصفعة الأولى لجعجع من تكتل "الاعتدال الوطني"، الذي سحب بنزوله إلى ساحة النجمة ورقة الأكثرية من معراب. كما شارك نواب من "قوى التغيير"، هم ياسين ياسين وملحم خلف وبولا يعقوبيان (دخلت بعد اكتمال النصاب).
ومن تكتل "لبنان الجديد"، بدا لافتًا توجيه النائب نبيل بدر سهامه نحو جعجع شخصيًا، بإشارته إلى إعطائه مع زملائه "شيكًا على بياض" لجعجع، عبر مقاطعتهم الجلستين التشريعيتين الأخيرتين.
غير أن النائب البيروتي أكّد أن تكتّله "كيان سياسي مستقل، ولا نستطيع الاستمرار في إلغاء مصالح الناس وتحييدها كرمى لعيون حالة واحدة من حالات كثيرة في هذا البلد". وقد عبّر بدر بذلك عمّا يُحكى عن "انتفاضة سنية" على محاولة معراب مصادرة قرار نواب الطائفة، مستفيدةً من غياب الزعامة السنّية. وهو ما لم يعد خَفيًّا، وتحدّث عنه النائب جورج عقيص بوضوح مرتين، عبر قوله، إن كلّ نائب سني يترشح على لوائحهم، يتوجّب عليه الانضمام إلى تكتّلهم النيابي في حال فوزه.
الصفعة الثانية أتت من رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي حثّ النواب - عبر نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب أول من أمس - على المشاركة في الجلسة التشريعية.
وهو عاد وأكّد أمس حرص رئيس الجمهورية على عدم تعطيل المؤسسات الدستورية. ويبدو أن موقف الرئاسة الأولى ينسحب على رئيس الحكومة تمام سلام، الذي ساهم في تأمين حضور تكتل "الاعتدال الوطني"، وحضر مع الوزراء الجلسة التشريعية، من دون أن يتطرّّقوا إلى مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات المُرسل من قبلهم. وأكثر من ذلك، كشفت مصادر نيابية أن سلام ضغط لعقد الجلسة بغية وضع القوانين المُقرّة في جلسة 29 أيلول الفائت على سكة التنفيذ، وإقرار مشاريع القوانين الملحّة على جدول الأعمال، علمًا أنها مُرسلة من الحكومة، لكنّ إقرارها معلّق منذ ثلاثة أشهر بسبب تعطيل العمل التشريعي.
أمّا المعركة الكبرى التي خسرها جعجع، فهي تلك التي خاضها ضدّ بري، واستخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة؛ من تخوين النواب الذين يقرّرون المشاركة، إلى قيام النائبة ستريدا جعجع نفسها بالاتّصال ببعض النواب والطلب إليهم مقاطعة الجلسة، وتحويل المعركة من صراع سياسي إلى صراع شخصي مع بري.
لكن رغم وصول حملة معراب إلى حدّها الأقصى الممكن، تمكّن بري بالتعاون مع رئيسَي الجمهورية والحكومة من وضع حدٍّ لمحاولة جعجع تعطيل العمل التشريعي والحكومي، لمصالح سياسية ضيّقة. فبعد تغنّيه في عام 2017 بإنجاز قانون الانتخابات الجديد، وتحديدًا ما يتعلق بدائرة الاغتراب؛ عاد وانقلب على نفسه عندما وجد أن تصويت المغتربين في الخارج يعود بالفائدة عليه.
نتيجةً لذلك، حضر النائب جورج عدوان إلى ساحة النجمة بعد انتهاء الجلسة أمس، بصورة المهزوم، ومن دون نواب كتلته الذين جرت العادة أن يحيطوا به خلال تصريحه للإعلام.
وحاول التغطية على خسارة "القوات" للأكثرية، بالقول، إن بعض النواب الذين أمّنوا النصاب سيصوّتون حكمًا إلى جانب حزبه، في حال طُرح تعديل قانون الانتخاب على التصويت. ولم يفت عدوان الردّ على رئيس الجمهورية، بوضعه ما تقوم به "القوات" في إطار الحرص على العهد، مؤكّدًا أنها "من يحمل لواء العهد الجديد والتغيير"، ومشدّدًا على أن "وقت التسويات على طريقة أبو ملحم ولَّت". كذلك، فعل مع رئيس الحكومة، حين قال، إن ما يقوم به حزبه يصبُّ في صالح "عدم تعطيل عمل الحكومة التي نحن جزء منها".
وكان بري قد افتتح الجلسة بطرح اتفاقية قرض البنك الدولي لتنفيذ مشروع المساعدة الطارئة للبنان بقيمة 250 مليون دولار لتمويل إعادة إعمار البنى التحتية المتضرّرة جراء العدوان "الإسرائيلي" على التصويت، لتُقرَّ بغالبية الأصوات. كما أُقرَّ مشروع قانون إلغاء القانون الذي يُجيز للحكومة إبرام اتفاقية تجنّب الازدواج الضريبي والحؤول دون التهرّب من دفع الضرائب المفروضة على الدَّخل ورأس المال بين لبنان والسودان.
وأيضًا، أقرَّ النواب مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي الذي طُرح من خارج جدول الأعمال، إلى جانب مشروع قانون مصادر تمويل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة. وعند طرح اقتراح قانون إخضاع المتعاقدين في وزارة الإعلام لشرعة التقاعد، بدأ بعض نواب حزب الله بالخروج للصلاة، وتبعهم نواب تكتل "الاعتدال الوطني".
عندها، نبّه بو صعب بري إلى فقدان النصاب، لافتًا إلى ضرورة ختم المحضر لتفادي تكرار ما حصل في الجلسة الأخيرة. فتُليَ المحضر وصُدِّق ورُفِعت الجلسة، ما يعني أن كلّ القوانين التي أُقرَّت أمس وفي جلسة 29 أيلول الفائت باتت في حكم النافذة (تحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية).