اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي دور النُخب في معركة السردية 

مقالات مختارة

في ما وراء تحذيرات برنياع:
مقالات مختارة

في ما وراء تحذيرات برنياع: "التهديد الإيراني" لا يزال ماثلًا

51

علي حيدر - صحيفة الأخبار

لا يمكن التعامل مع تحذير رئيس جهاز "الموساد"، ديفيد برنياع، من أن إيران ستندفع إلى امتلاك السلاح النووي "فور توفّر الفرصة لها" بوصفه إنذارًا تقنيًا معزولًا، أو موقفًا تكتيكيًا مرتبطًا بملف محدّد؛ بل ينبغي قراءته كوثيقة سياسية - أمنية غير مكتوبة، تعكس حصيلة تقييمات حرب الأيام الـ12، وتكشف في الوقت نفسه عن مأزق أعمق في المقاربة "الإسرائيلية" للتهديد الإيراني.

ما كان يُفترض أن يشكّل ضربة تعيد البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء، عاد بعد فترة قصيرة إلى رأس جدول أعمال الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية في "تل أبيب"، كما إلى صلب الحوار الثنائي الأميركي - "الإسرائيلي"، الأمر الذي يؤشّر إلى أن الحرب لم تُنتِج إزاحة إستراتيجية للتهديد، بل أعادت تثبيته كعنصر مركزي في الحسابات "الإسرائيلية".

ينطوي موقف برنياع على بعدَين متداخلَين: الأول يتصل بإيران نفسها، التي تسمع بعد أشهر قليلة من الحرب تعهّدًا إسرائيليًا علنيًا بعدم السماح لها بإعادة إحياء برنامجها النووي، وهو ما قد يُقرأ لديها كمؤشر إلى طبيعة المرحلة المقبلة. أمّا الثاني، فيرتبط بالطريقة التي تنظر بها تل أبيب إلى واقع التهديد النووي الإيراني ومستقبله؛ إذ يعكس التصريح نقاشًا داخل المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية"، يقوده المسؤول الأول عن هذا الملف، حول تقدير قدرات طهران ونواياها بعد الحرب.

المعضلة، هنا، لم تعد محصورة في ما إذا كانت إيران تستطيع الوصول إلى العتبة النووية رغم الضربات التي تعرّضت لها، بل تعدّت ذلك إلى سؤال التوقيت الذي قد تقرّر فيه طهران أن الظروف مؤاتية لهكذا خطوة؟ الأكيد أن ثمّة عوامل كثيرة متداخلة في هذا السياق، تشمل البيئتين الإقليمية والدولية، والتطوّر التكنولوجي، والوضع الداخلي الإيراني، وتطوّر القدرات الردعية الإيرانية التي تتحرّك بوتيرة متسارعة، وهو مسار طبيعي في دولة خرجت حديثًا من مواجهة عسكرية واسعة.

وأخذًا في الاعتبار تلك العوامل، يصبح تحذير برنياع إنذارًا بضغط الزمن في التعامل مع الملف الإيراني. وعندما يترافق ذلك مع تسريبات عن أن اللقاء المُرتقب بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، سيضع إيران على رأس جدول الأعمال، يمسي واضحًا أن هناك انتقالًا من مرحلة إدارة التهديد إلى مرحلة البحث عن الخيارات.

لكن فهم المعنى الحقيقي لكلام برنياع يستوجب ربطه المباشر بنتائج حرب حزيران القصيرة. فلو كانت تلك الحرب قد نجحت في شطب القدرات الإيرانية، أو في إعادتها سنوات طويلة إلى الوراء، أو في إحداث تحوّل في خيارات طهران الإستراتيجية، لَمَا بقي البرنامج النووي والصاروخي والدور الإقليمي الإيراني حاضرَيْن بهذه القوّة في النقاش الأمني "الإسرائيلي"  والأميركي؛ ولَمَا احتاج رئيس "الموساد" إلى استخدام تعبير حادّ من نوع "الاندفاع الفوري"، يشكّل بحد ذاته اعترافًا ضمنيًا بأن الحرب، رغم إنجازاتها الاستخباراتية والعملياتية، لم تحقّق أهدافها الإستراتيجية.

وينسجم ذلك، ولو من زاوية مختلفة، مع ما كرّره المرشد الإيراني، السيد علي خامنئي، من أن الحرب فشلت في تحقيق غاياتها الكبرى. وهذا التوصيف لا ينفي حجم الأضرار التي لحقت بإيران، ولا يقلّل من مستوى الاختراقات الاستخباراتية والنجاحات العملياتية التي حقّقتها "إسرائيل"، لكنّه يشير إلى أن العنصر الأهم لم يُمسّ جوهريًا: القدرة الأساسية، والإرادة السياسية، ومنظومة القرار.

من هنا، يمكن القول، إن "إسرائيل" خرجت من الحرب بتفوّق عسكري تكتيكي، لا بحسم إستراتيجي؛ وهي نتيجة لا يمكن فصلها عن حقيقة أن فاعلية القدرات الصاروخية الإيرانية فرضت قيودًا ملموسة على الأداء العسكري "الإسرائيلي"  في مرحلة ما بعد الحرب، وحدّت من هامش المناورة الذي كان يمكن أن يكون أوسع لولا تلك القدرات.

اللافت في خطاب برنياع هو التحوّل في لغة التعامل مع التهديد. فقبل الحرب، كان الحديث يدور حول منع طهران من الوصول إلى السلاح النووي عبر مزيج من الردع والضغوط والعمليات السرية، وبعد الحرب، أصبح التركيز على ضرورة التحرّك قبل أن "تتوافر الفرصة" لإيران؛ وهو ما يعكس فشل الجولة الأخيرة في إنتاج معادلة ردع مستقرّة، ويضع صانع القرار "الإسرائيلي" أمام ضغط متزايد لاتّخاذ خطوات استباقية. ويفسّر ما تقدّم، تشديد برنياع على أن على "إسرائيل"، وبالتعاون الوثيق مع الأميركيين، التأكّد من أن المشروع النووي الإيراني "لن يُفعَّل أبدًا". أمّا من منظور إيران، فلا تُقرأ هذه التحذيرات بالضرورة كرسائل ردع ناجحة، بل قد تُفهم على أنها إقرار ضمني بمحدودية نتائج الحرب، وبأن القوّة المُستخدمة لم تُنتِج تغييرًا حاسمًا، وهو ما قد يغري إيران بتعزيز أوراقها الردعية أو التفاوضية بدل التراجع.

في المحصّلة، فإن إدراج الملف الإيراني على رأس جدول لقاء ترامب - نتنياهو يُعدّ مؤشرًا إلى إدراك "إسرائيلي" متزايد بأن أي مسار حاسم تجاه إيران يحتاج إلى شراكة أميركية كاملة، في حين يبقى الخطر الحقيقي في أن تقود قراءة احتمال اندفاع إيران نحو العتبة النووية إلى قرارات متسرّعة، من دون رؤية واضحة للنهاية. وعلى أي حال، تبقى المعضلة المركزية أمام "تل أبيب": كيف يمكن تحويل التفوّق العسكري الأميركي - "الإسرائيلي" إلى نتيجة إستراتيجية، لا إلى سباق مفتوح مع الوقت؟

الكلمات المفتاحية
مشاركة