اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي سموتريتش يقرّ بشرعنة 69 تجمعًا استيطانيًا ويؤكد: الهدف منع قيام دولة فلسطينية

مقالات

مبادرة
مقالات

مبادرة "السلام الأزرق" اجتياح "إسرائيلي" مائي بغطاء حكومي لبناني

70

بعد الغاز والحدود جاء دور الثروة المائية في لبنان لنهبها بغطاء حكومي رسمي لصالح "السلام الإبراهيمي" ومشروع "إسرائيل الكبرى". لا يخفى على أحد الضرورة الطبيعية للموارد المائية في مسار ديمومة الدول والشعوب، حيث تحوّلت إلى معضلة كونية تتجاوز النفط بأهميتها الإستراتيجية. وللأسف مرّ قبل أيام خبر احتضان السراي الحكومي الاجتماع المشترك الرابع للجنة الاستشارية للسياسات واللجنة الإدارية لمبادرة "السلام الأزرق في الشرق الأوسط" مرور الكرام، مع العلم أن هذه الخطوة تستبطن مخاطر وجودية مباشرة على الكيان اللبناني، وتمهّد لتشريع نهب ثروته المائية لصالح العدوّ الصهيوني، وتمنحه وثيقة تنازل رسمية جديدة تتيح له ضمّ جنوب لبنان مع "صكّ براءة" حكومية.

الحدث الهام -بحسب منظميه- الذي رعاه رئيس الحكومة نواف سلام يمثّل "أول اجتماع رفيع المستوى للمبادرة في لبنان، ويبرز دوره الإستراتيجي في تعزيز التعاون الإقليمي بشأن قضايا المياه والطاقة والغذاء والنظم الإيكولوجية". (أي النظم البيئية المتعلّقة بالكائنات الحيّة غير البشرية من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة، ومكوّناتها غير الحيّة من ماء وهواء وتربة وضوء شمس، ويلحق بها البحيرات وأحواض الأنهار والغابات والمساحات الزراعية المستصلحة). وقد انطلقت هذه المبادرة في شباط من العام 2011 من مدينة جنيف تأسيسًا على تقرير أعدّ بتمويل سويدي - سويسري وأطلق عليه شعار "الدبلوماسية الزرقاء"، والهدف الرئيس "تحويل عنصر المياه في منطقة "الشرق الأوسط" إلى عنصر سلام بدلًا من كونه عاملًا لتأجيج الصراع والحروب"، والأصل أن تشارك في المبادرة حكومات ودول من مناطق تعاني شحًا مائيًا، وهي تضم حتّى اليوم كلًّا من العراق وتركيا والأردن وسورية والعراق وإيران، وهي دول باشرت منذ سنوات لقاءاتها الثنائية لتنظيم اقتسام المياه المشتركة بينها واستهلاكها، واستثنت فلسطين و"إسرائيل" بانتظار "تسوية المشكلة السياسية بينهما"، بحسب التقرير.

يقدّم القيّمون على "مبادرة السلام الأزرق" عناوين ذات بعد بيئي واقتصادي وأنها تهدف إلى "تعزيز التعاون بين الدول المتشاركة في الأحواض المائية والأنهار والمياه الجوفية المشتركة، عبر اعتماد الدبلوماسية المائية والإدارة المتكاملة للموارد المائية.. بما يسهم في تحويل إدارة المياه من ملف خلافي إلى منصّة للحوار وبناء الثقة والتعاون الإقليمي طويل الأمد"، إلا أنّها تطوي في حيثياتها أهدافًا "جيوسياسية" بامتياز ترتكز على كونها "إطارًا إقليميًا ودوليًا للتعاون في مجال المياه العابرة للحدود.. وأنّ المياه يمكن أن تكون أداة لبناء السلام لا سببًا للنزاعات، ولا سيما في المناطق التي تعاني شحًا مائيًا وتوترًا سياسيًا مثل "الشرق الأوسط" وشمال إفريقيا". وتشمل أهدافها أيضًا "استخدام المياه جسرًا للتقارب وبناء الثقة بين الدول والشعوب، ومنع النزاعات المرتبطة بالمياه والتغيّر المناخي، ودعم الدبلوماسية المائية كأداة للسلام والاستقرار، وربط قضايا المياه بالأمن الغذائي والطاقة والتنمية". وتطرح المبادرة "مشاريع عملاقة على المدى الطويل مثل مشروع البحر الميت بين الأردن و"إسرائيل" وفلسطين، وإقامة أنابيب لجلب مياه من البحر الأحمر"، مشدّدة على إيجاد حلول للنقاط العالقة وأهمها مشكلة بحيرة طبريا المتنازع عليها بين "إسرائيل" وسورية.

وإذا ما نظرنا إلى الحيّز المكاني الذي تستهدفه المبادرة في المنطقة وأجرينا مقابلة لها مع ما تعلنه واشنطن و"تل أبيب" من مواقف ومشاريع بموازاة المشروع التوسّعي الاحتلالي الذي تنفّذه حكومة بنيامين نتنياهو الذي يستهدف قطاع غزّة والضفّة الغربية ولبنان وسورية والأردن واليمن والعراق وإيران، لوجدنا تطابقًا كاملًا على مستوى البنى الأساسية التي تمهّد لها مبادرة "السلام الأزرق" تحت عنوان الأمن المائي، ويتبدّى الخطر في استخدام المصطلحات التي تستخدمها المبادرة من قبيل "الأحواض المائية المشتركة" و"تعزيز الاستقرار الإقليمي" و"حماية الحقوق المائية" وغيرها من العبارات التي تصب بشكل مباشر في خدمة المشاريع الأميركية والمصالح "الإسرائيلية". وإذا استعرضنا الأرقام والإحصائيات لوجدنا الاستهلاك اليومي للمستوطن الصهيوني داخل الأراضي المحتلة عام 1967 يتجاوز 400 لتر، فيما تبلغ في الأراضي المحتلة الأخرى نحو 800 لتر يوميًا، أما النسبة المسموح باستهلاكها يوميًا للمواطن الفلسطيني فلا تتجاوز 90 ليترًا في الضفّة الغربية و60 لترًا في قطاع غزّة. وبلغ الإرهاب المائي الصهيوني حدًا طالب فيه مسؤولون في حكومة العدوّ باحتكار الأمطار لمنع الفلسطينيين من الاستفادة منها.

بالعودة إلى اجتماع السراي الحكومي في بيروت، فقد أبدى الرئيس سلام حماسته الشديدة للمبادرة وأهدافها والتسويق لها "كونها وعدًا حقيقيًا بالسلام للأجيال المقبلة" حسب قوله، و"أنّ لبنان سيواصل العمل مع جيرانه وشركائه من أجل تعزيز الحوكمة العلمية وترسيخ الدبلوماسية المائية ودعم الاستقرار الإقليمي عبر التعاون المشترك". إلا أن الأكثر وضوحًا في عرض تفاصيل المشروع كان عضو المجلس التنفيذي لسياسات "السلام الأزرق في الشرق الأوسط" البروفيسور فادي قمير، وهو نفسه كان يتولّى رئاسة اللجنة المكلّفة دراسة موضوع الأمن المائي وسرقة "إسرائيل" للمياه، وكان زار قبل سنوات مديريّة الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، واطّلع على عرض للمنطقة الحدودية والخط الأزرق وارتباطها بموضوع المياه والأمن، مع التركيز على منطقة شبعا (الحدود، المساحة، الارتفاعات..) وعلى مجرى نهري الوزّاني والحاصباني، ومجرى وادي عيحا، وركّز قمير في كلمته على أن هذا "الاجتماع الإستراتيجي" يفتح الباب على تنفيذ خطوات تأتي ثمرة نتاج مسار خبرة طويل في المفاوضات لأكثر من 30 سنة، وأهمها:

 - النظر إلى المياه كخيار مشترك للبشرية، وليس كسلعة أو سلاح.
 - تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول التي تشترك في الموارد المائية العابرة للحدود من خلال إنشاء أو تعزيز كيانات إدارة شاملة وشفافة.
 - وضع خطط عمل مشتركة لإدارة المياه بشكل متكامل ومستدام، مع مراعاة احتياجات الجميع.
 - تعزيز الحوار والثقة وحل النزاعات المتعلّقة بالمياه سلميًا، بمساعدة طرف ثالث محايد إذا لزم الأمر.
 - إنشاء منظمة أحواض إقليمية تتمثّل فيها كلّ الدول المعنية لإدارة الأحواض المشتركة ولمساعدة البلدان المتشاطئة على تصميم وإنشاء مشاريع إنمائية مشتركة.

قد يبدو في الظاهر أن المبادرة تهدف إلى حلّ مشكلة مياه إقليمية من خلال شمولها لكل من إيران والعراق وتركيا ولاحقًا مصر والسودان، ولكنها في جوهرها تسعى إلى تشريع نهب "إسرائيل" للمياه في كلّ من فلسطين ولبنان والأردن وسورية، وما يستتبع ذلك من احتلال جغرافي بذريعة حماية المنابع المائية وجعلها تحت الهيمنة والإدارة "الإسرائيلية"، وبالتالي فإن إرساء أي مشروع في سياق هذه المبادرة سيخضع لشروط الطرف الأقوى، أي "إسرائيل" حصرًا، فضلًا عن أن الشحّ المائي في هذه الدول ليس ناتجًا فقط عن العوامل الطبيعية والمناخية بل عن سيطرة الاحتلال على مصادر المياه فيها. ومن المفيد هنا استحضار ما قاله رئيس حكومة العدوّ الأسبق ليفي أشكول بعد حرب العام 1967: "إن "إسرائيل" العطشى لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى نصف مليون متر مكعب سنويًا من مياه نهر الليطاني تذهب هدرًا إلى البحر.. القنوات في "إسرائيل" أصبحت جاهزة لاستقباله"، وكذلك ما رآه موشي شاريت من أن "عدم تضمين مياه الليطاني في مشاريع "إسرائيل" خطيئة أساسية ارتكبناها". أما شيمون بيريز فقد أورد في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" ما عدّه حلًا لأزمة المياه "بإقامة نظام إقليمي لإدارة مشاريع تطوير المياه ولتوزيعها على قاعدة اقتصادية بطريقة شريفة وعادلة".

ما قصده بيريز يعني أن على من يملك المياه مشاركته مع الآخرين، أي أن على لبنان تقديم جزء من مياهه لصالح "إسرائيل"، ومقتضى العدل عنده يفرض اقتسام الموارد المائية بحسب الحاجة وليس وفق المناصفة، والجانب الأخطر في هذا السياق اعتماد بيريز على دراسة أجراها خبراء اقتصاديون من جامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس التكنولوجي في عامي 1994 و1995، وكان جوهرها قائمًا على الفصل بين ملكية المياه وبين استعمالها، بحيث لا تعود ملكية المياه مسأله لها أهمية، بل تكمن الأهمية بمن يستهلكها وبما يستفيد منها، حتّى لو كانت الأنهار ذات طبيعة داخلية ضمن حدود الدولة الواحدة كنهر الليطاني مثلًا، ومن هنا ندرك تمسّك العدوّ باحتلاله لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث تبقى مياه الليطاني والحاصباني والوزاني ضمن الأطماع الصهيونية. وفي هذه النقطة بالتحديد تتحمّل الدولة اللبنانية بكامل عهودها السابقة والحالية مسؤولية التنازل عن ثروتنا المائية، سواء من خلال تهميش المطالبات السياسية والدبلوماسية بكف يد العدوّ عن نهب المياه اللبنانية، أم من خلال إهمال القطاع المائي والمشاريع الإنمائية المعتمدة على مصادر الماء وإنشاء السدود ودعم القطاع الزراعي وتنفيذ شبكات الري اللازمة له.

إن اعتداءات الاحتلال ومخطّطاته الدائمة لاحتلال جنوب لبنان بشكل خاص تعدّ من صلب أهدافه الإستراتيجية الكبرى، ولم تكن الحروب الصهيونية بعد العام 1948 خصوصًا ذات أهداف أمنية وسياسية فقط، بل إن جوهرها يرتكز على إطباق الهيمنة على الدول المحيطة بفلسطين والسيطرة على مصادر ثرواتها وفي مقدمتها المياه، ولعلّ العدوّ يراهن على استغلال الظروف الناشة بعد عدوان أيلول العام 2024 عبر الضغط الدولي والعدوان اليومي وأداء الحكومة اللبنانية المهادن والمتنازل عن السيادة سعيًا لتحقيق أهدافه التي أسقطتها المقاومة الإسلامية في الحرب الأخيرة أو في الحروب السابقة، وأهمها أنها منعته من أن يكون لديه موطئ قدم على الأرض اللبنانية، وفي المقابل استطاع العدوّ احتلال وادي نهر اليرموك جنوب سورية بسهولة وبدون مقاومة، ولن يكفيه وضع اليد على الليطاني واليرموك، بل ستشمل أهدافه السيطرة على مصادر المياه في جبل لبنان وحوض نهر العاصي ثمّ إلى حوض نهر الفرات. وفي هذه الحال فإن الأجدى بالدولة أن تدرك أن الحل الوحيد لمواجهة الاحتلال وإفشال مخطّطاته التوسعية والرامية إلى تفتيت لبنان وتجزيئه من بوابة "السلام المائي" فضلًا عن باقي المخاطر المحدقة به، هو بالرهان على المقاومة والمقاومة فقط.

الموارد المائية المشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلة

يعدّ نهر الحاصباني من أهم الأنهار المشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلة، ويبلغ طوله ضمن الأراضي اللبنانية 21 كلم، ويلتقي مع نهر الوزاني على بعد 4 كلم عن الحدود مع فلسطين المحتلة ويشكّل معه خطًا حدوديًا بين لبنان وسورية على امتداد عدة كيلومترات. وهو من الروافد الأساسية لنهر الأردن ويوصف حوضه بأنه الخزان العالي لمناطق حرمون، ووادي التيم، والعرقوب، والجولان، والحولة وطبريا، ويغذي مجموعة ينابيع خارج الحدود اللبنانية بما فيها نهرا اللدان وبانياس. ويشمل حوض هذا النهر قممًا جبلية بارتفاع 2870 م عن سطح البحر تتساقط عليها الثلوج والأمطار، وتسمح طبيعة الأرض الجيولوجية بتخزين ما يفوق 39% من المتساقطات لتغذّي نبعي الحاصباني والوزاني وينابيع الجوز والمغارة في أعالي وادي شبعا وغيرها.

تحدثت تقارير لبنانية رسمية عن أن الكيان الصهيوني يحصل على 150 مليون م3 سنويًا من المياه اللبنانية، إلا أن الدكتور طارق المجذوب يؤكد في دراسة أعدّها تحت عنوان "أطماع "إسرائيل" في المياه اللبنانية - ملاحظات حول روافد الأردن والقانون الدولي 2001"، أن الدراسات الهيدرولوجية للأحواض المائية الرئيسية والفرعية في جنوب لبنان والمتصلة بشكل مباشر أو غير مباشر بالخزانات الجوفية داخل "إسرائيل" تتمثل بالقطاعات التالية:

1 - قطاع الناقورة - شقراء - دير سريان معدل الانسياب الوسطي 69. 3 مليون م3 سنويًا.
2 - قطاع دير ميماس - فالق اليمونة الجنوبي - مرجعيون معدل انسياب وسطي 12.1 مليون م3.
3 - قطاع سطح حرمون الشرقي - نبع سريد شبعا معدل انسياب وسطي 58 مليون م3 سنويًا. 
4 - قطاع حوض الحاصباني - الوزاني انسياب وسطي 55.5 مليون م3 سنويًا. 

هكذا يكون مجموع انسياب المياه الجوفية إلى الكيان الصهيوني حوالي 194.9 مليون م3 سنويًا. وانطلاقًا من ذلك يصبح الرقم الإجمالي بين مياه سطحية ومياه جوفية تنساب إلى الكيان حوالي 429 مليون م3 سنويًا.

الكلمات المفتاحية
مشاركة