خاص العهد
كاتب من العراق
احتدم الجدل مؤخرًا حول نزع وتسليم سلاح الفصائل المسلحة في العراق. وما رفع مستويات السجال والجدل، هو أن بعض الخطوات والمواقف بهذا الشأن، جاءت متزامنة مع تلويح وتهديدات أميركية واضحة وصريحة، فيما اذا لم تتجاوب الفصائل المسلحة وتسلم أسلحتها للحكومة العراقية.
موقف حكومي وسياسي متوازن
وفي سياق التوجه الحكومي حيال موضوع حصر السلاح بيد الدولة، فإن الموقف يبدو واضحًا، وقد عبّر عنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عدة مرات، آخرها مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حينما قال في مقابلة صحفية إن "العراق تعهّد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، لكن ذلك لن ينجح طالما بقي التحالف بقيادة الولايات المتحدة في البلاد، الذي تعتبره بعض الفصائل العراقية قوة احتلال".
كذلك، أكد الاطار التنسيقي، الذي يمثل الكتلة البرلمانية الأكبر، موقفه الثابت الداعم لحصر السلاح بيد الدولة، "وفق مشروع وطني متكامل، وآليات قانونية واضحة، بما يعزز سيادة الدولة، ويحفظ الأمن والاستقرار، ويخدم المصلحة العليا للبلاد".
من جانبه، عبر رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، عن شكره إلى قادة الفصائل على تعاونهم في فرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة.
وتعزّزت الدعوات الحكومية مع مطالب المرجعيات الدينية، ومطالب زعامات وشخصيات سياسية مهمة، مثل رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، والأمين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، فضلًا عن دعوات مماثلة اطلقها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، في مناسبات عديدة، حيث تتمحور تلك الدعوات حول مبدأ، "انّ "السلاح ينبغي أن يكون بيد الدولة، اتساقاً مع الدستور، بإرادة العراقيين وأحزابهم، وليس بإملاءات خارجية".
فصائل توافق وأخرى ترفض
وكان عدد من الفصائل قد أعلنت استجابتها لدعوات تسليم السلاح للدولة، ومن بين تلك الفصائل، كتائب الامام علي، بزعامة شبل الزيدي، التي قالت في بيان لها بهذا الشأن، "ان الفوز الذي حققته القوى الحشدية، بحصولها على ما يقارب ثلث مقاعد البرلمان المقبل، لا يمثل مكسبًا سياسيًا فحسب، بل يضعها أمام مسؤولية أخلاقية وأمنية كبيرة تجاه الدولة والمجتمع.. وان وحدة الدولة وسيادتها تقتضيان حصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية ودعم القدرات الدفاعية للقوات الأمنية، إلى جانب الحشد الشعبي، وإقرار القوانين الكفيلة برعاية عوائل الضحايا".
حركة أنصار الله الأوفياء، بزعامة حيدر الغراوي، التي استجابت هي الأخرى لمطلب تسليم السلاح للدولة، أكدت أن ما عبّرت عنه صناديق الاقتراع لم يكن مجرد استحقاق انتخابي، بل موقفًا شعبيًا واضحًا أعاد رسم ملامح المرحلة المقبلة، وان مبدأ السيادة الكاملة للدولة، وحصر السلاح بيدها، ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة، ووزارتي الدفاع والداخلية، وهيئة الحشد الشعبي، والأجهزة الأمنية كافة، يأتي في صدارة الأولويات الوطنية، بما يضمن وحدة القرار الأمني وهيبة الدولة".
في مقابل ذلك، فقد أعلنت كل من كتائب حزب الله، التي تمتلك كتلة برلمانية باسم "حقوق"، وحركة النجباء الإسلامية، رفضهما القاطع لمطلب نزع السلاح وتسليمه، حيث اكدتا في بيانات منفصلة لهما على "ان استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق، يُعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية، وان بقاء القوات الأميركية يحصل رغم المطالبات الرسمية والشعبية بالمغادرة، والولايات المتحدة تتدخّل بإستمرار في الشؤون الداخلية للعراق، بما في ذلك الدعم والتسليح لجماعات مسلحة تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، وان الاحتلال يشكّل مبرراً لمواصلة المقاومة المشروعة، بإعتبارها حقاً تكفله الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وهذا الموقف يستمد شرعيته من كرامة الشعب العراقي".
السلاح ضمانة وجودية للفصائل
وارتباطًا بهذا الجدل والسجال المحتدم، يرى الكاتب والمحلل السياسي أثير الشرع، أن "حصر السلاح بيد الدولة، يمثل قاعدة كلاسيكية لبناء الدول، وهو مبدأ معمول به في الدول المستقرة ذات السيادة الكاملة، لكن في دول مثل العراق ولبنان يبدو الامر مختلفا، لان هذه الدول غير مكتملة السيادة، ومخترقة سياسيًا وأمنيًا، وقرارها الإستراتيجي ليس مستقلاً، لذلك يتحول الشعار من مشروع بناء دولة إلى أداة إعادة هندسة موازين القوة".
ويقول الشرع في حديثه لموقع "العهد" الاخباري، إن "الفصائل التي رفضت الاستجابة ربما ترى أن السلاح يمثل ضمانة وجودية لها، وان إستمرار التهديدات الخارجية، من خلال وجود القوات الاجنبية، والاختراقات الاستخباريية، يجعل نزع السلاح مخاطرة وجودية لا خطوة إصلاحية".
فضلًا عن ذلك والكلام للكاتب والمحلل السياسي اثير الشرع أن معظم الفصائل تعتقد بأن المرحلة المقبلة قد تشهد تصعيدًا، أو انهيار تسويات، لذا فهي تحرص على الاحتفاظ بالسلاح كأداة ردع مؤجل، ولاسيما في ظل احتمالات تجدد المواجهات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني".
في المقابل، يذهب الخبير الأمني عبد الحسن الحسناوي في حديثه لـ"العهد" الى أن الفصائل التي أعلنت قبولها بدعوات تسليم السلاح، وكذلك التي رفضت الاستجابة، لها مبرراتها المعقولة والمنطقية، القابلة للبحث والنقاش، فالحضور السياسي والبرلماني لقوى المقاومة، يعد أمرًا ضروريًا، يعكس طبيعة توجهات الشارع العراقي، ولكن ذلك لايعني صحة مبدأ التخلي عن سلاح المقاومة بالكامل، لأنه لا يمكن الوثوق بالعدو، ومن الخطأ الركون لتهديداته، والاستسلام لما يريده بالكامل".
ويشدد الحسناوي على أن "مصطلح ضبط وتنظيم السلاح، أدقّ من مصطلح تسليم أو نزع السلاح، ولا سيما مع بقاء الكثير من التحديات والتهديدات في بيئة إقليمية مضطربة، ومفتوحة على كل الخيارات والاحتمالات، التي يعد العراق أبرز المتأثّرين بها".