خاص العهد
مع اشتداد وطأة فصل الشتاء وتزايد الاختلاط في المناسبات الاجتماعية، يواجه لبنان اليوم تحديًا صحيًا متصاعدًا مع تسجيل ارتفاع قياسي في أعداد الإصابات بالإنفلونزا من نوع A (H3N2). هذه الموجة، التي وصفتها الأوساط الطبية بسريعة الانتشار، وضعت النظام الصحي تحت المجهر، وسط مخاوف جديّة من تجاوز الإصابات للمعدلات السنوية المعتادة، ما يستدعي قراءة دقيقة في طبيعة السلالة المنتشرة وسبل مواجهة تداعياتها.
هذا الواقع، الذي يترافق مع انتشار واسع لأعراض السعال والحمّى والتهابات الجهاز التنفسي، فتح باب التساؤلات لدى المواطنين حول حقيقة الوضع الوبائي، وحدود خطورته، وسط مطالبات بتوضيحات تطمئن الرأي العام وتحدّد سبل الوقاية المطلوبة.
في هذا السياق، أوضح المختص في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري في تصريح لموقع العهد الإخباري، أن ما يشهده لبنان حاليًا لا يخرج عن إطار موجة الإنفلونزا الموسمية التي تعاني منها العديد من دول العالم.
وأكد البزري أن لبنان يمرّ بموجة إنفلونزا شديدة نسبيًا تنتشر بسرعة بين المواطنين، وهي إنفلونزا موسمية معروفة علميًا باسم A-H3N2، وليست فيروسًا جديدًا أو طارئًا كما يُشاع.
ولفت إلى أن هذا النوع من الإنفلونزا معروف منذ سنوات طويلة، إلا أن المستجد يكمن في ظهور متحوّر ضمنه يُعرف بـ«Subclade K»، يتميّز بقدرته على إحداث إصابات شديدة وانتشار أسرع بين الناس.
وأشار إلى أن العديد من بلدان العالم دخلت فعليًا موسم الفيروسات الشتوية، حيث تشكّل الإنفلونزا أحد أبرز هذه الفيروسات، موضحًا أن هذا الأمر يتكرر سنويًا خلال فصلي الخريف والشتاء، ما يستدعي الاستعداد المسبق وعدم التعامل معه كمفاجأة صحية.
وفي ما يتعلق بالوقاية، شدد البزري على أهمية اللقاح المتوفر في لبنان، داعيًا الفئات الأكثر عرضة للخطر إلى تلقيه، ولا سيما الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن سبعين عامًا، إضافة إلى المصابين بأمراض تنفسية مزمنة، أو أمراض سرطانية، أو ضعف في المناعة، أو أمراض مزمنة أخرى. وأكد أن اللقاح متوافر، وأن من لم يتلقّه حتى الآن يُنصح بالإسراع في ذلك للحد من خطر الإصابة أو مضاعفاتها.
كما أشار إلى أن علاج الإنفلونزا متوافر في لبنان ويُصنّع محليًا بنوعية جيدة، إلا أن فعاليته مرتبطة بتناوله في الأيام الأولى من الإصابة، محذرًا من أن أي تأخير في استخدام العلاج يؤدي إلى تراجع كبير في نتائجه.
ولفت البزري إلى أن ما يجري حاليًا ليس استثنائيًا مقارنة بما تشهده دول العالم، إلا أن التحدي الأساسي يتمثل في الضغط الكبير الذي تتعرض له المستشفيات. وأوضح أن معظم الإصابات يمكن معالجتها في المنزل، لكن بعض الحالات، خصوصًا بين كبار السن أو من يعانون نقصًا في المناعة أو أمراضًا رئوية، قد تستدعي دخول المستشفى لتفادي مضاعفات خطيرة.
وبيّن أن أخطر هذه المضاعفات تتمثل بالتهابات رئوية شديدة، قد تكون ناجمة عن الفيروس نفسه أو عن بكتيريا وفطريات انتهازية تستفيد من ضعف الجسم خلال الإصابة بالإنفلونزا.
وحول التساؤلات عن مدى خطورة هذا الفيروس مقارنة بفيروس كورونا، أوضح البزري أن الإنفلونزا قد تؤدي إلى الوفاة في عدد محدود من الحالات، ولهذا السبب تُرصد سنويًا في مختلف دول العالم، بما فيها لبنان الذي يمتلك نظام رصد وبائي يتابع أعداد الإصابات منذ سنوات طويلة. وذكّر بأن الإنفلونزا تاريخيًا كانت سببًا لأوبئة عالمية كبرى قبل نحو 75 إلى 80 عامًا، ما يجعل العالم يراقبها دائمًا بحذر.
وختم البزري بالتأكيد أنه لا داعي للهلع أو التخوّف المبالغ فيه، داعيًا إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية الأساسية، من تجنب الاحتكاك بالمصابين، والامتناع عن الاختلاط بالآخرين عند ظهور الأعراض، والإسراع في مراجعة الطبيب عند الشعور بأي عوارض تنفسية، معتبرًا أن الوعي والوقاية هما خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الموجة.