عربي ودولي
الصحف الإيرانية: تركيز على رسالة الإمام الخامنئي لاتحاد الجمعيات الطلابية في أوروبا
هذه هي أسباب الحرب الحقيقية بين إيران والولايات المتحدة
اهتمت الصحف الإيرانية الصادرة اليوم الأحد 28 كانون الأول/ديسمبر 2025 برسالة الإمام الخامنئي التي وجهها لاتحاد الجمعيات الطلابية الإسلامية في أوروبا، والتي تضمنت شرحًا مهمًا لطبيعة الصراع العالمي. وأيضًا، ما زال البعد الاقتصادي يهيمن على اهتمامات الصحف الإيرانية ومساعي الحكومة لإيجاد الحلول الناجعة.
ما هي الحرب الحقيقية بين إيران والولايات المتحدة؟
كتبت صحيفة "وطن أمروز": "من أبرز محاور رسالة قائد الثورة الإسلامية إلى الاجتماع التاسع والخمسين لاتحاد الجمعيات الطلابية الإسلامية في أوروبا، شرحُ المستوى الحقيقي للصراع بين إيران والولايات المتحدة. وقد اقتصرت التحليلات الشائعة للعلاقات المتوترة بين البلدين على قضايا محدّدة، كالقضية النووية، والنفوذ الإقليمي، وحقوق الإنسان. ورغم أن هذا النهج يُلقي الضوء على بعض نقاط الخلاف، إلا أنه يعجز عن تفسير سبب استمرار الأزمة وتكرارها بأشكال مختلفة.
فمع كلّ اتفاق أو تفاهم مؤقت، ينشأ توتر جديد من مكان آخر، وتستمر هذه الدورة. ويُظهر هذا الاستمرار أن جذور الصراع لا تكمن في سلوكيات أو سياسات عابرة، بل في طبقة أعمق وأكثر بنيوية؛ ألا وهي المواجهة الجوهرية بين القوّة المهيمنة والدول التي تعتبر مبدأ الاستقلال جوهر هويتها وبقائها. لا تكمن المشكلة الرئيسية في عداء الجمهورية الإسلامية للولايات المتحدة، بل في طبيعة نظام الهيمنة الأميركي الذي لا يتسامح مع وجودِ آخرَ مستقلٍ وذي نفوذ في منطقة إستراتيجية، ويُعدّ صراع الجمهورية الإسلامية في الواقع رد فعل على هذه الطبيعة المتعجرفة.
[...] بات من الواضح الآن لماذا كانت الثورة الإسلامية في إيران، من منظور نظام الهيمنة الأميركية، حدثًا كارثيًا. لم تكن هذه "الكارثة" ناتجة عن فقدان حليف، بل عن ظهور حالة خارج السياق في قلب الشرق الأوسط الإستراتيجي. كانت إيران في عهد بهلوي نموذجًا للحليف المثالي ضمن إطار النظام الأميركي؛ حامية للمصالح الغربية في المنطقة، ومشتريًا رئيسيًا للأسلحة، ومتوافقة مع السياسات الجيوسياسية الكبرى.
حطمت الثورة الإسلامية هذا النموذج تمامًا؛ إذ إن (لا شرقية ولا غربية) كانت عقيدة سياسية ضربت مباشرة جوهر فلسفة نظام الهيمنة. هذه العقيدة تعنى أن أمة، بالاعتماد على هويتها التاريخية والدينية، وعلى مر تجاربها المريرة مع التدخلات الأجنبية، قررت أن تتحكم في مصيرها. منذ تلك اللحظة، وبغضّ النظر عن الحكومة التي كانت في السلطة في طهران أو السياسات التي انتهجتها، أصبحت الجمهورية الإسلامية مشكلة بالنسبة لواشنطن؛ مشكلة كان لا بد من احتوائها أو تغييرها أو دمجها في النظام.
[...] تجدر الإشارة إلى أن القضية النووية ليست السبب الرئيسي للصراع، بل هي المجال الأنسب والأكثر فعالية لإدارة هذه المواجهة الهيكلية. كان لدى الجانب الأميركي أسباب معينة لاختيار هذه القضية؛ فبسبب الحساسيات العالمية المحيطة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، تسمح التكنولوجيا النووية للولايات المتحدة بممارسة ضغوطها وعقوباتها الأحادية تحت ستار المخاوف الأمنية الدولية، وباستخدام أدوات متعددة الأطراف (مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن). هذا يخفي الطبيعة السياسية للصراع ويمنحه مظهرًا تقنيًا وقانونيًا.
كان الخوف من إيران نووية أداة فعالة لتقريب الحلفاء الأوروبيين وحتّى الخصوم مثل روسيا والصين، في حين أن ازدواجية المعايير تجاه الترسانة النووية "الإسرائيلية"، الخارجة عن أي رقابة، تُظهر بوضوح أن الشاغل الرئيسي ليس التكنولوجيا نفسها، بل من يملكها. من منظور النظام المهيمن، يُعدّ بلوغ القوّة المستقلة والناقدة لأقصى رمز للقدرة الإستراتيجية بمثابة تغيير في موازين القوى وإضعاف سيطرته على المنطقة".
نزع الكرامة ونزع الأرض
كتبت صحيفة "رسالت": "إن التحركات العسكرية "الإسرائيلية" في جنوب سورية لم تعد تقتصر على عمليات ظرفية وردود فعل، بل أصبحت نمطًا عملياتيًا منهجيًا وهادفًا. إن الغارات المتكرّرة التي تشنها القوات المعتدية على مناطق في محافظة القنيطرة، لا تُعد انتهاكًا صارخًا للمجال الجوي والبري السوري فحسب، بل هي أيضًا وثيقة حية لإعادة تعريف حدود هيمنة "تل أبيب" ونفوذها على أراضي هذا البلد العربي. هذه العملية، المدعومة بضوء أخضر ضمني من القوى الدولية (وخاصة الولايات المتحدة) وفي ظل صمت المنظمات الدولية، قد شكلت تحديًا خطيرًا لمفهوم وحدة الأراضي السورية في ظل المعادلات الأوسع للقوى الإقليمية.
ما يميز هذا العدوان عن الهجمات السابقة هو استمراريته وتوسعه الجغرافي. لم يعد الكيان الصهيوني المعتدي يكتفي باستهداف المنشآت العسكرية أو قوافل الإمداد، بل بات يُغيّر خطوطه الحمراء باستمرار عبر غزو المناطق الريفية والمدنية. وقد أدت هذه العمليات، لا سيما في المحافظات الحدودية كالقنيطرة، إلى تقليص سيادة الحكومة المركزية في دمشق إلى مجرد مفهوم اسمي في هذه المناطق.
والأخطر من جرأة "إسرائيل" هو غياب أي رد فعل حازم من الحكومة القائمة؛ ففي الماضي، كان أي عدوان عسكري يُقابَل بردود فعل قوية ووعود بالانتقام، أما اليوم، فإن حرية تحرك الدوريات "الإسرائيلية" في مناطق حساسة كجبل الشيخ، في ظل سلبية دمشق الملحوظة، تُثير تساؤلًا جوهريًا: هل لا تزال السيادة تحمل مضمونًا سياسيًا وميدانيًا في الإطار الجغرافي الحالي لسورية؟
هذه السلبية تُرسل تدريجيًا رسالة مفادها أن بقاء دمشق السياسي قد تحقق على حساب تجاهل انتهاكات السيادة في أجزاء من الأراضي المُحددة. لقد حوّلت هذه الصفقة المريرة مفهوم الكرامة الوطنية، الذي كان ركيزة أساسية في الخطاب السوري الرسمي، إلى مجرد استعارة جوفاء، وحوّلت الدولة من حاكم للأرض بأكملها إلى مدير محدود للمركز.
[...] يقدم هذا النهج صورة جديدة لمفهوم (الاحتلال)؛ احتلال لا يقوم فقط على أساس الاحتلال المادي للأرض، بل أيضًا على أساس التدمير الرمزي وانهيار الثقة الوطنية. باستهدافها الكرامة الوطنية، تُحارب "إسرائيل" روح الدولة السورية. في مثل هذا السياق، حيث يتم انتهاك كلّ جزء من الأراضي السورية من قبل "تل أبيب" تحت ذريعة ما، ولا يتم خلق أي عائق جدي من قبل الجماعات المسلحة المحلية ضدّ هذه العدوانات المزعزعة للاستقرار، فإن مفهوم سورية الموحدة معرض للتآكل القاتل".
لماذا تسببت كلمات عراقتشي في سوء الفهم؟
كتبت صحيفة "إيران": "كانت جملة قصيرة، مُقتطعة من النص الأصلي ومتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، كافية لإثارة موجة من الانتقادات لخطاب ألقاه وزير الخارجية سيد عباس عراقتشي مؤخرًا. ففي يوم الخميس الماضي، وخلال لقاء مع نشطاء ورجال أعمال من القطاع الخاص، تحدث عن العقوبات باعتبارها عاملًا يُثقل كاهل الاقتصاد الإيراني منذ سنوات، وأنها، بالإضافة إلى استهدافها للعلاقات الخارجية، قد أثرت على قرارات الإدارة والآليات الداخلية، بل وحتّى على السلوك اليومي للقطاع الخاص.
ولكن من بين كلّ هذه الكلمات، برزت جملة واحدة فقط وتصدرت عناوين الأخبار دون مقدمة أو توضيح: (أعلم أن للعقوبات فوائد). وعندما أُخرجت هذه العبارة نفسها من سياقها الأصلي، رُددت وكأن وزير الخارجية يتجاهل ضغوط العقوبات وتكاليفها. ومن الطبيعي، في مجتمع تُعتبر فيه العقوبات مرادفة لارتفاع الأسعار والمعاناة والجمود الاقتصادي بالنسبة للكثيرين، أن يُفسر مثل هذا التصريح، إذا نُشر دون توضيح، على أنه مدح للعقوبات أو تجاهل للضغوط الخارجية.
في حين أن لقاء عراقتشي مع نشطاء القطاع الخاص ورواد الأعمال لم يكن مجرد حوار اقتصادي عادي، بل كان أشبه بمحاولة لفهم ما لم يُقل، والتعبير عن أمور غير معلنة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقع الاقتصاد الإيراني. كان وزير الخارجية يسعى إلى تقديم صورة شاملة للاقتصاد الإيراني، الذي يرزح تحت وطأة العقوبات الخارجية والمشاكل الداخلية في آن واحد.
قال عراقتشي في اللقاء نفسه: (أعرف معنى العقوبات، وأعرف تكلفتها على البلاد، وأعرف مشاكلها)، فلا ينبغي لأحد أن يشكك في معرفة عراقتشي بالعقوبات؛ جملة لو أُلقيت عليها نظرة، لكانت مفتاحًا لفهم موقفه كمديرٍ شارك لسنوات في مفاوضات رفع العقوبات، ويدرك أنها واقعٌ ملموس في الاقتصاد والدبلوماسية وصنع السياسات.
وسط ضجيج الانتقادات، غاب عن الأذهان مَن كان يخاطب وزير الخارجية؛ إذ كان جمهوره ممثلين عن القطاع الخاص، وهم أنفسهم الذين اشتكوا أكثر من غيرهم من العقوبات الداخلية، واللوائح المعقّدة، والتوجيهات المتضاربة. لذا، حاول تحويل النقاش إلى تجربة ملموسة، وهي أن سنوات من العيش تحت ضغط العقوبات الخارجية أجبرت الاقتصاد الإيراني، رغمًا عنه، على إيجاد سبل جديدة، وأن يكون أكثر إبداعًا وابتكارًا.
كان رأي عراقتشي أنه إذا أُخذت هذه القدرة على التكيف والابتكار على محمل الجد في الداخل، ولم تُعرقلها العقبات الإدارية، فإنها ستُقلل من هشاشة الاقتصاد. في هذا السياق، كانت عبارة (نعمة العقوبات) إشارة إلى هذه التجربة غير المقصودة التي حاولت إظهار أن الضغط الخارجي، رغم تكلفته، يكشف أحيانًا عن نقاط ضعف قديمة، ويُجبر المديرين والهياكل على تغيير مسارهم. تحدث وزير الخارجية من هذا المنظور تحديدًا، مصرحًا بأن العقوبات مؤلمة ومكلفة، لكن هذا الضغط نفسه يمكن أن يحوّل الإصلاحات من خيار اختياري إلى ضرورة لا مفر منها".