اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الجامعة الإسلاميّة في لبنان تتقدّم إلى المركز 68 في التصنيف العربي ARU للجامعات 

مقالات

لقاء نتنياهو - ترامب: مخاوف وآمال في
مقالات

لقاء نتنياهو - ترامب: مخاوف وآمال في "تل أبيب"

61

لا يمكن مقاربة اللقاء بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب بوصفه محطة دبلوماسية عادية أو جولة تنسيق تقليدية بين الطرفين، بل يتعيّن التعامل معه كنقطة اختبار حقيقية لما أفرزته الحروب الأخيرة منذ ما بعد طوفان الأقصى، وكحدثٍ تأسيسي لما قد يليها. ويتمثل عنوان هذا الاختبار الأساسي في ما إذا كانت الوقائع المستجدة قابلة للتحول إلى واقع أمني مستقر لمصلحة العدو، أم أنها ستتآكل تحت ضغط المتغيرات، وفي طليعتها المتغير الأميركي. فالمسألة لا تتصل فقط بما تريده "إسرائيل" أو بما يريده البيت الأبيض، بل هي مواجهة بين منطقين: منطق إستراتيجي طويل النفس، يجسد إرادة أمة تطمح إلى التحرر والاستقلال، ومنطق أميركي-"إسرائيلي" يسعى إلى إظهار حركة ونتائج سريعة في أكثر من ساحة في آن واحد.

من الواضح أن مرحلة الرهانات التي تلت اتفاق وقف العمليات العدائية في 27 تشرين الثاني من العام الماضي قد استنفدت نفسها وبلغت نهاياتها. فلا حزب الله خضع، ولا تراجع، ولا قدّم أي مؤشر على استعداده لتسليم السلاح، بل على العكس، يتصاعد الصراخ "الإسرائيلي" إزاء مسار التعافي الذي يسلكه. والنتيجة العملية لاستمرار هذا المسار ليست تثبيتًا للإنجاز، بل تحويله إلى إنجاز مؤقت، يُفرغ من مضمونه الأمني ويُختزل في صورة سياسية عابرة.

هنا تتبلور نقطة التوّتر المركزية: فالمؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" ترى أن أي انسحاب غير مشروط بنزع سلاح فعلي ليس سوى وصفة لإعادة إنتاج التهديد، لا لإزالته. فالخبرة المتراكمة منذ ما قبل عام 2006، مرورًا بغزّة بعد عام 2014، وصولًا إلى السابع من أكتوبر، تُظهر أن الترتيبات التي تُبنى على الردع وحده، من دون تفكيك البنية العسكرية للخصم، تنتهي دائمًا بانفجار أكبر. وعليه، فإن الخشية الحقيقية لا تكمن في فشل اللقاء، بل في التوصل إلى تفاهمات من شأنها تقييد "الإسرائيلي" ووضعه أمام واقع أمني أسوأ خلال سنتين أو ثلاث.

وسواء اتجهت التطورات نحو ما تخشاه "تل أبيب" أو في الاتّجاه المعاكس، فإن الخطر، من المنظور "الإسرائيلي"، لا يقتصر على الوقائع بحد ذاتها، بل يتعداها إلى الافتراضات التي تحكم التفكير الأميركي. أول هذه الافتراضات هو الاعتقاد بأن مواصلة الضغط السياسي والاقتصادي قد تدفع حزب الله إلى تغيير خياراته الإستراتيجية وهو ما سيؤدي إلى تكريس بنيته العسكرية. أما الافتراض الثاني، فيتمثل في الرهان على آليات انفاذ دولية، يُفترض إنشاؤها لاحقًا، لسد الفجوة بين التعهدات والواقع، ويعني ذلك مضيّ  المزيد من الوقت الذي سيستثمره حزب الله في مسار التعافي. في حين يكمن الافتراض الثالث، والأخطر، في اعتبار تجميد الصراع أو تخفيفه بحد ذاته إنجازًا إستراتيجيًا، حتّى لو ظلت أسباب الصراع وقدراته كامنة. وفي مثل هذا السيناريو، ستجد "إسرائيل" نفسها، في أحسن الأحوال، مقيّدة بمعادلات أمنية وسياسية تحول دون الذهاب بعيدًا في تحقيق طموحاتها.

في المقابل، تنطلق المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" من افتراض مغاير تمامًا، قوامه أن بقاء السلاح يعني بقاء خيار الدفاع والهجوم المفاجئ بيد المقاومة، خاصة وأن استخدام هذا السلاح لا يمكن منعه بالردع السياسي، بل فقط بالسيطرة الميدانية والقدرة على العمل المستقل. وعلى هذا الأساس، يطرح نتنياهو، بدفع من المؤسسة، مفهومًا أمنيًا “محدّثًا” يقوم على الدفاع المتقدم والمنع وحرية العمل، لا على الاكتفاء بخطوط فاصلة أو تعهدات مكتوبة. غير أن التجربة أثبتت أن هذا النهج لم يحقق المؤمل منه، ولم يجعل "إسرائيل" أقرب إلى بلوغ أهدافها، ما يجعل اللقاء اختبارًا لمدى استعداد الإدارة الأميركية لمواكبة العدوّ في سياساته الحربية.

وفي هذا السياق تحديدًا، تبرز إيران بوصفها العقدة الأخطر. فقد تكون "إسرائيل" حققت جزءًا أساسيًا مما تطمح إليه، في ضوء مواقف ترامب المتعهدة بضرب البرنامج النووي الإيراني مجددًا في حال حاولت طهران إعادة تفعيله، وكذلك بدعم "إسرائيل" في استهداف القدرات الصاروخية إذا واصلت إيران تطويرها.

إلى جانب ذلك، تفرض معضلة تركيا نفسها بقوة، إذ ترى "إسرائيل" أن أي دور تركي في غزّة أو سورية من شأنه تقييد حرية عملها وتحويل ساحات الاحتكاك إلى مساحات نفوذ متداخلة، في حين لا تنظر واشنطن إلى هذا الدور بالحدة ذاتها، بسبب حسابات أوسع تتصل بعلاقاتها مع أنقرة والرياض والدوحة. هذا التباين في الإدراك يرفع منسوب احتمالات الخلاف، ويجعل إدارة اللقاء سياسيًا مسألة لا تقل أهمية عن مضمونه الأمني.

وعلى المستوى الشخصي-السياسي، تدرك المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" طبيعة ترامب المزاجية ومحدودية صبره على التفاصيل، ولذلك أوصت نتنياهو بأداء بالغ الدقة: الدفاع عن الخطوط الحمراء من دون الانزلاق إلى مواجهة علنية قد تنقلب عليه سياسيًا وأمنيًا، كما حدث مع فلاديمير زيلينسكي. فأي خطأ في الأسلوب قد يُفسَّر في واشنطن على أنه جحود أو عرقلة، لا باعتباره دفاعًا عن مصالح أمنية وجودية.

في المحصلة، يحمل اللقاء احتمالين متناقضين: إما تثبيت إنجازات الحرب ضمن إطار أمني صارم يربط أي انسحاب بنزع سلاح فعلي وآليات إنفاذ حقيقية، وإما الانخراط في مسار تسويات سياسية تُفرغ الإنجاز من مضمونه وتعيد إنتاج التهديد بصورة مؤجلة. وتميل المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" إلى القتال على كلّ بند، لا بدافع سياسي داخلي فحسب، بل انطلاقًا من تقدير مفاده أن الأمن الذي لا يُبنى على تفكيك القوّة المعادية هو أمن مؤقت، وأن أخطر ما قد يخرج به اللقاء ليس فشله، بل نجاحه على أسس خاطئة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة