خاص العهد
دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال
ليس في الأمر ما يثير الحرج أو "المهانة" الاعتراف، وهو ما تردّد مرارًا وتكرارًا على ألسنة قياديين، أنّ حزب الله تعرّض إلى ضربات كبيرة من عدوّه التاريخي. ضربات كفيلة بلا شكّ بتدمير دول وجيوش وجعلها في خبر "كان"، نظرًا لـ"العربدة الإسرائيلية" التي لم تقف عند حدّ، والدعم العسكري الأميركي اللامحدود. إلا أنّ الحزب الذي خرج من سنة "الضربات المتتالية" عام 2024، ومن حرب خبيثة استشهد خلالها العديد من القادة على رأسهم سماحة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، دخل عام 2025 بروحية المُطمَئِن بأنّ "الضربة التي لا تقتلك تجعلك أقوى". وعليه، عمل في العام المذكور وبكل ما أوتي من قوّة على ترميم قواه وظروف بيئته لتكون سنة 2025 سنة الاستمرارية والتعافي. صحيح أن الحزب تعرض لأقسى محطّة في تاريخه المشرّف لكنّ ذلك لا يعني مُطلقًا أنه "انتهى" كما يحلم بعض الموتورين، فالعبرة تبقى بـ"الخواتيم" والنهايات.
تحدي "العودة" لبيئة المقاومة
ولا نبالغ إذا قلنا، إنّ عام 2025 كان عام الضغوط القصوى وغير المسبوقة على حزب الله وبيئته، داخليًا وخارجيًا، وهي ضغوط استُخدم في سبيلها الإعلام كأداة للعب على وتر الطائفية والمذهبية والمناطقية وما إلى هنالك، كما زُجّت فيها التلفيقات والأكاذيب، فيما عمل العدو على منع عودة الأهالي إلى قراهم الحدودية، فبرزت أولى التحديات لهذه البيئة بعد انتهاء مدة الهدنة (الستين يومًا)، أي في 26 كانون الثاني 2025. يومها، عمل الأهالي العزّل على تحرير قراهم من دنس الاحتلال، وسقط على درب التحرير شهداء من البيئة المقاومة. ورغم ذلك لم يهن أشرف الناس ولم يضعفوا بل أصروا على العودة رغم إطلاق العدو النار المباشر عليهم، فاختلطت دماء الشعب مع دماء المقاومين الذين كانت أجسادهم لا تزال على الثرى رغم مرور أشهر على استشهادهم. وفي هذا السياق، حضرت مشهدية الأهالي الذين يبحثون عن رفات أولادهم الذي شكّلوا سدًّا منيعًا طيلة 66 يومًا منعوا خلالها الاحتلال من التقدم بضعة أمتار.
الحزب يسد فراغ الدولة
على الصعيد الخدماتي، استكمل حزب الله ما بدأه نهاية عام 2024، حيث سدّ فراغ غياب الدولة والحكومة اللبنانية المسؤولة عن إيواء الناس الذين دُمّرت بيوتهم جراء العدوان، فأسهم في إيواء العائلات ودفع بدل إيواء لها، وسط تخاذل واضح وألاعيبَ من السلطة السياسية حيال هذا الملف. وفي هذا السياق، لم يُوفّر نواب ووزيرا حزب الله جهدًا للمطالبة بتحمل الدولة مسؤوليتها في ملف إعادة الإعمار الذي يجب أن يكون من مسؤولية الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية، لا الأحزاب. أكثر من ذلك، لم تتحمّل الدولة مسؤوليتها بل أسهمت في حصار الناس، وقد برزت مسرحية التحذير الأمريكي بأن "إسرائيل" قد تستهدف طائرتين إيرانيتين قادمتين من طهران في شباط 2025، كانتا تقلّان مسافرين لبنانيين، بزعم نقل أموال أو أسلحة لحزب الله عبر الرحلات، فخضعت السلطة اللبنانية للأوامر الخارجية، ولم تعط الإذن للهبوط، ليستمر قرار تعليق الرحلات الإيرانية إلى لبنان حتى اليوم.
وفي الشق المالي، تعرضت مؤسسة القرض الحسن التي تُعد بمنزلة متنفّس مالي للناس من مختلف الطوائف لأعنف حملة شرسة من قبل الداخل اللبناني والإعلام المرتزق، بأوامر خارجية، حيث أصدر مصرف لبنان في منتصف تموز، قرارًا بمنع المصارف والمؤسسات المالية من التعامل، مباشرًا أو غير مباشر، مع القرض الحسن، وذلك في إطار سياسة الخنق المالي لبيئة المقاومة. إلا أنّ المؤسسة صمدت وبقيت أبوابها مفتوحة للناس، وتحدّت كل الضغوط، وأعلنت أنها لا تخضع لرقابة مصرف لبنان وتؤدي خدماتها الاجتماعية كما هو معتاد. أكثر من ذلك، تعرضت لتلفيقات تزعم تغيير اسمها، وذلك في سياق الحرب النفسية على الناس.
التشييع المبارك.. الحزب الأوسع شعبيًا وجماهيريًا
أما المحطة المشرقة والكبيرة في هذا العام، فكانت في 23 شباط، في مناسبة تشييع السيدين الشهيدين الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، والشهيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين. ولضخامة المشهد وعظمته، بُهت الذين روّجوا لمقولة إن حزب الله انتهى. صورة واحدة من المدينة الرياضية كانت كفيلة بنسف سرديات إعلامية من بنات أفكار مروّجيها، دُفعت في سبيلها مليارات الدولارات، ليتبيّن أنّ الحزب الذي قيل عنه انتهى، لا يزال الأوسع شعبيًا وجماهيريًا، حيث شارك في التشييع أكثر من مليون شخص، توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية ومن 79 دولة، وتحدوا كل التهديدات الأمنية في سبيل روح الشهيد الأسمى الذي بات بشهادته الأكثر حضورًا، ليكون الشعب الوفي على العهد. وقد كان لافتًا قوّة التنظيم ودقّته حيث شارك نحو 3000 إعلامي وإداري وفني في الحدث الأضخم.
الاستحقاقات الدستورية.. بصمات فاعلة
وقد كان لحزب الله بصمات عديدة وبارزة في العديد من الاستحقاقات الدستورية على رأسها الإسهام في تخطي الفراغ الرئاسي وانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية في 9 كانون الثاني، وبعد تسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة من قبل بعض الفرقاء، سهّل حزب الله عملية التشكيل في شباط، وقدّم كل ما لديه في سبيل تجاوز عراقيل التشكيل، وقد تمثّل الحزب في وزيرين فاعلين في العديد من المجالات ولمصلحة اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم. أما الانتخابات البلدية في أيار، فقد شكّلت استحقاقًا مهمًّا لحزب الله وحركة أمل. استحقاق بدت بموجبه بيئة المقاومة الأكثر تماسكًا رغم كل ما قيل وقال عن نقمة وتململ في أوساطها. وقد بيّنت صناديق الانتخابات البلدية أنّ الناس جدّدت ولاءها وعهدها للثنائي الوطني، بعيدًا عن كل ما أشيع سابقًا و"بروباغندا" الخروقات، وفي هذا الإطار، يأتي سعي بعض مناوئي الثنائي اليوم لتأجيل الانتخابات النيابية خوفًا من أن تنسحب تجربة الانتخابات البلدية على النيابية، ويقول الناس الأوفياء جملتهم الشهيرة "إنا على العهد" في صناديق الاقتراع.
الحملة على سلاح المقاومة والفتن الداخلية
بالموازاة، بدأت الحملة تشتد وتشتد على سلاح المقاومة وبيئتها. الانتهاكات "الإسرائيلية" تجاوزت مع نهاية العام الـ10 آلاف باعتراف "اليونيفيل"، وقد تمكّنت "إسرائيل" منذ وقف إطلاق النار حتى تاريخه من تدمير ونسف منازل عديدة في القرى الحدودية لم تتمكّن أيام الحرب من نسفها. تدمير قرى بأكملها، واستهداف مئات الشهداء، وكل ذلك لم تره الولايات المتحدة الأميركية راعية "الاتفاق" وبعض الداخل.
جل ما رأوه سلاح المقاومة، حتى أنّ لجنة "الميكانيزم" تحوّلت إلى آلية بلا أية فعالية، وما من داع هنا للدخول في التفاصيل التي باتت معروفة للجميع. وفي هذا الإطار، برزت تصريحات مندوبي واشنطن التي صوّبت سهامها المتكرّرة على السلاح، وتماهى معها بعض الداخل الذي لم تقف تحريضاته في هذا الإطار عند حدّ معيّن، رغم الالتزام التام من قبل المقاومة بوقف إطلاق النار، حيث لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه كيان العدو الذي لم يعرف حدودًا للانتهاكات، فاستهدف القائد الجهادي الكبير الشهيد هيثم علي الطبطبائي ورفاقه في 23 تشرين الثاني، وسط تعويل من قبل بعض مناوئي الحزب على "الضربة" الكبيرة التي تلقاها، والذي اعترف بأن الخسارة كبيرة، لكن الاغتيال لم يؤد إلى ضرب المعنويات وتمكّن حزب الله من السيطرة على الوضع المستجد واستعادة القدرة.
والمؤسف أنّ السلطة السياسية تصرّفت بمعزل عن مطالب شعبها وآرائه ومصلحته، وقد بيّن استطلاع للدولية للمعلومات في أيلول أنّ 58.2% من اللبنانيين يرفضون تسليم سلاح حزب الله للدولة دون ضمانات كافية للأمن الوطني من العدوانية "الإسرائيلية". وأكدت نتائج استطلاع مماثل للمركز الاستشاري بين 27 تموز و4 آب 2025 ــ أي بالتوازي مع اشتداد الحملة ــ أن 60 % من اللبنانيين يرفضون تسليم السـلاح، كما أنّ 58% من اللبنانيين يرفضون المسّ بسلاح المقاومة ما لم تكن هناك إستراتيجية دفاعية واضحة. ويرى 72% أن الجيش اللبناني وحده غير قادر على مواجهة عدوان "إسرائيلي"، و76% يرون أن الدبلوماسية وحدها غير كافية لردع العدوان. إلا أنّ كل تلك الاستطلاعات والمطالبات الحقيقية من البيئة لم تقف عندها السلطة السياسية في لبنان.
وبدل أن تقف الحكومة اللبنانية موقفًا ثابتًا موحدًا، مطالبةً بوقف الاعتداءات وانسحاب "إسرائيل" من النقاط التي احتلتها وإعادة الأسرى قبل البحث بأي شيء آخر، عقدت في 5 آب جلسة لها، كلفت بموجبها الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح. كذلك أقرت في جلسة 7 آب، وبغياب المكوّن الشيعي، ورقة المبعوث الأميركي توم براك، وذلك على وقع اعتداءات "إسرائيلية" طاولت الجنوب والبقاع، قبل أن يتم تجميدها في جلسة 5 أيلول.
إذكاء نار الفتنة
وفي هذا الصدد، راهن كثيرون على إحداث شرخ بين الجيش اللبناني وحزب الله، وبدؤوا برسم سيناريوهات التقاتل والتشرذم والاحتكاك بالنار بين المقاومة والمؤسسة العسكرية، إلا أنّ هؤلاء تلقوا صفعة ثلاثية الأبعاد، حيث تعالى الحزب، رغم كل الضغوطات، عن الاعتبارات كافة، وأبدى تعاونًا غير مسبوق مع الجيش اللبناني، باعتراف الأخير، وقائده العماد رودولف هيكل الذي تعاطى بحكمة ومسؤولية مع المواقف الراهنة.
إضافة إلى محاولة إذكاء نار الفتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة، سعى بعض الأفرقاء جاهدًا لإذكاء نار الفتنة بين حزب الله وبيئته. صوّر هؤلاء بيئة المقاومة كأنها باتت خارجة عنها. إلا أنّ محطات عديدة دحضت كل هذه التلفيقات التي لا أساس لها من الصحة، وعلى رأسها كما أسلفنا محطة التشييع المبارك، والانتخابات البلدية. وقد بحث الإعلام المعادي بـ"السراج والفتيلة" للعثور على عائلة فقدت منزلها لمهاجمة المقاومة والحديث عنها بالسوء، إلا أنّ محاولات عديدة من هذا القبيل باءت بالفشل. فكانت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالفيديوهات لأبناء البيئة يُعلنون فيها الولاء للمقاومة من فوق المنازل المهدّمة ومن جانب نعوش الشهداء، ويعلنون استعدادهم لتقديم المزيد من الشهداء في سبيل الخط المقاوم. ومن الفتن التي حلم بعضهم بها، هي الفتنة داخل البيئة الشيعية بين حزب الله وحركة أمل، فأوحى هؤلاء بأنّ ثمة خلافات وتباينات بين عين التينة وحارة حريك، في العديد من الملفات، إلا أنّ كذب هؤلاء وافتراءاتهم تلاشت جراء التلاحم ووحدة الموقف بين الثنائي الوطني والتي كانت تزداد يومًا بعد يوم.
التجمع الكشفي.. أكثر من 74 ألف كشفي وكشفية
بعد التجمع المليوني في تشييع السيدين الشهيدين، شهدت المدينة الرياضية في تشرين الأول التجمع الكشفي الأضخم في العالم، تجمع "أجيال السيد"، وذلك لمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس جمعية كشافة الإمام المهدي (عج)، إذ حضر أكثر من 74 ألف كشفي وكشفية من مختلف المناطق اللبنانية، متحدّين كل الظروف والتهديدات الأمنية التي سبقت التجمع.
تجمع فاطمي حاشد و41439 عاملة في مختلف القطاعات
مشهدية أخرى برزت في 13 كانون الأول، وشكّلت "حصرمًا" في عيون المتربصين بالمقاومة، تمثلت في التجمع الفاطمي الذي أقامته وحدة العمل النسائي في حزب الله لمناسبة ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) ويوم المرأة، وذلك بمشاركة 22090 أختًا في المراكز المتوزّعة على المناطق اللبنانية الخمس. وقد عُرضت فيه معلومات قيّمة بيّنت حجم القاعدة النسائية الفاعلة والعاملة في حزب الله والتي بلغت 41439 عاملة في مختلف القطاعات والمناطق، هذا بالإضافة إلى النساء في البيئة الحاضنة للمقاومة.
قيادة متماسكة وحكيمة
وعلى مدى 12 شهرًا مرت، لم تغب القيادة الحكيمة لحزب الله عن الناس، فكانت إطلالات الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بمثابة "الطمأنينة" لبيئة تعرّضت لأقسى أنواع الحروب والضغوط. وقد بلغت إطلالات سماحته منذ 4 كانون الثاني حتى تاريخه نحو 44 كلمة متلفزة، و4 مقابلات، وهي إطلالات وضع فيها شيخ المقاومة "النقاط على الحروف" وكانت فيها الصراحة والحكمة والتماسك سمات طاغية على خطابِ خيرِ خلَف في الأمانة العامة لحزب الله.