الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

خاص العهد

محادثات مسقط: إيران تفاوض بثقة وواشنطن تراجع حساباتها أمام ثوابت طهران
27/04/2025

محادثات مسقط: إيران تفاوض بثقة وواشنطن تراجع حساباتها أمام ثوابت طهران

في مشهد دبلوماسي يحمل بين طياته الكثير من الدلالات الإقليمية والدولية، اختتمت يوم أمس السبت في العاصمة العُمانية مسقط الجولة الثالثة من المحادثات غير المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية، والتي جرت برعاية سلطنة عمان ووسط ترقب واسع النطاق. 

هذه المفاوضات التي تأتي في ظل تصاعد التوترات في المنطقة شكّلت محطة جديدة في مسار طويل من الأخذ والرد حول الملف النووي الإيراني، حيث وُصفت هذه الجولة بأنها الأكثر تفصيلاً من حيث الجوانب الفنية والتقنية، بمشاركة خبراء متخصصين من الجانبين. 

وفي حين عبّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي عن رضا بلاده النسبي عن مسار التفاوض، لم يُخفِ وجود خلافات جدية للغاية، ما يعكس حجم التعقيد الذي يلف هذا الملف الإستراتيجي الذي يتجاوز حدوده التقنية إلى عمق الصراع الجيوسياسي المحتدم بين منطق السيادة الإيرانية ومشروع الهيمنة الأميركية.

مدير دراسات الشرق الأوسط بالخارجية الإيرانية مجتبى فردوسي بور أكد أنّ: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدخل اليوم باب التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، من موقع القوة والثبات، لا من موقع الضعف أو التردد، مستندةً إلى إرث نضالي وتجربة غنية بالتحديات، أثبتت خلالها وفاءها لعهودها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، رغم النكوص الأمريكي الأحادي عن الالتزامات".

وفي حديث لموقع العهد الإخباري قال فردوسي بور: "إنّ طهران تخوض جولات التفاوض الحالية، التي تعقد بوساطة سلطنة عمان، بروحية جديدة، أكثر رسوخًا وعقلانية، بعد أن راكمت تجربة غنية في مواجهة الغطرسة الغربية، مبيّنا أن إيران، بثباتها الإستراتيجي، أرغمت الأمريكي على العودة إلى طاولة الحوار".

ورأى أنّ هذه المفاوضات التي تجري في مناخ إقليمي متوتر، جاءت كإشارة تحاول تحمل دلالات مهمة، خصوصاً أن الجانب الأميركي، وعلى الرغم من تهديداته الصاخبة، قدّم مؤشرات على المرونة والواقعية، بعدما سقطت رهاناته على الضغوط القصوى، وبعد أن تكشف له بوضوح أن خيار المواجهة العسكرية مع إيران لم يعد ممكنًا دون أن تشتعل المنطقة برمّتها".

وتابع بور القول: "لقد رأينا جميعًا كيف أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لطالما استخف بالاتفاق النووي ووصفه بأسوأ صفقة في التاريخ، عاد مرغماً للجلوس مع الإيرانيين، بعد أن سقطت تهديداته على صخرة الصمود الإيراني، وأُجبر على الاعتراف بأن الجمهورية الإسلامية ليست من ذلك النوع الذي يُرهب بالضغوط أو يُغرى بالمكاسب الزائفة".

وفي تحليل لأسباب هذا التراجع الأمريكي، أوضح مدير دراسات الشرق الأوسط بالخارجية الإيرانية أن حزمة من العوامل دفعت واشنطن لإعادة حساباتها، على رأسها الجدية الإيرانية في إطلاق الرسائل الحاسمة، من أعلى هرم القيادة في الجمهورية الإسلامية، مرورًا بوزير الخارجية، وصولاً إلى كبار القادة العسكريين؛ كل ذلك مرفقًا بإدراك دولي واسع بأن قدرات إيران الدفاعية الهائلة، لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها.

ولفت إلى أن إيران اشترطت أن تجري المفاوضات بصيغة غير مباشرة، وبوساطة سلطنة عمان، وهو ما قبلت به الولايات المتحدة مرغمة، لتبدأ الجولات التي وصلت إلى محطتها الثالثة.

أما عن مضمون المفاوضات، فأشار فردوسي بور إلى أن النقاش لا يزال محصورًا في الشأن النووي، ولم يتوسع بعد إلى قضايا إقليمية أخرى، مؤكدًا أن الجولات المقبلة ستتطرق إلى تفاصيل فنية على غرار نسبة التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي.

الموقف الإقليمي... تغيرٌ في الاتجاه

وحول التفاعل الإقليمي مع هذه المفاوضات، اعتقد مجتبى فردوسي بور أن الدول العربية التي كانت تتابع من مقاعد المراقبين، باتت اليوم تعلن ترحيبها بالمفاوضات، وتدعو إلى استمرارها، وهو ما تعكسه خطوات ملموسة، كزيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران ولقائه قائد الثورة الإسلامية، في مشهد لم يكن ليتحقق لولا التحول في النظرة العربية تجاه إيران".

وشدد على أن خطاب إيران الصادق، وسياسة اليد الممدودة، ومبادئ حسن الجوار، أدت إلى إعادة بناء الثقة، لا سيما مع السعودية، بما ساهم في تبريد جبهات التوتر، وإفساح المجال أمام حوار بناء، يخدم استقرار المنطقة بكاملها".

وأوضح مجتبى فردوسي أن: "إيران، الدولة الحضارية العريقة، صاحبة الثقل الجيوسياسي، لا يمكن تهميشها أو الالتفاف على دورها، لأن أي مساس بها يعني إشعال فتيل النار في جسد المنطقة، وهو ما تدركه عواصم القرار، لذلك، نسمع تصريحات صريحة من بعض الدول الخليجية برفض استخدام أراضيها لضرب إيران، في موقف يُسقط رهانات العدو الصهيوني على الحرب الشاملة".

العدو الصهيوني... الخاسر الأكبر

وفي معرض رده على سؤال حول موقف الكيان الصهيوني من هذه المفاوضات، أكد مدير دراسات الشرق الأوسط بالخارجية الإيرانية أن العدو الصهيوني بات يرى في المفاوضات خطرًا وجوديًا على مشروعه التخريبي في المنطقة، لأنه يدرك أن التفاهم الأميركي-الإيراني، إن تحقق، سيعني نهاية مرحلة الهيمنة الصهيونية على القرار الدولي".

لذا، فإن فشل نتنياهو، رغم كل مساعيه، في دفع أميركا نحو مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران بحسب فردوسي بور، وبدأ اليوم يعيش خيبة أمله الكبرى، طهران تمكنت من فرض وقائع جديدة على الأرض، تحولت إلى موازين ردع حقيقية".

وبيّن أن العدو الذي يواصل اختلاق الروايات الأمنية الملفقة بشأن البرنامج النووي الإيراني، يسعى إلى فرض "النموذج الليبي" على إيران، أي تفكيك قدراتها السلمية بالكامل، لكن الواقع الميداني والقرار الإيراني الصلب، أسقطا هذا السيناريو الكارثي.

الملف النووي... سلميٌ بامتياز وخطر الكيان لا يزال قائمًا

واستطرد القول: "بينما تتهم إيران زورًا بسعيها لامتلاك سلاح نووي، يبقى الكيان الصهيوني هو التهديد الحقيقي لأمن المنطقة، كونه القوة النووية الوحيدة، خارج أي رقابة دولية، بل ويهدد باستخدامها ضد شعوبنا،أليس من المفترض أن تُفتح ملفات مفاعلاته النووية؟ أما آن الأوان لمبادرة عربية تطالب بجعل المنطقة خالية من السلاح النووي، بدءًا من نزع النووي الصهيوني؟".

وختم مجتبى فردوسي بور حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي التزمت بعدم عسكرة ملفها النووي، وأكدت مرارًا على سلميته، تتفاوض اليوم من موقع الحق، لا الخضوع، وإن أي محاولة للمساس بسيادتها، ستُواجه بردٍّ مزلزل".

الولايات المتحدة الأميركيةالجمهورية الاسلامية في إيران

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة