اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي منظمو مضائف الضاحية: التحديات والعدوان يزيداننا ثباتًا

نقاط على الحروف

دبلوماسية التباكي والتسوّل.. عودة
نقاط على الحروف

دبلوماسية التباكي والتسوّل.. عودة "قوة لبنان في ضعفه" بتوقيع رجّي

62

مرّة جديدة، صُدم اللبنانيون بوزير خارجيّتهم وهو ينظّر ويستعرض نظرية غريبة عن العمل الدبلوماسي؛ نظرية تُضاف من حيث غرابتها إلى سائر مآثره التي كلّما ظنّ المرء أنّ يوسف رجّي قد بلغ أعلى مراتب غرابة الأطوار، تفوّق الأخير على نفسه وابتدع مأثرة جديدة، أو جدّد كلامًا عتيقًا أثبت الزمن عقمه، وهي حال نظريته الأخيرة عن ارتكاز العمل الدبلوماسي اللبناني على الذهاب للأميركي والبكاء عنده.. وهذا؛ لأن الأميركي "يحبنا" -على حد قول رجّي- فاستجابته للدموع مضمونة ولو جاءت مقترنة بشروط وأوامر. وبالطبع يتوجّب على الباكي الخضوع والتنفيذ وبعدها الإنتظار. 

في هذا السياق؛ ولحفظ حقوق الملكية الفكرية، تجب الإشارة إلى أنّ رجّي لم يبدع في نظريّته هذه، بل عمل على إعادة تدوير نظرية "قوّة لبنان في ضعفه"، والتي طرحها مؤسّس حزب "الكتائب اللبنانية" بيار الجميّل (الجد).
 
باختصار، يقرّ رجّي أن الدبلوماسية ترتكز عادة إلى القوّة الاقتصادية للبلد أو إلى قوّته العسكرية، أو كليهما. ولأن لبنان- بحسب رجّي- لا يمتلكهما، فعليه التحلّي بقوّة البكاء، وجعلها ركيزة للعمل الدبلوماسي. يتحدّث الرجل بثقة، ولا يبدو عليه أيّ إدراك لفظاعة ما يقول، لا على مستوى انعدام الكرامة الوطنية فحسب، أيضًا على مستوى الاستخفاف في الحدّ الأدنى من الوعي والمنطق واحترام مدارس ومنهجيات العمل الدبلوماسي المعروفة. 

دعنا من كونه يضلّل الحقيقة التي يدركها الجميع، والتي تقول إنّ قوّة لبنان في سلاح المقاومة، وإنّ هذه القوة حمت لبنان وشكّلت رافعة دبلوماسية له على مدى سنوات طوال، وعملت على ردع العدوّ منذ التحرير في العام ٢٠٠٠، وأنّه وحزبه والطاقم السياسيّ الذي ينتمي إليه يقومون على مدار الساعة بالمطالبة الشرسة بنزع هذا السلاح وتجريد لبنان من قوّته. 

ودعنا، أيضًا، من كونه يدرك جيّدًا هذه الحقيقة، ويسعى إلى تغييرها بناء على شروط أميركا وتعليمات سفاراتها، هل من المقبول منطقيًّا وموضوعيًا أن يتحدّث رجلٌ يتبوّأ منصب وزارة خارجية بهذه الأريحية والتباهي عن استخدام البكاء والاستجداء، ويتبعهما بالدعوة للخضوع والتنفيذ، هكذا من دون خجل؟.

على سبيل توضيح الواضحات، والتي يعرفها رجّي جيّدًا، كما يعرفها كلّ من على هذه الأرض، ويتعمّد تجاهلها لتكريس نظريّته، وهي في أدبيّات أهل الشرف تُسمّى الذلّة، في استجابة واضحة للأوامر الأميركية التي تقضي بأن يُجرّد لبنان من قوّته، أي من المقاومة: لبنان ليس ضعيفًا. لبنان يمتلك قوّة عسكرية وازنة ومجرّبة ومنظّمة تُدعى المقاومة الإسلامية في لبنان، ويلتفّ حولها مجتمع متكامل ينتمي أفراده إلى مختلف الطوائف والمذاهب والتيارات الفكرية. وتاليًا؛ يمكن لرجّي لو شاء البحث عن ركيزة حقيقية للعمل الدبلوماسي أن يجدها بسهولة. ورقة القوة هذه إن أراد، أيّ دبلوماسي استخدامها، سيجد نفسه متمكنًا ومستندًا وقادرًا على إتمام عمله كما يجب. 

في الواقع، الحديث عن لبنان ضعيف ليس سوى إيعاز أميركي مباشر وعلنيّ، وقد وجّه الأخير أدواته جيّدًا للبدء بحملات إعلامية وكلامية تتحدّث عن كون المقاومة انتهت وولّى زمان القوّة في لبنان. وهنا؛ نتذكّر جيّدًا توجيه ليزا جونسون على العلن للسياسيين والإعلاميين العاملين، في الفلك العوكري، بوجوب الاستعداد لــ"مرحلة ما بعد حزب الله"، وأوعزت إليهم الترويج لـ"مرحلة سياسية جديدة سيشهدها البلد قريبًا ليس للحزب مكان فيها". 

في هذا السياق، تحلّ نظرية رجّي استجابةً متناسبة وهذه المرحلة لإيعاز أميركي سبق تولّيه منصب وزارة الخارجية، وتواصل. بكلام آخر، يتحدّث رجّي عن بلد ضعيف لا يملك إلا دموع الذلّة، في محاولة تحصيل أمانه وفتات حقوقه، أي بلد نُزع منه سلاح مقاومته. هذه الأمنية الأميركية لم تتحقّق واقعًا، إلّا أنّ الخطاب الإعلامي العامل وفقًا لتعليمات عوكر يحدّث عنها على أنها واقع قد تمّ وكُرّس.. 

الهبّة الإعلامية المتواصلة ضد سلاح المقاومة، وكذلك الضغط الأميركي الحاصل، والذي يمكن اختصاره بورقة الشروط التي وضعها المبعوث الأميركي توم براك، أضف إلى ذلك شحن الأجواء المحليّة بالتضليل والتحريض على المقاومة وأهلها، جميع هذه الجهود الأميركية الصهيونية تعني علمهم جيّدًا أنّ المقاومة في لبنان لم تنته، ما يعني تاليًا أن لبنان لم يزل قويًّا. 

لهذا، لبنان الذي يذهب إلى واشنطن للبكاء وتسوّل فتات الحقوق ليس موجودًا إلّا في ذهن رجّي ومن مثله.. ولن يكون له فرصة للوجود.. كذلك علّمنا التاريخ ولقنّتنا التجارب.. وهذا ما ندركه لا باليقين فحسب، أيضًا بالوقائع والأحداث.

الكلمات المفتاحية
مشاركة