ليلى عماشا

يكتبُ الزمان أن يوم ميلادك فيه هو اليوم: الحادي عشر من آذار. تراه لم يتصفّح كم مولدًا لك في قلوبنا، وكيف تولّد وجهك في مخاضات الضلوع مع كلّ دمعة يا الحبيب، مع كلّ هنيهات الصّبر المحنّى بالوجع، وباليقين؟

في مثل هذا اليوم ولدت يا ابن كرمان العظيم، لتسيرَ نحو الثورة حرًّا جميلًا،  تسابقك خطاك وقلبك يتبعك، أم كان مولودًا في ثناياها، وعلى مفترقها الأقدس كان ينتظرك؟!
وفي مثل هذا اليوم، في آخر مرّة قبل استشهادك، تمنّيت أمام قالب الحلوى وقلوب العائلة الشهادة. ضحكتَ ممتنًا للحفلِ الصغير والحلوى التي تنطق بالبهجة. ضحكتَ بحياءٍ يكاد يحيل الضحكة بكاءً لطيفًا وأنت تستعجل العودة إلى محاور القتال.. بوابة السماء.

يا أبانا، يا المنادى على منابر الجراح المتناثرة في فضاءات الأرواح، كيف استحال المولدُ ذاكرة كلّ المواجع التي نطقت منذ فجر مولدك شهيدًا؟ ها نحن ذا، في حضرة تاريخ الميلاد المكتوب، يشتعل الضلع فينا شمعة، ونعاين في ضوئها أثر حزن ما انقضى، كالعشقِ باقٍ ما بقينا، كلّما قلنا غفا الجمرُ قليلًا، يستيقظُ متوهجًّا حيًّا،لا لم أنم.

حاج قاسم.. ما زلنا نشردُ في الصور، نختار لكلّ كلمة نودّ أن ندسّها في كفّك صورة.
هنا ضحكتَ بطمأنينة العارفين، يا أجملهم، فنخبرك عن فرح صغير أعدّه لنا الله ووجدناه في علبة وُضعت على باب يومياتنا.
هنا شردت عيناك ناحية السماء، كي تصحبنا نحوها حين تثقلنا المواجع وتكاد تُغرقنا في كثبان الدنيا.
وفي صورة تستلقي فيها كفّك على صدرك، كأنّها تمدّ لقلبك كتفًا يتكىء عليها هنيهة، فنهرع إليها بكلّ قلوبنا كي نتكّىء.
وهناك في الميدان، يا سيّده ووليّه، تحاصرنا الصور، يا أبهى أهل العسكر.
وفي المقام، يا حامي حماه، نذوب بدمعة استقرّت في تجاعيد عينيك، طمعًا بأن ننال مثلها ألق التخفّي في حِماك.
أيا أبانا، هل تسمع ما تسرّ لك القلوب في كل ليلة، أمام كلّ صورة، ممّا حوَت؟ صرتَ منذ ميلادك في الفجر الذي قسا صديق القلوب وصار وجهك موضع أسرارها وحصنها الأمين.
نتحلّق اليوم حول مولدك.. قلوبنا قالب حلوى، يودّ لو ينطق بالبهجة كما ذاك، لكنّ الحزنَ غلابٌ، والفقد ليس يُنسى يا أبانا، والجرحُ كالورد في حقل سماويّ، لا يحلّ عليه يباس ولا يجفّ ولا ينام.

الكلمات المفتاحية