اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي النصر اليماني درسٌ لكل أحرار العالم

تحقيقات ومقابلات

تحقيقات ومقابلات

دعمٌ من القلب... مساندة عوائل الشهداء نفسيًّا واجتماعيًّا

49

في مبادرة تحمل الكثير من المعاني الإنسانية، نظّمت الهيئات النسائية في منطقة جبل عامل الثانية لقاءات توجيهية في جميع قطاعاتها، بحضور فرق المؤازرة ولجان العمل التطوعي. وتأتي هذه اللقاءات في سياق تسليط الضوء على أهمية الاحتواء النفسي والاجتماعي لذوي الفقد، وتزويد المشاركات بآليات الدعم والمرافقة في أدقّ اللحظات التي تمر بها العائلات التي فارقت أحبتها. 

اللقاءات جاءت في جزء من سلسلة فعاليات تهدف إلى تعزيز ثقافة الدعم النفسي والتماسك الاجتماعي لعوائل الشهداء، وفقًا لمسؤولة الهيئات النسائية في قطاع الزهراني - منطقة جبل عامل الثانية، الحاجة باسمة كجك. في هذا الصدد؛ تؤكد كجك لموقع "العهد" أن هذه الفعاليات تأتي عملًا بوصية الشهيد الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله بالاهتمام والرعاية الشاملة لعوائل الشهداء، ماديًا ومعنويًا، مشيرة إلى أن الرعاية المعنوية تتطلب العمل المستمر والتواصل مع هذه الشريحة التي تعد فخر الأمة ومصابيحها.

وتضيف: "الهيئات النسائية، في منطقة جبل عامل الثانية، وضعت من ضمن أولوياتها العمل على عوائل الشهداء، إذ شعرت أن أقل الواجب  هو هذا الاحتضان المعنوي لتخفيف ألم الفقد. ولهذا الهدف وضعت الأخوات خططًا وبرامج متعددة". وتشير كجك إلى أن الهيئات النسائية قد باشرت بزيارة العائلات منذ عودتهم من التهجير، ومن خلال هذه الزيارات تبين ضرورة تلبية حاجات الأمهات والزوجات والأولاد، وأهمية المساندة في عدد من المجالات، ما دفع الهيئات النسائية إلى إقامة ورش تأهلية للأخوات ليتمّكن من مؤازرة العوائل، موضحةً أن الورش التربوية والاجتماعية تساعد في تذليل الصعوبات الموجودة. 

تعبّر كجك، ختامًا، عن شعورها بالقوة أمام صبر الأمهات والزوجات والبنات وثباتهن، ما أشعرها بحقيقية التقصير أمامهن مهما كانت التقديمات. 

الترميم النفسي والاجتماعي

موقع "العهد" تواصل مع الاختصاصية في العلاج النفسي والأسري الدكتورة شافية عز الدين، والتي قدمت المحاضرات في الورش، فشدّدت بدورها على أنه في أعقاب العدوان الأخير وما نتج عنه لا يقتصر التعافي على إعادة الإعمار المادي، بل يبدأ من الداخل: من إعادة ترميم الإنسان نفسيًا واجتماعيًا. ويعد تمكين الكوادر المجتمعية النسائية حجر الزاوية في هذا المسار، لما لهن من قدرة على الوصول إلى الفئات الأكثر تضررًا، والتأثير المباشر في إعادة تماسك النسيج الاجتماعي. إذ تشير الأدبيّات النفسية والاجتماعيّة إلى أن الدعم الأولي الذي تقدمه الكوادر المجتمعية المدربة يسهم في الوقاية من تطور الأعراض النفسيّة إلى اضطرابات مزمنة، خاصة في أوقات الحداد المعقد أو اضطراب ما بعد الصدمة.

كما أكدت عز الدين أن هذا البرنامج التدريبي، والذي نظمته الهيئات النسائية في منطقة جبل عامل الثانية وبالتعاون مع مركز أمان للارشاد السلوكي والاجتماعي، لم يكن مجرد نقل للمعلومة، بل هو بناء للجاهزية المجتمعية في التعامل مع تداعيات الفقد، خاصة بين زوجات الشهداء وأبنائهن، من خلال تمكين النساء من احتضان ذواتهن وأطفالهن بطريقة صحية، تستند إلى الفهم العاطفي العميق والمعرفة العلمية المدروسة. إذ إن المرأة التي تمكّن نفسيًا تصبح بدورها مصدر دعم واستقرار لأطفالها، وهو ما ينعكس مباشرة على صحة المجتمع النفسيّة وقدرته على التعافي التراكمي. 

وفقًا لعز الدين؛ من هذا المنطلق تناول البرنامج التدريبي المحاور الآتية:

المحور الأول: مراحل الفقد والحداد ومؤشرات الحاجة إلى تدخل متخصص

ركز البرنامج على شرح مراحل الفقد والحداد الخمسة، بحسب نموذج إليزابيث كوبلر روس، وهي: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، والتقبل. ووضحت أن هذه المراحل لا تحدث بالضرورة بترتيب معين، وقد يتنقل الأفراد بينها ذهابًا وإيابًا.

تتطرق الاختصاصية، بعد ذلك؛ إلى المؤشرات الأساسية التي تستدعي تدخلًا متخصصًا، ومنها:

- استمرار مرحلة الاكتئاب لمدة طويلة من دون تحسن (أكثر من 6 أشهر).
- اضطرابات النوم الحادة أو فقدان الشهية المستمر.
- الأفكار المتعلقة بإيذاء النفس.
- إهمال الأطفال أو السلوكيات العدوانية المتكررة تجاههم.
- الانسحاب التام من الحياة الاجتماعية أو الوظائف اليومية.
- تجليات اضطراب ما بعد الصدمة (مثل الكوابيس، الاسترجاع الذهني، والقلق المستمر).

كما توضح الفرق بين ردود الفعل "السوية" تجاه الحزن والحداد، مثل البكاء، الحنين، أو تراجع مؤقت في الأداء اليومي، وبين المؤشرات التي تتجاوز النطاق الطبيعي وتستوجب دعمًا متخصصًا.

المحور الثاني: تعزيز الفهم والاحتضان برفع الوعي السلوكي والنفسي

قدّمت مادة علمية تتناول كيفية فهم السلوكيات النفسية والانفعالية التي تصدر من الزوجة والأبناء، في مراحل الحداد، خاصة عندالأطفال والمراهقين، ومساعدتهم في التعامل معها من دون إصدار أحكام، بل عبر الاحتضان والدعم العاطفي.

المحور الثالث: استراتيجيات التفريغ النفسي وتقنياته

لفتت عز الدين إلى أن الورشة تضمنت التدريب على تقنيات فعالة للتفريغ النفسي، ومنها:

•  تمرين التنفس البطني 4-7-8: شهيق لأربع ثوانٍ، احتباس النفس لسبع ثوانٍ، وزفير بطيء لثماني ثوانٍ. يُستخدم هذا التمرين لتهدئة الجهاز العصبي وتقليل القلق.

•  أنشطة اليقظة الذهنية (Mindfulness): مثل التركيز على الحواس الخمس، أو ممارسة التأمل الواعي في أثناء المشي أو الأكل.

•  صندوق الامتنان: يُشجع المشاركات على تخصيص وقت يومي لكتابة أمر واحد، يشعرن بالامتنان تجاهه ووضعه في الصندوق. هذه الممارسة تعزز الصحة النفسية وتساعد في إعادة التوازن في الظروف الضاغطة.

المحور الرابع: إعادة الهيكلة المعرفية

بحسب عز الدين، درّبت المشاركات على مفهوم العلاقة بين الأفكار والمشاعر والسلوك، وكيف تؤدي الأفكار السلبية إلى مشاعر وسلوكيات مضطربة. وجرى تقديم تقنيات عملية لإعادة برمجة التفكير السلبي وتحويله إلى منظور إيجابي، عبر استبدال أفكار بديلة واقعية بالأفكار السلبية، وتحدي المعتقدات الذاتية المحدودة.

وتشير عز الدين إلى أن البرنامج التدريبي أظهر، في الختام، تفاعلاً لافتًا من المشاركات، فقد انعكس عمق اهتمامهن من خلال المداخلات والأسئلة والمشاركة الفعلية في الأنشطة التطبيقية. وعبّرت العديد منهن عن مدى احتياجهن لهذه النوعية من المعرفة، ليس فقط لدعم الفئة المستهدفة، أيضًا لتقوية أدواتهن الذاتية في التعامل مع التحديات النفسية والإنسانية المعقدة.

وتردف: "كان واضحًا أن البرنامج قد فتح أمام المشاركات آفاقًا جديدة لفهم الحزن والحداد من زاوية علمية وإنسانية. وقد أعربن عن رغبتهن في تعميم هذه التجربة وتكرارها، وحتى الإسهام في نقلها إلى مجتمعات أوسع. وهذا التفاعل الإيجابي يؤكد أن الاستثمار في تدريب الكوادر المجتمعية لا يثمر وعيًا فرديًا فقط، هو يُسهم فعليًا في خلق دوائر دعم مجتمعي متسعة قادرة على حمل الألم وتحويله إلى طاقة شفاء ونهوض".

التفريغ النفسي ضرورة 

بدورها، تؤكد الأخصائية التربوية فاطمة زين الدين، لموقع "العهد"، أهمية الكادر المدرب المجهز لمتابعة عوائل الشهداء، إذ إن الزوجات تحديدًا بحاجة إلى التفريغ النفسي والمتابعة، خصوصًا أنهن يحملن مسؤولية الأب والأم في آن. وتلفت إلى أن التفريغ النفسي من أهم طرائق التعبير عن المشاعر، ويساعد في التخلص من التوتر. وتلفت إلى مجموعةً من الأساليب التي تهدف إلى مساعدة العوائل في التعامل مع الضائقة النفسية، وإدارة أعراض اضطرابات الصحة النفسية. 

كما تشدّد، هنا، على أهمية أن تجد الفاقدات المساحة الآمنة لاستكشاف أفكارهن ومشاعرهن وتجاربهن بتوجيهٍ من شخص مُدرَّب.

المصدر : العهد
الكلمات المفتاحية
مشاركة