تحقيقات ومقابلات
على وقع الهتاف الحسيني الذي لا ينكسر، ارتفعت رايات العزاء في الضاحية الجنوبية لبيروت، وخرجت الحشود بالآلاف تُجدّد الولاء في يوم العاشر من محرّم، يوم الفاجعة الكبرى ويوم الموقف العظيم. هنا، حيث تختلط الدمعة بالعقيدة، والوفاء بالثبات، خرجت الضاحية، بكلّ أحيائها ومناطقها، رجالا ونساءً، شيبًا وشبابًا، في مشهدٍ يختصر قرونًا من الثورة الحسينية المستمرة، ويختزن جوهر المقاومة المتجذر في وجدان هذه البيئة الصلبة.
في حضرة الغياب..
رغم الحشود الهادرة، والشعائر التي ملأت الضاحية الجنوبية بالحضور العاشورائي، خيّم على وجدان الناس هذا العام شعورٌ عميق بالفقد، حيث غاب الصوت الذي اعتادوا أن يصدح في يوم العاشر، ذلك الذي كان يستنهض الأرواح ويشدّ العزائم. غاب الشهيد الأسمى القائد السيد حسن نصر الله جسدًا، لكنّه كان الحاضر الأشدّ وقعًا في وجدان الجماهير.
تقول الحاجة أم علي إحدى المشاركات في المسيرة، وهي تمسك بيد حفيدها وتخنقها دمعتها "هذه أوّل عاشوراء نمشي فيها من دون السيّد. لقد اعتدنا أن نسمعه يقرأ لنا كربلاء بقلبه، يبعث فينا الحياة اليوم نحن نسير من أجله، ونقول له: لن نتراجع عن الطريق".
وعند أحد المضائف، يقول الشاب رضا "السيد هو من علّمنا أن العاشر موقفٌ لا طقس، شهادة لا عادة، وها نحن اليوم نُجدّد موقفنا، ونُكمل درب الحسين كما أرادها السيّد، مقاومة لا تلين، وولاء لا ينكسر".
أما الحاج قاسم، أحد كبار السنّ الذين شاركوا في المسيرة فيرى أن المسيرة في حضرة السيّد، كانت تتّقد إيمانًا. واليوم، وفي غيابه، هي تتّقد وفاءً. لقد زرع فينا نهجًا لا يموت، ونحن نُثبت له اليوم، كما للحسين (ع)، أننا الأوفياء العارفون".
بدورها، الشابة زينب، من فرق كشافة الإمام المهدي (عج) المشاركة تشير الى "أننا تربّينا على صوت السيد وعلى كلماته وعلى دموعه في العاشر، لقد غاب صوته عن المنبر لكن صدى كلماته يملأ شوارع الضاحية وقلوبنا هو لم يرحل، بل صار نبراسًا لكل عاشوراء".
كربلاء في الضاحية.. الدم الحيّ في وجه الزمان
هنا في الضاحية الجنوبية، كانت المسيرة العاشورائية لحظة انصهار عميقة بين الناس وتاريخهم، بين دم الحسين (ع) ودماء أبنائهم الشهداء، بين وجع كربلاء وجراح فلسطين، بين صرخة "هيهات منا الذلة" وواقع المقاومة التي أثبتت أنها لا تساوم، ولا تضعف، ولا تحيد.
هكذا مشت الضاحية خلف إمامها الحسين(ع)، تمامًا كما فعلت في كلّ الساحات... صامدةً، دامعةً، واثقةً، ثابتة في كلّ زاوية من زواياها، كانت هناك روايةٌ تُكتب، مشهدٌ يُسجّل، موقفٌ يُعلن، كان الناس يقرؤون عاشوراء بلغتهم الخاصة: بالدمعة، بالراية، بالهتاف والخدمة متسلحة بموقف "ماتركتك يا حسين".